28 مارس 2008

كل يوم، أطور طرقاً للحفاظ عليها!



Your Scholastic Strength Is Deep Thinking



You aren't afraid to delve head first into a difficult subject, with mastery as your goal.
You are talented at adapting, motivating others, managing resources, and analyzing risk.

You should major in:
Philosophy
Music
Theology
Art
History
Foreign language


اختبارٌ جديد على الشبكة العنكبوتية يخبرني بأنني في المكان الصحيح، لكن المرء إذا احتاج إلى شاشةٍ تعرض نتائج يُعالجها بُريمج لتخبره بمكانه في العالم، فإنه يكون قد افتقد العقل والحس معاً، وهذان أحسبني لم أفقدهما بعد! مع ذلك، تصلح هذه الاختبارات البسيطة التي يُجيب عنها المرء للتسلية كمداخل للتفكير، وربما لقليل من التفلسف، فغاية الفلسفة حسب برتراند رسل هي: "أن تبدأ بشيء بسيط للغاية حتى أنه لا يستحق أن يُقال، لتنتهي بشيء شديد التناقض حتى أن أحداً لن يصدقه."
تقترح نتائج هذا الاختبار - الذي قد تكون وكالة المخابرات المركزية الأمريكية هي من طوره، وتحتفظ بنتائجه في خزائنها الهولوغرافية بانتظار الفرصة الملائمة لاستخدامها ضدي - أنني أحب التفكير، وحسب معلوماتي العلمية المتواضعة، فإن الدماغ هو ما ينسب إليه العُلماء التفكير، وحتى الآن، فإن الدماغ يقع في الرأس. الأمر الذي يعني أنني أحب استخدام رأسي كثيراً، وهذه - لعمري - مصيبة!..
عبرتُ برأسي عشرين شمساً، ولا زلت أريد عبور عشرين أخرى حتى أكتفي، لكن، بما أنني أحبُ استخدام رأسي كثيراً، فهذا يعني أنني سأستهلكها مبكراً، وستسقط من تلقاء ذاتها قبل أن أكمل عشرين شمساً أخرى!.. يجب أن أخفف استهلاك رأسي، وإلا نفدت مواردها ويبست كشجرة صفراء في مدينة مهجورة، ثم سقطت ذات يومٍ!.. لا.. لا.. سأخفف استهلاك رأسي.. لن أفكر كثيراً، فالتفكير من مسببات الصداع.
لكن، حتى لو لم أفكر كثيراً، لو فكرت ساعتين في اليوم فقط، كيف سأضمن أنها لن تسقط؟!..
الأشياء التي أميل إليها تُعلمني أن كارثة ستسقط رأسي واقعةٌ لا محالة!..
الفلسفة!..
الفلسفة هي البلية الكُبرى! فديكارت هو من قال ذات نازلة: "Cogito, ergo sum." فأضل جبلاً كثيراً بقوله هذا، وفسره المتكلمون من بعده بأن قالوا: "أنا أفكر، إذن أنا موجود." والتفكير أمرٌ غير محمود العاقبة، قد نُصحنا قبلاً في مدارسنا أن نُقلع عنه ونكتفي من غنيمته بالإياب طلباً للسلامة، وفراراً من الندامة. إذ أن الفلسفة صارت علماً سيء السمعة، يؤمه أناسٌ مغضوب عليهم كابن سينا وابن رشد، اللذين كان حظهما حسناً، فالناس في أيامهما كانوا أقل حدة، فلا برامج تلفاز مملة، ولا أخبار تحرض على العُنف، لذا لم تكن تسليتهم قتل الفلاسفة وشيهم، بل انشغلوا بأشياء أخرى كذبح الجعد بن درهم يوم عيد الأضحى، وشي ابن المقفع، وتمزيق الحلاج. ولا زال أناس اليوم يحتفلون بهذه المناسبات المباركة، ويتمنون لو ذُبح ابن سينا، وقُطع ابن رشد تقطيعاً.
لأفر من الفلسفة إذن فراري من الأسد، فهي عدو من يُريد الحفاظ على رأسه!
الموسيقى!..
أجارنا الله من مزامير الشيطان!.. وعاقب الفلاسفة الذين أباحوا الموسيقى وجعلوها علماً بما يستحقونه. وليعقب الله بخيرٍ على هواة الموسيقى، فإنني لا أحب أن يأخذ أحدهم رأسي ليكمل مجموعته، ودعواه تطهير المؤمنين من المساخر!..
اللاهوت!..
يا غارة الله!..
لقد أُغلق باب الاجتهاد، وفتح باب السيف!.. والسيف من الأشياء التي تسقط الرؤوس، والتي يجيد حصاد الرؤوس استعمالها!..
لا.. لا.. فلننظر فيما يلي..
الفن!..
واعلموا أن الفن كلمة مذمومة مشجوبة، فهي كسابقاتها مما شجعه الفلاسفة وحثوا عليه وتكلموا في أصوله، بدءاً برأس كُل فتنة وبلاء، أرسطو الوثني، والفن كُله حرام، حتى فن الحرب والقتل، والأولى بكل مؤمنٍ صالح محاربته ودفعه، وتطيير رؤوس المدافعين عنه.
لا..
ليس أمراً يصلح لمن يُريد أن يحفظ رأسه!..
التاريخ!..
والتاريخ هو أحاديث الأمم الغابرة، منها المؤمنة ومنها الكافرة، فأما المؤمنة فالأولى التذكير بصالح أعمالهم، وأما الغابرة فالأولى التحذير من مغبة أفعالهم، والعالم الحق هو ما يقص القصص ليُقرب من الحق، أما أن يدرس التاريخ ليقول أنه يُعيد نفسه فذلك غير الحق، مفسدة الشيطان، ومجلبة النسيان.
ومن أكثر البحث في شؤون الأمم الغابرة والحاضرة، طلع بأخبارٍ وحكاياتٍ طال عليها الدهر أو قصر بها الأمد، فاستسقى منها عبراً، وأعمل فيها كلام الفلاسفة المتكلمين، ثم جاء ينشر البلاء بين المؤمنين، فويحٌ له وألف ويح!..
لا.. ليس التاريخ علماً صالحاً للحفاظ على الرؤوس!..
اللغات الأجنبية!..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تعلم لغة قومٍ أمن شرهم." لذا، يُحثُ المؤمن الصالح على تعلم لغات الكفار، ليأمن شرهم ومكرهم، لكن الدائرة على من يتعلم علوم الكفار وأفكارهم، ويتكلم بأقوالهم. ويقول مناصرو اللغة العربية أن تعلم اللغات الأجنبية يضر اللغة العربية، ويجعل أبناءها يهجرونها، فبئساً للمتشبهين بالكفار!..
الويل!.. الويل!..
أليس هُناك من مهرب لأحتفظ برأسي؟!..
كيف أطورُ طرقاً للحفاظ عليها؟!..

هذه الرأس
ثمرة
أم طائر
أم طبق معدني
أم قصيدة نثر

هذه الرأس
لا أعرف حتى كيف تستخدم
غير أنني كل يوم
أطور طرقاً للحفاظ عليها
هذه الرأس
رأسي
وقد استحققتها بجدارة
- لم يقل لي أحدٌ لماذا -
لكنني أستحقها فعلاً
لأنها رأسي
وعلّي أن أقطع بها
أطول مسافةٍ ممكنة
أن أمضي بها بعيداً
قبل أن تسقط من تلقاء نفسها

هذه الرأس
قد أحصد من جرائها جوائز كثيرة:
  • سلة كبيرة من الأحفاد
  • وشاحاً مطرزاً بالحكمة
  • سوارين ذهبيين من الطمأنينة
  • نظاراتٍ للتذكير بالأذنين
  • عصا لممارسة التعثر بإتقان
  • طقماً صالحاً لعدم المضغ
  • بروستاتا أسطورية
    للعب البنج بنج مع الجدران
قد أحصد هذا كله وأكثر
إذا عبرت برأسي سبعين شمساً فقط
ربما لا أكون هنا أو هناك
ولكن ياللمجد
أكون قد عبرت
عبرت مع الكثرة
عبرت مع الجموع
ولم أنخدع بالاستثنائيين
أولئك الذين لا تهمهم رؤوسهم
ولا يستحقونها
مثلما أستحق رأسي

هذه الرأس
أطور كل يومٍ
طرقاً للحفاظ عليها
فأنا لا أرفعها مطلقاً
ولا أتطلع إلى السقف والجبل
لئلا يكتشفها أحدهم
وحين أنام
أسد بإحكامٍ كل منافذها وشقوقها
للتخلص من الأحلام والبعوض
وأغطيها بكل ما تقع عليه يدي
بالقبعات والكوافي والشماغات
بالخرق والقراطيس والجرائد
بالتمائم والبخور والأحذية
خوفاً من الشمس والبرد والحسد
وأغمدها بقوة بين كتفي
وأرفع ياقتي
حتى
لا تسقط
مني
في الزحام
بسبب صفعة خاطئة
من شرطي
تأخر راتبه الشهري

هذه الرأس
أستحقها بجدارة
وأطور كل يوم
طرقاً للحفاظ عليها
ولكن
من يضمن لي
أن أحدهم لن يأخذها
لمزاجه
أو لإكمال مجموعته
أو لمجرد الترويح عن النفس
أو للتغيير فقط
أو حتى من باب الاحتياط
من يضمن لي
أن أحدهم
لن يفكر بإعجاب
يالهذه الرأس!
يجب أن نرفعها
أن نعلقها عالياً
عالياً جداً
ليراها الجميع.

26 مارس 2008

الخُبْرة!.. الخُبْرة!..

كُنا نتحدث - كعادتنا - فلا نترك شيئاً إلا ناقشناه، ولا موضوعاً إلا وقلبنا كُل نواحيه التي نستطيع التفكير فيها، حتى جاء السؤال: لماذا كتب (كبيرنا) اسم صديقه الذي نعرفه في قائمة من شكرهم لملاحظاتهم القيمة على كتابه المميز، برغم أننا نعرف أن الصديق المذكور ليس على المستوى الذي يؤهله ليقيم عمل (كبيرنا)؟
وهنا يأتي الجواب سهلاً، وواضحاً، لقد شكر (كبيرنا) صديقه لأنه صديقه!.. يشربان القهوة أو الشاي سوية كل يومٍ، يغتابان أصدقائهما الآخرين سوية، يلعنان سنسفيل خصومهما، يُعلقان على كُل ما يطرأ لهما بشعورٍ مشتركٍ من التواطؤ. ليس هُنالك سببٌ أقوى من هذا!
لكن، تقول صديقتي، هذا عملٌ أكاديمي، والمعايير الأكاديمية لا شأن لها بالصداقة!..
صديقتي مثالية جداً! أمثالها قلةٌ نادرةٌ هذه الأيام، يبحث عنهم المرء باستخدام مسبارٍ فضائي، ثُم لا يُفلتهم إن عثر عليهم مهما حدث!..
المعايير الأكاديمية معايير وُضعت للتعامل البشري، وعندما يدخل العُنصر البشري في المسألة، يُصبح تطبيق قياسٍ موحد أمراً صعباً. ليفترض المرء صرامةً في تطبيق المعايير - أياً كانت - فإن عليه أن يفترض أنه لا يُطبقها على بشرٍ، وإن افترض أن البشر ليسوا بشراً، فالقياس بأكمله يسقط ويُصبح لاغياً.
الخُبرة - يا خبير ويا خبيرة - جزء من تعريف الإنسان أهمله علماء الأنثروبولوجيا والاجتماع عندما عرفوا الإنسان بأنه: حيوانٌ مُفكر ناطق، أو حيوانٌ ضاحك، أو حيوانٌ ذو دين. الإنسان حيوانٌ مُفكر ناطق ضاحك ذو دينٍ وله خُبرة. فالخُبرة كلمةٌ قد تعني الصُحبة، والحاشية، والبطانة، والجماعة. وكُل امرئٍ فردٌ في جماعةٍ، وله خُبرة، يخدمها ويقوم على مصالحها، ويضطر لمراعاتها والرفع من شأنها إن علا، حتى وإن كان يعتقد أن خُبرته جماعة حمقى!
حتى في أعمالنا - غير الجليلة، وربما غير ذات الأهمية أصلاً - كطلابٍ في الجامعات فإننا نضطر إلى مُراعاة خُبرتنا، والمحسوبون أنهم من خُبرتنا، فالخُبرة تتميز بأن المرء لا يختارها تماماً بإرادته، وإنما قد تُفرض عليه أحياناً كثيرة بداعي المجاورة، طول الصحبة، الاعتقاد الشائع بأن فُلاناً من خُبرة علان، وأن فلانة هي خبيرة علانة. وعليه، ينبغي علينا أن نُراعي خُبرتنا، فنحمل عنهم بعض الأعباء والأعمال، ونحاول الرفع من شأنهم، وقد - في حالة العمل الجماعي - نلقنهم ما ينبغي أن يُقال أو يُفعل تلقيناً. ينبغي أن نخفض أجنحتنا لخبرتنا، وأن نضعهم قبلنا أحياناً، دون أن نُدرك ذلك في كثيرٍ من الأحيان، وإن أدركنا، فإننا نعرف أننا ملتزمون بخُبرتنا التزاماً لا فكاك منه.
حتى لو كان الخبير الذي رفعناه عالماً بحقيقة قدره، وبأنه قد يكون أجهل من دابةٍ، إلا أنه، ولأننا خُبرته، يقبل الرفع والتشريف دون تردد أو تهيب، لا لأنه راغبٌ فيه، بل لأن عليه أن يتقبله لأنه محسوبٌ على خُبرةٍ يجب أن يُراعيها!
الخُبرة تُدير كُل شيءٍ دائماً، ومُستعمرة الهنود ليست شيئاً مختلفاً. تُدير دُولاً، شركاتٍ، منظماتٍ، وزاراتٍ، فصول طلابٍ، وفرق كُرة القدم في دوري الحواري الرمضاني! وتنشأ بطريقةٍ لا يستطيع المرء تحديدها بصورةٍ تعريفية قاطعة، وتطور لتتحول إلى علاقة تعايشٍ وتبادلُ منفعة تدوم مدى الحياة، بغض النظر عن أي اعتباراتٍ أُخرى، فكم من خُبرةٍ يمقتون بعضهم بعضاً!..
لذا، يُدافع المرء عن خُبرته وإن اختلف معهم، يُوجه لهم الشُكر لمجرد ثرثرتهم فوق رأسه بينما ينجز أعمالهم، ينزل عن عليائه ليؤيدهم ويرد عنهم الأعادي عالماً بأنهم يستحقون أن يُربطوا في العراء للذئاب.. ومن يتجرد عن خُبرته لا يفعل ذلك نزاهة في الغالب، بل لشدة عجرفته، وكم من رذائل نخفيها في فضائل! وكم من فضيلةٍ هي رذيلة مستترة!..
فليحرص كُلٌ على خُبرته!..

09 مارس 2008

سويني تود: الأزرق والأحمر

Sweeney Todd's Poster
I too have sailed the world and seen its wonders
for the cruelty of men is as wondrous as Peru
في كُل عملٍ قضية، أو بيت قصيدٍ. وفي لوحة تيم برتون الصاعقة عن الحلاق الشيطاني لشارع فليت، فإن بيت القصيد يأتي على لسان سويني تود/بنجامين باركر في البداية:
أنا - أيضاً- عبرت العالم، ورأيت عجائبه
فقسوة البشر مُعجزِةٌ كبيرو
يستعيد برتون في عمله "سويني تود: حلاق شارع فليت الشيطاني" حكاية قديمة قُدمت على هيئة مسرحيةٍ موسيقية شهيرة. حكايةٌ بسيطة في جوهرها، تتكرر مذكرةٍ إيانا ببساطتها طوال الفيلم:
كان هناك حلاقٌ وزوجته
وكانت جميلة
هذا هو السطر الذي تُجمع عليه جميع الشخصيات في الحكاية، حلاقُ وزوجته التي كانت جميلة. بعدها تبدأ عناصر الحبكة في التداخل، ويبدي تيم برتون براعته في فيلمه الجديد غريب الأطوار - كالعادة -.
سويني تود عاد من منفاه لينتقم من القاضي توربين الذي اغتصب زوجته، واحتفظ بابنته رهينة عنده. في البداية، تحيلنا مقدمة سويني تود الغنائية في البداية على القاضي توربين، ليصبح هو الممثل الأوحد لقسوة البشر، ويصبح انتقام سويني تود منه عادلاً:
A pious volture of the law
who with a gesture of his claw
removed the barber from his plate
then, there was nothing but to wait
and she would fall
so soft, so young, so lost
and - oh - so beautiful
غير أن الفيلم يقودنا عبر مداخله المظلمة، وشخصياته الغريبة المتشظية، ليثبت مقولة تود في البداية:
قسوة البشر مُعجزِةٌ كبيرو!
سويني تود يتحول إلى قاتل متسلسل يذبح ضحاياه من عابري السبيل بانتظار القاضي، يبدأ بذبح مبتزه، وينتهي بمذبحة لا تبقي ولا تذر، دون أن يكون لمن ذبحهم ذنب! حتى أنه يذبح زوجته، ويوشك على ذبح ابنته جوانا، فذبح القاضي توربين لم يعد الغاية، بل الانتقام من البشر أجمعين، بمساعدة حليفته العاشقة السيدة لوفيت التي تخبز لحم ضحاياه في فطائرها، فأولئك الذين ماتوا هم طعام الأحياء حسبما تخبرنا هي وتود في أغنيتهما المخيفة عن الفطائر! وفعلاً، ينال مطعمها إقبالاً لا نظير له!

Sweeney Todd and Mrs Lovett
الفيلم صورةٌ، وعناصر الصورة في قصة الحلاق الشيطاني الغريبة مذهلة، فمن خلال الإخراج الفني في الفيلم، الذي حصل على جائزة أوسكار، ترتسم صورة ضبابية زرقاء الظلال لمدينة لندن. منذ البداية، يظهر تود في سفينة قادمة من قلب الظلام، وكُل شيءٍ بدرجات الأزرق القاتمة التي تعكس كآبة الشخصيات والأحداث. تستمر الزرقة مسيطرة على الجزء الأول من الفيلم، ثم تمتزج بحمرة الدم القانية في احتفال دموي مُريع يستمر ويستمر بناء على اقتراحات السيدة لوفيت، وإبداعات سويني تود الميكانيكية، حيث أنه لم يعد بحاجة سوى لأن يمرر شفرته الفضية ليذبح الرجال الذين أسلموه أعناقهم آمنين، ثم بحركة بسيطة يسقطهم إلى القبو حيث تستقبلهم آلة هائلة لفرم اللحم وفرنٌ متوهج كجهنم!
تعامل تود ولوفيت مع تجارتهما الدموية تعاملٌ بسيطٌ إلى درجة مروعة، فالإحساس بالخطيئة غائبٌ عن كليهما كما هو غائبٌ عن القاضي توربين الذي يفترس الجميلات، ويشنق الأطفال لجرائم سيرتكبونها مستقبلاً! وما حديث لوسي المجنونة عن الشيطان الذي يسكن شارع فليت إلا كناية عن الشر الذي أصبح الحياة، والذي سيؤدي بها إلى الموت، في عالمٍ قبيح أزرق الظلال، دموي الحس. يقتل النساء الجميلات، ويذبح الغافلين، لأن قسوة البشر معجزة!.. و"الأوقات اليائسة تتطلب تدابير يائسة" كما جاء على لسان تود نفسه!
أوقاتٌ يائسة وتدابير يائسة، تعرضها كاميرا برتون بطريقة شفافة تنقل الإحساس، فغير اللونين المسيطرين على الفيلم، تتحرك الكاميرا بسرعة مع موسيقى الفيلم التصويرية في لحظات الخطر، أو لتنقل إحساس التسارع والتجاهل لكل ما في العالم الواسع لتركز على شارع فليت الذي أصبح تمثيلاً له. حيث "يقبع قلةٌ على القمة، يسخرون من الهوام"! وتبطئ أحياناً لتتوقف وتنقل إحساساً فنياً عالياً، تنظر من الأعلى لتنقل إحساس العين الكُبرى التي تُراقب أفعال البشر اليائسة، وتقف على الحياد أحياناً لترينا أفعال الشخصيات دون أن تعرض أي وجهة نظر.
يبدأ الفيلم في الظلمة، بظلالٍ زرقاء، ويمر بنوافير دمٍ حمراء، لينتهي في آتون لهبٍ يقضي على الجميع، في هذه الحكاية اليائسة التي تتكامل عناصرها بشكلٍ بديع لتنقل إحساساً بالغربة، وباليأس، وحثاً على التفكر في قسوة البشر!
فيلم سويني تود: حلاق شارع ستريت الشيطاني من إخراج: تيم برتون، وبطولة: جوني ديب (سويني تود)، هيلينا بونام كارتر (السيدة لوفيت)، وآلان ريكمان (القاضي توربين).