مقابل صبيانية لورد فولدمورت وهملت، يأخذ براند ومارك أنتوني وأوديب الأمور بجدية شديدة. هدوء براند الغريب، وخطابة مارك أنتوني المتفجرة، وثقة أوديب المتغطرسة تقود هذه الشخصيات إلى سقوطها المأساوي المُحتَم - رُبما باستثناء مارك أنتوني الذي لن يسقط حتى مسرحية أنتوني وكليوباترا.
حين لا يُطابق حساب الفرد حساب العالم
في سعيه إلى الرب، يُضحي براند بكُل شخصٍ قد يكون قريباً إليه. ويصعد منحدراً مستقيماً إلى الأعلى، لكنه ينتهي في القاع مُحطماً بعد أن دمرته الشياطين التي سكنته. يعتقد براند نفسه مُخلصِاً، ويؤمن بأنه يسعى لخلاص روحه ومن حوله، لكنه إذ يُجاهد ليُعتق روحه من النار، يُعتقها من الإنسانية. مُقترب فاينز لأداء شخصية براند المُعقدة والعاصفة هادئ هدوء الثلج الذي يُحيط ببراند، لكنه هدوء مُخيف ومُظلم. جنون براند واضحٌ في هدوئه، وفي خضوعه المُطلق لما يعتقد أنه القوة العُليا. ما كان يُفترض ببراند إبسن أن ينطقه بقوةٍ وحسم، ينطقه براند فاينز بخضوع غريب. في خطاباته العاصفة حرارةٌ مبعثها اقتناع براند الراسخ. براند ليس مجرد قسٍ كالفني متطرف في زُهده، بل إنه مُلهَمٌ - أو مجنون - يرى خلاصه وخلاص العالم مُرتبطاً بالانعتاق من كُل نيرٍ دنيوي.
هدوء فاينز العنيف في براند، وجنونه الدموي المُظلم يتحول خطابة عنيفة وحيوية ومُتفجرة في أداءه لدور مارك أنتوني في الإنتاج الملحمي المُعاصر لمسرحية شكسبير الشهيرة يوليوس قيصر. في البداية، ليس مارك أنتوني أكثر من مجرد سكير يُبقيه يوليوس قيصر في حاشيته لأنه يُسليه - يُمضي فاينز مُعظم المسرحية قبل مقتل قيصر مرتدياً قميصه الداخلي وسروالاً أبيض -، ثم يتحول إلى خطيبٍ عنيفٍ ومُتفجر بعد مقتل قيصر. يُشير أنتوني للجريمة والمجرمين، ويقود بخطابته بروتوس والمتآمرين إلى موتهم. انفجار مارك أنتوني العنيف وخُطبه العصماء لا تُناسب مُهرج قيصر الذي يُلقي به السُكر في كُل مكانٍ حول القصر. لكن عربدة أنتوني العنيفة، وولاءه لقيصر يُبرران تحوله الدرامي. في أداءه، يختار فاينز إظهار جانب أنتوني العنيف في رقصه على المسرح أثناء سكره، وفي اشتراكه في مُسابقة رياضية بناء على طلب قيصر، حركاته متوترة، متشنجة، عنيفة، وتوحي بأن مارك أنتوني أكثر بكثير مما يظنه فيه من حوله.
يقترب مارك أنتوني من جثة قيصر الدامية، ويتحقق من موته، ليُشير بوضوحٍ إلى القتيل وإلى قتلته، ويبدأ انفجاره العنيف مُطالباً بالثأر لقيصر، وبالعدالة له. لولا خطابة مارك أنتوني وصرامة شخصيته، والعُنف الذي توحي به حركاته، لكان بإمكان مارك بروتوس النجاة من غائلة مؤامرة قتل يوليوس قيصر، ولرُبما كتب التاريخ أن قيصر كان طاغية، وكان قتلته أبطالاً. شخصية مارك أنتوني الحادة تُشير بوضوح إلى أنه سيسقط سقوطاً مأساوياً قادماً، لأنه لا يزنُ عواطفه، ولا يعرفُ غير أن يُلقي بنفسه في وسط النيران.
في أوديب، يُقدم فاينز أوديب واثقاً من نفسه إلى حد الغطرسة. أوديب يهزأ بالعراف الأعمى، وبالكورس الذي يُخبره الحقيقة. أوديب الذي يلعن نفسه دون أن يعرف، حارماً نفسه من قطرة ماء تسقيه إياها الشفقة لأنه جلب اللعنة على طيبة. خطابُ أوديب عن جالب اللعنة مُخيف، ليس فقط في مُفارقة أن أوديب يُلقي قدره هو، بل في التشفي الكامن في كلمات أوديب. أوديب مُصمم على تعذيب جالب اللعنة بهدوء تام، وهو مستعدٌ لإلحاق الأذى به من دون التفكير في أي رحمةٍ قد يستحقها جالب اللعنة الغافل. غطرسته تأتي من كونه ملك طيبة المتوج الذي لا يُنازعه أحدٌ سلطته. ثقته لأنه قد قتل لايوس وتزوج امرأته يوكاستا، وامتلك بذلك الدولة والفراش، غير مُدركٍ للعبة الآلهة، ولكون لايوس أباه ويوكاستا أمه. في مسرحية مليئة بالمُفارقات، تتحول خطوات أوديب من غطرسة الملك إلى تذلل طالب الرحمة. أوديب يبكي بناته اللائي لن يُريدهن أحدٌ، فأبوهن أخوهن، وأمهن جدتهن. وفجأة يجد نفسه ابناً عاقاً، وأباً عاجزاً عن حماية أبنائه، وملكاً معزولاً. الخلل في شخصية أوديب يكمن في غروره وإيمانه بعلوه، ويقوده هذا الخلل إلى القاع زاحفاً على الأرض مُضرجاً بالدماء بعد أن فقأ عينيه يسأل الخلاص من قضاءٍ أنزله بنفسه غير عالم. - والدُماء تلوث براند، ومارك أنتوني، وأوديب قُرب نهايات المسرحيات الثلاث -.
في التراجيديات الثلاث، تُحاول الشخصيات الثلاث فرض رؤيتها على العالم، لكن هذه الرؤى - التي قد تكون نبيلة المقاصد - تنتهي إلى سقوط دموي فاجع - قد لا يتحقق تماماً في يوليوس قيصر -، وفي أداء فاينز المُميز لهذه الشخصيات الثلاث، يقترب منها بهدوء موحياً بما سيلي من سقوط مُثل براند إلى هاوية الجنون، وصعود مارك أنتوني العنيف، واكتشاف أوديب لحقيقته المُروعة التي تهز كُل حصون ثقته المُستعارة وتُزلزله هاويةً به إلى قاع الخراب. يُدرك فاينز أن الخلل في هذه الشخصيات يكمن في أن العالم لا يسير وفق ما تتوقعه، وأن هذا الاختلاف سيولد حركاتٍ درامية عنيفة، فيُضيف عُمقاً درامياً وعُنفاً بمقتربه الهادئ الذي يُطمئن المُشاهد الغافل ليأخذه معه في رحلاتٍ عاصفة إلى الجانب المُظلم من الحياة.
حين لا يُطابق حساب الفرد حساب العالم
في سعيه إلى الرب، يُضحي براند بكُل شخصٍ قد يكون قريباً إليه. ويصعد منحدراً مستقيماً إلى الأعلى، لكنه ينتهي في القاع مُحطماً بعد أن دمرته الشياطين التي سكنته. يعتقد براند نفسه مُخلصِاً، ويؤمن بأنه يسعى لخلاص روحه ومن حوله، لكنه إذ يُجاهد ليُعتق روحه من النار، يُعتقها من الإنسانية. مُقترب فاينز لأداء شخصية براند المُعقدة والعاصفة هادئ هدوء الثلج الذي يُحيط ببراند، لكنه هدوء مُخيف ومُظلم. جنون براند واضحٌ في هدوئه، وفي خضوعه المُطلق لما يعتقد أنه القوة العُليا. ما كان يُفترض ببراند إبسن أن ينطقه بقوةٍ وحسم، ينطقه براند فاينز بخضوع غريب. في خطاباته العاصفة حرارةٌ مبعثها اقتناع براند الراسخ. براند ليس مجرد قسٍ كالفني متطرف في زُهده، بل إنه مُلهَمٌ - أو مجنون - يرى خلاصه وخلاص العالم مُرتبطاً بالانعتاق من كُل نيرٍ دنيوي.
هدوء فاينز العنيف في براند، وجنونه الدموي المُظلم يتحول خطابة عنيفة وحيوية ومُتفجرة في أداءه لدور مارك أنتوني في الإنتاج الملحمي المُعاصر لمسرحية شكسبير الشهيرة يوليوس قيصر. في البداية، ليس مارك أنتوني أكثر من مجرد سكير يُبقيه يوليوس قيصر في حاشيته لأنه يُسليه - يُمضي فاينز مُعظم المسرحية قبل مقتل قيصر مرتدياً قميصه الداخلي وسروالاً أبيض -، ثم يتحول إلى خطيبٍ عنيفٍ ومُتفجر بعد مقتل قيصر. يُشير أنتوني للجريمة والمجرمين، ويقود بخطابته بروتوس والمتآمرين إلى موتهم. انفجار مارك أنتوني العنيف وخُطبه العصماء لا تُناسب مُهرج قيصر الذي يُلقي به السُكر في كُل مكانٍ حول القصر. لكن عربدة أنتوني العنيفة، وولاءه لقيصر يُبرران تحوله الدرامي. في أداءه، يختار فاينز إظهار جانب أنتوني العنيف في رقصه على المسرح أثناء سكره، وفي اشتراكه في مُسابقة رياضية بناء على طلب قيصر، حركاته متوترة، متشنجة، عنيفة، وتوحي بأن مارك أنتوني أكثر بكثير مما يظنه فيه من حوله.
يقترب مارك أنتوني من جثة قيصر الدامية، ويتحقق من موته، ليُشير بوضوحٍ إلى القتيل وإلى قتلته، ويبدأ انفجاره العنيف مُطالباً بالثأر لقيصر، وبالعدالة له. لولا خطابة مارك أنتوني وصرامة شخصيته، والعُنف الذي توحي به حركاته، لكان بإمكان مارك بروتوس النجاة من غائلة مؤامرة قتل يوليوس قيصر، ولرُبما كتب التاريخ أن قيصر كان طاغية، وكان قتلته أبطالاً. شخصية مارك أنتوني الحادة تُشير بوضوح إلى أنه سيسقط سقوطاً مأساوياً قادماً، لأنه لا يزنُ عواطفه، ولا يعرفُ غير أن يُلقي بنفسه في وسط النيران.
في أوديب، يُقدم فاينز أوديب واثقاً من نفسه إلى حد الغطرسة. أوديب يهزأ بالعراف الأعمى، وبالكورس الذي يُخبره الحقيقة. أوديب الذي يلعن نفسه دون أن يعرف، حارماً نفسه من قطرة ماء تسقيه إياها الشفقة لأنه جلب اللعنة على طيبة. خطابُ أوديب عن جالب اللعنة مُخيف، ليس فقط في مُفارقة أن أوديب يُلقي قدره هو، بل في التشفي الكامن في كلمات أوديب. أوديب مُصمم على تعذيب جالب اللعنة بهدوء تام، وهو مستعدٌ لإلحاق الأذى به من دون التفكير في أي رحمةٍ قد يستحقها جالب اللعنة الغافل. غطرسته تأتي من كونه ملك طيبة المتوج الذي لا يُنازعه أحدٌ سلطته. ثقته لأنه قد قتل لايوس وتزوج امرأته يوكاستا، وامتلك بذلك الدولة والفراش، غير مُدركٍ للعبة الآلهة، ولكون لايوس أباه ويوكاستا أمه. في مسرحية مليئة بالمُفارقات، تتحول خطوات أوديب من غطرسة الملك إلى تذلل طالب الرحمة. أوديب يبكي بناته اللائي لن يُريدهن أحدٌ، فأبوهن أخوهن، وأمهن جدتهن. وفجأة يجد نفسه ابناً عاقاً، وأباً عاجزاً عن حماية أبنائه، وملكاً معزولاً. الخلل في شخصية أوديب يكمن في غروره وإيمانه بعلوه، ويقوده هذا الخلل إلى القاع زاحفاً على الأرض مُضرجاً بالدماء بعد أن فقأ عينيه يسأل الخلاص من قضاءٍ أنزله بنفسه غير عالم. - والدُماء تلوث براند، ومارك أنتوني، وأوديب قُرب نهايات المسرحيات الثلاث -.
في التراجيديات الثلاث، تُحاول الشخصيات الثلاث فرض رؤيتها على العالم، لكن هذه الرؤى - التي قد تكون نبيلة المقاصد - تنتهي إلى سقوط دموي فاجع - قد لا يتحقق تماماً في يوليوس قيصر -، وفي أداء فاينز المُميز لهذه الشخصيات الثلاث، يقترب منها بهدوء موحياً بما سيلي من سقوط مُثل براند إلى هاوية الجنون، وصعود مارك أنتوني العنيف، واكتشاف أوديب لحقيقته المُروعة التي تهز كُل حصون ثقته المُستعارة وتُزلزله هاويةً به إلى قاع الخراب. يُدرك فاينز أن الخلل في هذه الشخصيات يكمن في أن العالم لا يسير وفق ما تتوقعه، وأن هذا الاختلاف سيولد حركاتٍ درامية عنيفة، فيُضيف عُمقاً درامياً وعُنفاً بمقتربه الهادئ الذي يُطمئن المُشاهد الغافل ليأخذه معه في رحلاتٍ عاصفة إلى الجانب المُظلم من الحياة.