26 مارس 2009

حلم الصوفي

حلم ضبابي في ليلة دنيوية معلقة بهلالٍ:
أغنية مهموسة في ضوء أزلي
تغني عند انبلاج الفجر.
طيور محلقة تدعو
حيث يحرك القلبُ الحجارةَ.
هناك، يتوق قلبي.
وكلٌ في سبيل حبك.

لوحة معلقة على حائط لبلاب تؤويه الطحالب الزمردية:
تُعلن العينان هدنة ثقة
ثم تجذبانني بعيداً
حيث يذوب الرمل في بحيرات السماء
عميقاً في شفق الصحراء
وتلقي الظلمة عباءتها القرمزية
مصابيحك داعيتي إلى البيت.

ذلك أن حق ثنائي – هناك – يتشبث بسكون الليل.
والآن أحس بك تتحرك،
وكل نَفَسٍ منك بدر.
ذلك أن حق ثنائي – هناك – يتشبث بسكون الليل.
حتى البعد يغدو قرباً،
وكلٌ في سبيل حبك.


21 مارس 2009

الأدغال

مشهد غابة غرائبي، هنري روسو(مشهد غابة غرائبي، هنري روسو)

وطأة الأدغال في قلب الظلام ثقيلة كوطأة التعمق في ضميرٍ سودته الخطايا. الأدغال المظلمة المنسية في وجودٍ بدائي لأرضٍ بلا قانون أو رب مكانٌ للتجرد من كل خرق الرياء الإنساني للاعتراف بالخطايا التي أدانها الخاطئ بين الناس، وارتكبها في غفلةٍ عنهم. الأدغال هوةٌ كهوة جهنم، ليس فيها من يعود ليشهد على الخاطئ بين البشر، فتجعله يقر بإثم قلبه كما فعل غويدو حين اعترف بخطاياه التي ألقته في جهنم لدانتي:
لو حسبت سائلي عائداً إلى الدُنيا، ما أجبت
غير أن حياً لم يعد من هذه الهوة،

لذا أجيبُ بغير خشيةٍ من عار


في اختراقه لقلب الظلمة، يلمح مارلو أشكالاً في الأدغال بين الأشجار. أشكال غير بشرية، لكنها توحي بقرابة مخيفة بين المتمدنين والبدائيين. لغة أشباح الأدغال كانت مجهولة، أهي لعنة، صلاة، ترحيب، طرد. غير أن الأدغال المسحورة المكان الذي تسقط فيه كل الخرق التي تستر سوأة الإنسان المتمدن لتكشف همجيته. الآخر، شبح الأدغال، ليس إلا أنا ينظر إلّي.
في لوحات الرسام الفرنسي هنري روسو تحضر الأدغال حضوراً مشابهاً لحضورها في أعمال
جوزيف كونراد. الأدغال البدائية المسحورة مليئة بوجوهٍ مجهولةٍ ترقب من قلب الظلام، ولا يعرف الرائي كُنهها أو ما قد تحمله له. هناك خطرٌ في كل خطوة، وخوفٌ يُحركه كل شبحٍ يطل من وراء أغصان الأشجار المتشابكة. خوفٌ من الآخر البدائي، الآخر الحيواني. خوفٌ يخفي خوفاً أعظم: أن يكون الشبح البهيمي في الأدغال أنفسنا تنتظرنا لتواجهنا بكل قبحها في هوةٍ لا عودة منها.

19 مارس 2009

مرحباً جدي!

مرحباً جدي،
يا صديقي القديم!

يومك الحافل قارب النهاية.

مآثرك محزنة ومملة،

وما ترويه لا يستحق الحكاية.


عندما تكون وحيداً،

سيردد الصدى كلمات قصتك

في ردهة دار المسنين

لأنه لا يوجد من يطيق
صوتك
يا جدي!


صوت الجد
أغنية ساخرة من سلسلة آل سمبسون

17 مارس 2009

أخلاق

في حصة علم الأخلاق – قبل سنين كثيرةٍ –
سأل معلمنا السؤال ذاته كل خريف:
لو شبت نارٌ في متحف
ماذا تنقذون: لوحة لرامبرانت،
أم عجوزاً ما كان ليطول بها العيش؟
قلقين على مقاعد صلبة،
غير آبهين بالصور أو الشيخوخة
كنا نختار الحياة عاماً، وفي تاليه الفن
ودوماً، بغير حماسة.
أحياناً،
كانت العجوز تستعير وجه جدتي
مغادرة مطبخها المعتاد لتتجول
في مسودة متحف شبه مُتخيلٍ.
ذات عامٍ – شاعرة بذكائي – أجبت:
لم لا نترك العجوز تُقرر بنفسها؟
قال المُعلم:
لِندا تتجنب أعباء المسؤولية.
هذا الخريف وقفت في متحف حقيقي
أمام لوحة رامبرانت حقيقية، وعجوز
– أو شبه عجوز –، أنا.
ألوان هذا الإطار أحلك من الخريف،
أحلك من الشتاء حتى. التراب داكن
كأن أشد عناصر الأرض إشعاعاً تحترق
في قماش اللوحة.
أعرف الآن أن المرأة واللوحة والفصل
واحد. تقريباً.
وكلهم يتعذر على الأطفال إنقاذه.

14 مارس 2009

السابع: النشر يحتضر!

في 2004، تتبعت مؤسسة نايلسن بوك سكان مبيعات مليون ومائتي ألف كتاب في الولايات المتحدة، وهذا ما وجدته:
  • من هذه الكتب التي يبلغ عددها مليوناً ومائتي ألف، تسعمائة وخمسون ألفاً باعت أقل من تسعة وتسعين نسخة
  • مائتا ألفٍ أخرى باعت أقل من ألف نسخة
  • فقط، خمسة وعشرون ألف كتاباً باع أكثر من خمسة آلاف نسخة
  • أقل من خمسمائة كتاب باع أكثر من مائة ألف نسخة
  • فقط، عشرة كتب باعت مليون نسخة
  • الكتاب المتوسط يبيع خمسمائة نسخة في الولايات المتحدة
إذا كنت تقرأ هذه النقاط - خصوصاً الأخيرة - وتُفكر: "خمسمائة نسخة فقط! ما فائدة المحاولة؟" عندها أقول:
برافو! توقف عن الكتابة وسيكون لديك المزيد من الوقت لتقرأ كُتباً كتبها آخرون يكتبون خيراً منك.

هُناك أسبابٌ عديدة تجعل من هذه الأرقام إحصائيات لا تُمثل الصناعة بمجملها. فالمؤسسة تتعقب أرقام ISBN (ردمك) وليس عناوين الكتب، مما يجعل المُحتسب 70% من سوق التجزئة فقط. كما أن عدد المليون ومائتي ألف يضم القوائم والمطبوعات الصغيرة والكتب المطبوعة حسب الطلب وحتى التقاويم، بينما لا يضم أمازون أو وال مارت، حيث أنه يغطي سوق الولايات المتحدة فقط.

ومع ذلك، بناء على هذه الأرقام، فإن تقارير موت صناعة النشر مُبالغٌ فيها إلى حدٍ كبير. هُناك خمسة وعشرون ألف كتابٍ باع - على الأقل - مائة وثمانين مليون نسخة بمتوسط حسابي قدره سبعة آلاف ومائتا نسخة.

هل تعتقد أن هُناك خمسة وعشرين ألف كتابٍ في العالم يستحق القراءة؟ وإذا لم تكن قد حاولت قراءة الكتب التي تستحق القراءة بعد، ألا ينبغي أن تأسف على نفسك؟

شون لندسي، 13 نوفمبر 2006
Reason #7: Publishing Is Dying


تعليق: كان يحتضر، وسيظل يحتضر
كُتبت هذه التدوينة قبل عامين تقريباً. وقتها، لم تكن الأزمة الاقتصادية العالمية قد استشرت. في 2009، يقول كثير من الوكلاء الأدبيين – أندرو لوني على سبيل المثال – أن عدد الكُتب المُباعة لدور النشر لم ينخفض نتيجة للأزمة المالية، ما انخفض بسببها كان المبالغ التي تدفعها دور النشر لشراء الكُتب.
في العالم كله، وعبر التاريخ الأدبي منذ اختراع الطباعة، كان الكُتاب يتذمرون من احتضار النشر، وكل مرحلة تُعلن أن النشر بات يحتضر. كان النشر يحتضر في القرن العشرين، وقبله احتضر في التاسع عشر والثامن عشر والسابع عشر والسادس عشر، وسيواصل احتضاره في القرن الحادي والعشرين، ورُبما سيعبر إلى القرن الثاني والعشرين محتضراً. عملية النشر بطيئة عموماً، خصوصاً للذين ينشرون للمرة الأولى، أو الذين لا ينالون اهتماماً إعلامياً كافياً، غير أن عجلة النشر مستمرة في الدوران رغم تذمر الناشرين من رداءة طباع الكتاب وانحسار الاهتمام بالقراءة. وسوق الكتب تدر مالاً، قد يقل وقد يكثر، لكنه مالٌ آخر الأمر، خصوصاً وأن الكتاب قد تحول إلى سلعة كمالية في ظل المعايير الثقافية التي تسود العالم هذه الأيام.
في البلاد العربية – بوصفها جزءاً من العالم -، النشر يحتضر منذ فترة، وكل مرة يطول احتضاره من دون أن يعلن أحدٌ وفاته حتى الآن. سوق النشر بالعربية أقل بكثير منه بلغاتٍ أخرى، لكن هذا لا يعني أنه احتضر، فكثيرٌ من الكُتب يُنشر، ونسبة لا بأس بها منها تستحق القراءة. قد تزيد نسبة الكتب المطبوعة وقد تنخفض من وقتٍ لآخر، لكن معدل النشر يبقى فوق مستوى الاحتضار، وإن كان دون مستويات النشر في بقاعٍ أخرى كثيرة من العالم.