13 يناير 2012

ما وراء الطبيعة ١٠١

كتبتُ العديد من التدوينات عن سلسلة ما وراء الطبيعة، بدءاً بالتدوينة ذات الاسم (الأسطوري): "في عالم ما وراء الطبيعة: سينما، سينما، نوستالجيا، نوستالجيا" (٢٠٠٧) وانتهاء بالتدوينة ذات الاسم الأخف: "لوسيفر" (٢٠١٠). ولعله من العدل أن تنتهي جولتي في عالم ما وراء الطبيعة بتدوينة عن التفضيلات الشخصية في السلسلة، تشمل الأفضل، الأكثر إرعاباً، والأسوأ - من وجهة نظرٍ شخصية.

الأفضل
بشكلٍ عام، فإن أفضل قصص السلسلة القصص التي تدور في مصر. (أو في ليبيا، فأسطورة حارس الكهف تلي الأساطير في هذه القائمة مباشرة). رُبما بسبب عوامل الألفة مع المكان والجو، ورُبما لأن نقل الرُعب إلى البيئة المعهودة للمرء ينطوي على براعة كبيرة، ورُبما كان هذا ناجماً عن تشبعٍ بالتراث الغربي للرعب إلى حدِ رفضه، ورُبما - ببساطة - لأن القصص التي تحدث في مصر أفضل القصص. مع ذلك، ثمة قصتان لم تحدثا في مصر ضمن قائمة أفضل القصص: أسطورة الفصيلة السادسة، وأسطورة الرجال الذين لم يعودوا كذلك. لم تدخل أسطورة الفصيلة السادسة القائمة بسبب احتواء القائمة على على سبع مراتب فحسب، لكنها في المرتبة التاسعة - بعد حارس الكهف - في قائمة من عشر مراتب.

٧. أسطورة الرجال الذين لم يعودوا كذلك
كابوس حشراتي ينطوي على كمٍ كبيرٍ من الأشياء الباعثة على التقزز. (ليس بقدر أسطوة الشيء، لكن، بما يكفي لأن يُذهب رغبة المرء في العشاء). تناولت السلسلة موضوع الكوابيس الحشراتية من قبل في إحدى قصص حلقة الرعب، وفي القصة التي تُمهِد لأسطورة الرجال الذين لم يعودوا كذلك، أسطورة ملك الذُباب. ملك الذُباب من القصص الجيدة في السلسلة، والطريقة التي رُبِطَت بها مع مصر جميلة. ثم تأتي قصة الرجال الذين لم يعودوا كذلك، وتقع على مرمى حجر من المكسيك الجديدة (ضمن الحدود الطبيعية للمكسيك)، في الأراضي الأمريكية. رفعت إسماعيل، هاري شِلدون، وكابوس انمساخ يدور في الجنوب الأمريكي. يحتوي كل هذا العدد على كُل ما يصنع فيلم هوليوود سخيفاً من أفلام الفئة ب، لكنه - في الواقع - عددٌ ممتاز. القيظ الشديد في الصيف الهندي، شخصية المكان، القلق الذي يُسيطر على البلدة، حالة الانتظار المستمرة لنهاية العالم، المسخ، والكيفية التي يُحَلُ بها الأمر.
٦. أسطورة بيت الأشباح
العلامات الدامية، الرجال الذين لم يعودوا كذلك، بيت الأشباح ونادي الغيلان تؤشر على أخصب مراحِل السلسلة، حينَ كان كُل إصدارٍ لا يقلُ جودةً عن سابقه، بل يفوقه. تدور بيت الأشباح حول رجلٍ يُمارِس السحر في قبو بيته. قصةٌ مألوفة، لا بُد وأن كثيرين قد سمعوها همساً في الطفولة، لكن أحمد خالد توفيق يأخذ كوابيس الطفولة المتعلقة بالأشباح في القبو إلى مستوى جديد من الجودة. رفعت إسماعيل في حالةٍ طيبة هنا، رُبما من أفضل حالاته في السلسلة، ودعابته مُسلية من دون فظاظة أو جرح - وهذا مُستغربٌ منه. وإذا كان المرء - في طفولته - من الذين يخافون القبو، ويؤمنون بأن ما فيه ميتافيزيقي، وقادر على مد الأذى إلى الخارج، فإن هذه القصة لا تُقرأ إلا في رابعة النهار، لأنها ستذكره بكُل ما ترك وراءه مع الطفولة.
٥. أسطورة الجاثوم
أسطورة الجاثوم وآخر الليل عملٌ واحد في واقع الأمر، ويراه البعض أفضل أعمال السلسلة. أسطورة الجاثوم من الأفضل، بالطبع، ومن أكثر الأعداد إرعاباً. يرتبط هذا العدد بالطفولة، وينطوي على قدرٍ كبيرٍ من الرُعب، غير أن الرُعب ليس ما يجعل هذه المغامرة على قدرٍ كبيرٍ من الجودة - وإن كان يُساعِد كثيراً - وإنما الجو الذي تدور فيه الأحداث، والكيفية التي تترتب بها مؤامرة الجاثوم. بطلُ المغامرة مُدرس رياضيات يرمز لاسمه بحرف (هـ)، يتغلب على رفعت في سلاطة اللسان والوقاحة، ويقع في مشكلة كبيرة مع كوابيسه. مشاهِد قصر الإقطاعي من أفضل المشاهِد في السلسلة قاطبة، مع المفارقة الظاهرة في خطاب (هـ) عن أجداده الفلاحين في وجه إقطاعي تركي متغطرس. شخصية الأب المُهيمن في القصر توازي شخصية الجاثوم نفسها. الأمرُ عبارة عن مسرحية، والكُل قد اتخذ دوره فيها استعداداً للفصل الأخير، الفصل المهول.
٤. حلقة الرُعب
أولى حلقاتِ الرُعب، وأكثرها بعثاً على الرعب والدفء في الوقتِ نفسه. تدور في شتاء الإسكندرية الماطر، وتضُم صُحبة من أقرب الشخصيات إلى قلبي في السلسلة، المحلل النفسي سامي فهيم وزوجته ثُريا، والشرطي عادل توفيق وزوجته سهام، وهويدا - خطيبة رفعت إسماعيل السابقة، وكاتب رُعب طباعه بغيضة كطباع رفعت إسماعيل. ثمة قصصٌ هي عبارة عن "تمصير" لقصصٍ من أفلام معروفة، لكن الجو العام للكتيب العاشر جميلٌ، حميمي، ودافئ. والنهاية الملتوية كانت مفاجأة جيدة. الخشونة في هذه الحلقة تجعلها أقرب إلى القلب من حلقات أخرى أكثر (صقلاً) مثل وراء الباب المغلق.
٣. أسطورة الكلمات السبع
هذه الأسطورة متأثرة للغاية بقصة إدغار ألان بو "قناع الموت الأحمر"، لكن هذا التأثر لا يعني أنها رديئة. بالعكس، أسطورة الكلمات السبع من أفضل قصص السلسلة قاطبة. قد يرى البعض أنها تقل عن الجاثوم، لكنها تفضلها لأن راويها - رفعت إسماعيل، هذه المرة - لا يُبالغ في أهمية ذاته، وليس على القدر ذاته من السايكوباثية الذي ينطوي عليه راوي الجاثوم. واحدٌ من أكثر مشاهِد الكتيب رُعباً، دخول رفعت إسماعيل إلى المكان الذي كان الموت ينتظره فيه - والمسافر يتخذ هيئة الحاصد الجَهِم. كذلك، فإن إلحاح المسافر مُثير لكوامن البارانويا في النفس. البداية في إسكتلندا مخيفة، لكن القصة الحقيقية تحدث في مصر. والنصيحة التي تُوجَه لـ"الإخوة السفاحين الإسكتلنديين" واحدة من (طلعات) رفعت الأصيلة.
٢. أسطورة العلامات الدامية
لو كُنت سأصنع فيلماً من السلسلة، فإنه سيكون مأخوذاً من أسطورة العلامات الدامية. الكتيب يحتوي على كُل ما يصنع فيلماً جيداً: حبكة جيدة، هدفٌ واضح للشخصيات، قدرٌ وافر من الرُعب، تعددٌ في الأمكنة والأزمنة، ونسيج درامي ثري. العلامات الدامية - بغض النظر عن عنوانها - مشوقة منذ الصفحة الأولى. وتنطوي على رُعبٍ ميتافيزيقي يتعدى المكان والزمان. تورط رفعت إسماعيل في القصة يجيء بسبب خلفيته الميتافيزيقية، رغم أنّه لم يكن معنياً بها من البداية. ثمة كتاب، وثمة جامعون لهذا الكتاب، وثمة قوة تمنعهم من جمع الكتاب. الكتاب نفسه ملعون، وواشٍ. وفي النهاية، فإن الرواية تُشعل الذُعر المُتعلق بحدود المعرفة، وما إذا كانت المعرفة ترتبط بزوال الأمن. الرواية تستمدُ فكرتها الأصلية من كون هوارد فيلِبس لفكرافت الخيالي، وتظل وفية للفكرة المسيطرة عليه: المعرفة التي تقود إلى فقدان الأمن، وإلى البارانويا.
١. أسطورتنا
هذا ليس كُتيباً مُرعباً، بل يصحُ أن يُقال إنّه رومانتيكي. تدور القصة في بيئة ريفية مصرية فلاحية تخلو من حذلقات الأفندية مثل رفعت إسماعيل. الشخصية التي تروي القصة جزء من بيئتها، وتحبها. ليست غريبة عنها مثل رفعت، ولا تُحبها حُباً كولونياليا مثل حبه لكفر بدر. صحيح أنّه يتدخل بين حين وآخر لتوضيح أفكارها بلغة الأفندية، لكنه - في المجمل - غائب عن الكُتيب. القصة قصة أسرة، ترويها إحدى بناتها، وهذه جاذبيتها. الأمرُ لا يتعلق بالرعب، ولا بالغرابة، بل بالأسرة، بالبيت الذي يجري فيه الزمن بشكلٍ مُختلف. البيت ذاته ميتافيزيقي، ويمتد أثره إلى (جغرافيات غريبة) مثل القاهرة. العلامات الدامية تحتاج إلى مُخرجِ قوي الشكيمة، يحافظ على خطها الإنساني، ويحميها من التحول إلى فيلم أكشن، بينما تحتاج أسطورتنا إلى مخرج حساس يُسِلَم نفسه لجوها، ولا يفرض عليها أياً من الأفكار الأفندية المُسبقة عن الريف. (وقوي الشكيمة، أيضاً، لئلا يحولها إلى كتلة لزجة). هذه القصة أخطر قصص ما وراء الطبيعة، قاطبة، لأنها تتعامل مع التوق البشري للبقاء، ومع الاختلاف. من السهل وصف الأسرة بأنها "مختلة"، لكنها ليست كذلك. إنها خارج السياق المجتمعي، لكنها "طبيعية في ذاتها". هذا يطرح تساؤلات كثيرة عمّا هو طبيعي، وما هو غريب، مختل، أو مرفوض.


الأكثر إرعاباً
٧. أسطورة البيت
ينطوي هذا الكُتيِب على لُعبة نفسية: مواجهة مخاوف الطُفولة و(جرائمها) الصغيرة. هذا الكُتيب واحدٌ من أكثر قصص السلسلة جودة وبراعة، كما أنّه من أكثرها بعثاً على الرعب، إذ يكفي مشهدُ شيراز في صالة بيت ابن خال رفعت وحده ليضمن لهذا الكتاب مكانه في القائمة. غير أن أكثر ما يبعث على الرُعب في الأمر أن ألعاب الطفولة البريئة تلحق بالمرء بشكلٍ لا يُمكِن الفكاك منه. الأمرُ كُله يتعلق بفضولٍ طفولي، ثم اضطر الأطفال إلى هجر البيت وصديقة طفولتهم تحت ضغط الكبار، ثم عادت صديقتهم المهجورة لتنتقم. جزءٌ من الأمر يتعلق بالطفل المنبوذ، وجزءٌ منه يتعلق باكتشاف المرء أن جزءاً كبيراً من طفولته كان وهماً. هذا الكُتيّب واحدٌ من القصص الشاعرية القليلة في السلسلة، وواحداً من أكثرها بعثاً على الرُعب.
٦. أسطورة المينوتور/أسطورة الطوطم
كلتا الأسطورتين تتشاركان شيئاً مُهماً: أنهما تدوران حول مسخ يقف على قدمين مثل الإنسان، لكن جذعه جذع وحش. ثمة شيء مُرعب بشأن هذا النوع من المسخ، أكثر من الفكرة الشائعة عن القنطور - مثلاً - ذي الجذع الإنساني والأقدام الحصانية. أسطورة المينوتور تشبه في قصتها فيلماً نسيت عنوانه (لو أن ثمة من يُمكِن يتصفح مُلحق حبكات أفلام الرعب في كتاب السينما الخيالية الذي ترجمه مدحت محفوظ ويزودنا بعنوان الفيلم!) لكنها مُرعبة مع ذلك، وفيها مشاهد من الصعب نسيانها، مثل تحديق المينوتور بالزوجة من وراء زجاج النافذة. الطوطم تحتوي على مشهدٍ يصعب نسيانه كذلك، خروج الطوطم من مكانه وتدميره لشقة رفعت إسماعيل. الرُعب المرتبط بإمكانية تعرضه للوحش، وبتدنيس حرمة البيت، الذي يعتبره المرء ملاذه وحصنه الطبيعي. مع ذلك، فإن للمرء تحفظاتٍ كثيرة على الطوطم: أولها استغلالها الكولونيالي لتراث الهنود الحمر. استغلال هوليوود للهنود الحمر بالشكل الذي نراه حالياً لا يُبيح للعرب فعل الشيء نفسه، لأن العرب شعوبٌ ترزخ تحت الاستعمار البشع ذاته الذي ترزخ تحته الشعوب الهندية الحمراء. واستغلال أساطير بعض الأمم الهندية بهذا الشكل الكولونيالي نوعٌ من أكل المرء لحم أخيه في الاضطهاد.
٥. أسطورة رجل بكين
هذه أسطورة مُرعبة، تحتوي على قدرٍ كبير من الأشلاء والأشياء الباعثة على التقزز، ومُخلفات الحرب العالمية الثانية. في العنوان لعبة، فالأسطورة ليست عن رجل بكين، وإنما عمّا فتك برجل بكين، وعاد إلى الحياة. مشهد الصناديق في قعر السفينة ثم في القطار يُذكر بمشهد التوابيت في قعر السفينة في رواية دراكيولا بكُل ما يبعثه من قشعريرة وتشاؤم. ثمة شيء طريف بشأن هِن-تشو-كان، صديق رفعت إسماعيل المسافر عبر الأزمنة: المسوخ التي يتعرض لها مسوخٌ حقيقية، رجل الثلج ورجل بكين، لكنه يستطيع التصرف بشأنها. يُفترَض أنّه قد تم الخلاص من (الشيء) وأنّه لن يعود ثانية، لكن بقاء هذا الشيء آلاف السنين، وقصة تنقله بين الأمريكيين واليابانيين، ومذبحة القطار، وجو القصة الكئيب الذي يدور في اليابان يجعلها من أكثر قصص السلسلة (هولاً) وبعثاً على الكآبة والقشعريرة. بالنسبة لي، ليس هذا بالكُتيِب الذي تُعاد قراءته للمتعة.
٤. أسطورة لعنة الفرعون
رفعت إسماعيل يحتقر الثقافة الفرعونية، وقد يكون هذا فعلاً ثورياً لأن التراث الفرعوني جزء من الطريقة التي يُحَوِلُ بها الغرب - هوليوود خصوصاً - مصر إلى أغربة، أو إلى "نكتة فلكلورية". غير أن رفعت يحتقر الثقافة الفرعونية من منطلق احتقاره لكل الثقافات الوثنية، ويستوي عنده في ذلك التراث الفرعوني مع الإغريقي مع الهندي الأحمر. لذلك، فإن التعارض بين خوف علماء المصريات من اللعنة، وبين استخفاف رفعت بما يحدث حوله يسمح بحدوث قصةٍ كارثية تحتوي على قدرٍ وافرٍ من الرُعب. في الواقع، يتطلب الأمرُ قدراً من البراعة لكتابة قصةٍ مُرعبة حول لعنة الفراعنة بعد أن استنفد المستعمرون كل الحبكات المتعلقة بالمسألة. المشهد الذي يفتح فيه (الشيء) النافذة وحده كفيلٌ بأن يجعل هذه الرواية واحدةً من الأكثر رُعباً في السلسلة.
٣. أسطورة الجاثوم
الجاثوم مسخ، لكن الرُعب فيها ليس رُعب مُسوخٍ بسيطاً مثل ذاك الذي في المينوتور والطوطم ورجل بكين ولعنة الفرعون وحارس الكهف. رُعب الجاثوم متعلقٌ بالحدود بين الحُلم والواقع، وانهيار الحدود بين الواقعي والخيالي. من المُمتع أن يتخيل المرء وجود الجاثوم، لكن خروج الجاثوم من أحلامه فزعٌ لا مَفَرَ منه. انهيار الحواجز، مع احتفاظ المرء بحسه بالواقع، أكثر رُعباً من الجنون ومن البارانويا. إنّه أمرٌ لا يُمكِن التعامل معه إلّا بأن يكون المرء جزءاً منه.
٢. أسطورة العلامات الدامية
هذه ثاني أسطورة في قائمة الأفضل تدخل قائمة الأكثر رُعباً. يُمكِن القول بإن الجاثوم تفوقها رُعباً وجودة، لكن الجاثوم كانت "غائية" في رُعبها. أي أن للجاثوم هدفاً مُحدداً، والطريقة المسرحية التي يترتب بها الأمر تختلف عن الكيفية التي تترتب بها مذابح كتاب العزيف. في هذه الرواية، مُعظم المشاركين في جمع كتاب العزيف لا يؤمنون بأنه يملك أي نوعٍ من القوة، وهم يفعلون ذلك مجاملة لزميلٍ لهم أراد مجاملة أستاذه الإنكليزي. (هذه النُقطة بالذات تجعل هذه القصة ومضة تجلٍ خالص بإشارتها الواضحة إلى الكولونيالية). الرُعب بحد ذاته أمرُ ميتافيزيقي، والرُعب المعرفي بعدُ آخر من الميتافيزيقية. الخوفُ الحقيقي ليس من العشرين شيطاناً، وإنما من (المعرفة) بهم. الرُعب من العزيف رُعبٌ من المعرفة التي يجلبها الكتاب. ولذلك يُسبب مُلخص "العشرين شيطاناً" رُعباً آخر. إنّه ينطوي على معرفة. ولذلك كان كُل ضحايا الكتاب من أصحاب المعرفة. رفعت لم يذهب ضحية للكتاب لأنه رفض المعرفة - أكثر من كونه قد تلقى معونة من صديقه الساحر اليهودي. كذلك، لا يخلو هذا العدد من رُعبٍ مسوخي يتفوق على الرعب الذي يمثله الجاثوم والطوطم والمينوتور وحارس الكهف مجتمعين.
١. أسطورة حارس الكهف 
الإمكانيات السينمائية للسلسلة أمرٌ يتحدّث عنه الكثيرون مُنذ بدءها. ومن المُمكِن أن يُجادِل المرء بأنها قد كُتِبَت للتناول الدرامي، فمُعظم قصصها تصنع أفلاماً جيدة من الفئة ب. لكن - في تقديري الشخصي - فإنّه يُمكِن للمرء أن يصنع ثلاثة أفلام عظيمة بناء على (العلامات الدامية، أسطورتنا، وحارس الكهف). ثمة أخطاء جغرافية بالجُملة في الكتاب، الأمرُ الذي يبعث على قليلٍ من الحرج، لكن هذا ليس مُهماً، لأنها رواية وليست كتاب جغرافيا. (نعم، نعم، الخلل في تحديد موقع كهوف الطاسيلي أصلاً يهزم غرض القصة، لكن هذا أمرٌ قابل للإصلاح في الفيلم. المهم أن القصة جيدة).
يُمكِن أن توصف هذه القصة بأنها قصة رُعبٍ مسوخي عادي، لكن جانباً كبيراً من الرُعب فيها يأتي من البعثة نفسها التي خرجت للاستطلاع: رفعت إسماعيل العصبي الذي يشتبك دائماً مع الإيطالي المجنون باولو جيرالدي، أحمد ومحمود الليبيان الذان يذهبان ضحية لجنون الإيطالي، الطوارق الذين يعيشون في المكان لكنهم لا يملكونه، وتُعكر صفو حياتهم أفعال المستجدين عليه. الصحراء بحد ذاتها مخيفة وكئيبة، ويُضاف إليها الثقل الميتافيزيقي للجنون، واعتقاد باولو جيرالدي أن ميراثه الاستعماري يُخوله التحكم بأهل البلد، ثم فتح البوابة. إنها الجانب المُظلم من المغامرة: قد تقود المغامرات إلى ثرواتٍ طائلة مثل ثروات المايا والإنكا، وقد تقود إلى إخراجِ رُعبٍ دفين. ثم إن هذا الرُعب متجددٌ لا ينقضي، إن ذهب واحد، ثمة آخرون. مسوخ، جنون، صحراء، وحشة، ورُعبٌ معرفي. حارس الكهف أكثر قصص السلسلة رُعباً على الإطلاق، وتُبطن كُل ثيماتها اللاحقة.
(المونتاج لمشهد سقوط الطائرة جيد، لكنه ليس ما كُنت لأفعله. إنّه أكثر "هوليوودية" مما ينبغي من قصةٍ صحراوية. ينبغي احترامُ الصحراء، خصوصاً في المونتاج).

الأسوأ
يُمكِن القولُ  إن كُل الكُتيبات الصادرة بعد أسطورة الطوطم تصلُح للدخول في قائمة أسوأ الأساطير الصادرة، غير أن هناك درجاتٍ للسوء بينها، تتربع على قمته أسطورتا الطفيل والفتاة الزرقاء، وكلتاهما تزيحان قصصاً مثل أسطورة معرض الرعب خارج قائمة الأسوأ. بينما تتوزع بقية القصص في قائمة الأسوأ على تاريخ السلسلة. في الغالب، فإن السلسلة لا تُبلي حسناً مع الخيال العلمي وقصص الفضاء، وقد يعود هذا إلى أن الخيال العربي ما زال يرى الفضاء بعيداً وغير مسكون، (أو - ببساطة - إلى تفضيل شخصي). كان يُفترض بثُلاثية إيجور أن تكون ضمن القائمة، لكن اقتصارها على سبِع مراتب جعلها لا تظهر. ثُلاثية إيجور تحتل المرتبة الثامنة في قائمة الأسوأ، منفردة بين جميع روايات السلسلة بطولها المُبالغ فيه.
٧. أسطورة الطفيل
في السلسلة العديد من المزحات، وكانت أسطورة الطفيل تحظى بلقب أسمج مزحة، حتى انتزعته منها أسطورة الفتاة الزرقاء. رِفعت إسماعيل وهِن تشو كان في مول مُغلق، تحاصرهما (أمهات) من الطين، يطلعن عليهم من "البالوعة". مزيجٌ من رُعب الجسد، الميزوجينيا، ومفارقة بين احترام عقيدة هِن تشو كان، وبين "مسخرة" الإلقاء بكتاب النافاراي في المجارير. خليطٌ مضطرب ومشوش، ينتج عنه كُتيبٌ أقرب إلى الاشتغالة.
٦. أسطورة العراف
(كوكتيل) خيال علمي: فيروس مدمر، سفر عبر الزمن، سيناريوهات "ماذا لو" متعددة. حُلَت مُشكلة عدم العِلم بالغيب بالسفر عبر الأزمان، لكن المُسافِر عبر الأزمان يُسافِر ليُغير من قدره في الأصل. وهذا يدخل في نطاق "منع القدر": لقد عرف مصيره، وهو الآن يُحاول منع منبعه. أي أن منطق العمل يبقى يأكل بعضه بعضاً. ثمة نواحٍ لا بأس بها في القصة، لكن العمل كُله أطول مما يُحتمل، والأشعار فيه خطرٌ على الصحة العامة.
٥. أسطورة الدمية
لا حرج في عدم الإيفاء ببعض الوعود، خصوصاً لو كان الإيفاء الناتج أسطورة الدمية. هاري شيلدون، صديق رفعت إسماعيل الأمريكي المولع بالنساء، يقع تحت استحواذ ساحرة فودو إفريقية، بينما يحاول استرداد دمية زوجته. مزيجٌ من الفودو، البحث عن الغرين كارد، وبعض الهوكس بوكس. الفكرة عن الفودو في السلسلة قد ينطبق عليها مفهوم "الاستشراق" الذي تتذمر منه السلسلة نفسها في وصف المجلس (العربي) في حكايات التاروت.
٤. أسطورة الفتاة الزرقاء
لا توجد فتاة زرقاء في القصة، ولا معنى للاسم أو دلالة. هذه واحدة من مزحات السلسلة، لكنها - حتى الساعة - أشد مزحاتها سماجة. ثمة أشياء معقولة في القصة، وفيها يعود رمزي حبيب الغائب عن السلسلة مُنذ أسطورة صندوق بندورا، لكنها عودة باهتة، تكاد تخلو من أي قيمة. يظهر أن هذه القصة جسرٌ بين المغامرات المُسلسلة في بعض المواقع، وبين السلسلة نفسها.
٣. أسطورة المنزل رقم ٥
لا بُد أن تظهر قصة خيالٍ علمي في السلسلة بين حين وآخر. (في الواقع، يُمكِن القول إن كُل قصص السلسلة قصص خيالٍ علمي بشكلٍ أو بآخر، لكن الخيال العلمي هنا محصور بقصص الفضاء الخارجي، والقصص التي تحتوي على مختبرات وتحاليل وتفسيرٍ "علمي" على نحوٍ ما). قصص الفضائيين واضحة: فضائيون يتنكرون بثياب الأرضيين، ويأتون إلى الأرض في مهمة. أول قصص "إنهم بيننا" في السلسلة كانت "اشتغالة" من لوسيفر لرفعت ضمن حكايات التاروت - بعد استثناء أسطورة الغرباء، التي اتضح أنها كابوس برد. "اشتغالة" لوسيفر طريفة، مُقارنة بحكاية المنزل رقم ٥. رفعت إسماعيل يجد نفسه في منزلٍ في أستراليا ليس إلّا سفينة فضائية ستعيد الفضائيين إلى كوكبهم. الفكرة طريفة، لكنها ليست ميتافيزيقية، وليست مُرعبة، وليس فيها تجديد في مسألة الفضائيين، وليس فيها خيط أحداث مثير للاهتمام.
٢. أسطورة الغرباء
يُقال أن ثمة نادياً لكارهي أسطورة الغرباء. إذا كان موجوداً بالفعل، فسأنضم إليه. ثمة قسمان لهذه القصة: قسمٌ يُروى عن طريق قصاصات الصُحف والمذكرات، وقسمٌ يحكي فيه رفعت قصة كابوس فضائي سويسري. (من السهل أن يحزر المرء القسم الجيد فيهما.) بشكلٍ عام، فإن كُل القصص التي تحدث في سويسرا مملة وكئيبة، رُبما بسبب عُنصر الإزاحة المكانية. غير أن عُنصَر الإزاحة المكانية موجودٌ أيضاً في قصصٍ كثيرة من السلسلة، وتبقى قصصاً جيدة. سويسرا بلدٌ ثقيل الدم.  هناك استحواذٌ فضائي. وقصةٌ مأخوذة عن فيلم. وفي النهاية، فإن رفعت لم يتغطَ جيداً قبل أن ينام. (رفعت يستطيع أن يغلب سويسرا في ثقل الدم).
١. أسطورة (###099)
فضائي في مُهمة يعجز عن العودة إلى كوكبه. العنوان يقول كُل شيء. المُلام من يقرأ كتاباً عنوانه أسطورة ###099، ويتوقع منه أن يكون معقولاً.

ومن ثم؟
هذه ثلاث قوائم شخصية للأفضل، الأكثر رُعباً، والأسوأ في السلسلة، وبلا شك، فإن التفضيلاتِ الشخصية تختلفُ من شخصٍ لآخر. واحدٌ من أسباب وضع هذه القائمة شعورٌ بالفضول إزاء التفضيلات الشخصية للآخرين: ما الذي تعتقدونه الأفضل؟ الأكثر إرعاباً؟ أو الأسوأ؟
يتبقى من السلسلة كتابان، أسطورة حامل الضياء - التي يُفترض أنها تدور حول لوسيفر - والكُتيب الأخير. وسيكون خيراً للجميع لو تأخر صدور هذين الكتابين أطول وقتٍ مُمكِن. الرُباعية الجيدة في السلسلة (العلامات الدامية، الرجال الذين لم يعودوا كذلك، بيت الأشباح، ونادي الغيلان) جاءت بعد فترةٍ ما من الانقطاع، وفيها كان رفعت في أحسن حالاته، كما أن المادة الأدبية لهذه الكُتيبات كانت دسمة، حتى صح أن تُسمى روايات.
ثمة ثيماتٌ بعينها حضرت في السلسلة، وقد يكون تحليلها عملاً ذا وجاهة، غير أن المُشكلة أنّه لا يوجد كثيرون ممن يأخذونها على محمل الجد لقراءتها بشكلٍ جدّي. قد يكون هذا رفعت ذاته يجني حصائد أعماله، بعد أن ظل ينشر مقته للثقافة (النخبوية) المتعلقة بـ(تاريخ المسرح العالمي) - وهذا كتابٌ مثيرٌ للاهتمام، بالمناسبة - وللنقد الأدبي المنهجي - خلافاً للنقد الانطباعي الذي يمارسه طوال الوقت، ويُقدّم حلولاً فكرية سهلة: قوالِب ومصطلحات يحفظها المرء ويُلقيها هنا وهناك، تصلح لأن تُسمى "كيف تصير متثاقفاً في خمسة كُتيبات".
مع ذلك، ثمة أمل. ألسنا على أعتابِ ما يُمكِن أن يكون "شفاء عين المُبتلى"؟

هناك تعليقان (2):

  1. مقال رائع وجميل
    وان كنت اختلف معك في افضل القصص واكثرها رعبا...
    بالنسبة للافضل فهي ثنائية آخر الليل والجاثوم على التوالي ومن بعدهما اسطورة النبوءة الجزء الاول من دون الجزء الثاني ، حيث أن عنصر الاثارة والشد رهيبين فيها...

    والاكثر رعبا ايضا ثنائية الجاثوم ومن بعدها حارس الكهف..

    عذرا على الاطالة...

    وشكرا.....

    ردحذف
  2. في انتظار تعليقك على حامل الضياء بجزئيها، حيث ان عزيزك لوسيفر قد انتهى امره

    ردحذف