26 سبتمبر 2008

نادر المُجالِد - 2

إذن، نادر سببُ مشاكل العالم الحالية، لأنه تسبب في صعود بوش. ولا يُهم معرفة الناخبين بأجندة بوش، فالخطأ خطأ نادر الذي سمح له بالفوز وتطبيق أجندته. لماذا لا يُعدمونه بالكرسي الكهربائي أو في حجرة الغاز؟

لماذا يُرشح نادر نفسه ليخسر؟
يرى أوباما أن ترشيح رالف نادر المستمر لنفسه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية أمرٌ مُخزِ، ويعتقد أنه مجرد استعراض، وأنه لا معنى لترشيح نادر نفسه للرئاسة فقط ليُثبت مبادئه. أوباما (مُتضرر) من ترشيح نادر، فليس عليه حرج، وكلامه - تقريباً - كلام مُختلف النُخَب الحاكمة في واشنطن دي سي، وبعض الصحفيين الديموقراطيين ممن يستخدمون تعبيراتٍ بحق نادر تصل إلى حد السب العلني. نفسُ الانتقاد يُوجه إلى نادر من قِبَلِ مؤيديه، لماذا تُرشح نفسك لتخسر؟ وهُناك من يقول: أؤمن بك يا نادر، لكنني إن صوتُ لك، فإن صوتي سيكون قد رُمي لأنه بلا قيمة في النتيجة النهائية.
قضية نادر الأساسية ضد النظام الانتخابي الحالي في الولايات المُتحدة كونه نظاماً غير ديموقراطي، لافتقاده أهم أُسسِ الديموقراطية، العدالة. ديموقراطية أمريكا ليست ديموقراطية في الحقيقة، فالرئيس الأمريكي إما فيلٌ وإما حمار، ولا فُرصةَ لأي كان من خارج الحزبين ليُحدث فرقاً حقيقياً! أمريكا ديموقراطية للبيض الأنكلو ساكسون البروتستانت WASP فقط، وليصل أسودٌ - أو نصف إفريقي كما في حالة أوباما ذي الأم البيضاء - إلى مكانةٍ متقدمة فيها، فإن عليه أن يتكلم مثل البيض، ويُفكر مثل البيض، ويصبح أبيض أكثر من البيض! الديموقراطية في أمريكا لا تصل إلى الفُقراء، وإلى الفئات التي لا تُشكل خطراً في عمليات التصويت. الديموقراطية في أمريكا ليست إلا لمن يستطيع دفع ثمنها. الديموقراطية في أمريكا تعني أن يُحولُ السياسيون والمنظرون والصحفيون وكُل النخب الحاكمة المواطنين إلى مُجرد أرقامٍ إحصائية أو دوائر وأعمدةٍ ملونة في بيانات الاستطلاع، مُتجاهلين حقيقة أن الناخبين أفرادٌ لهم إرادتهم الفردية. يرى نادر أن كُل صوتٍ مُهم لقيمته الفردية، للاختيار الذي يقوم به صاحبه. الديموقراطية الحقة تعني الحُرية الفردية، حُرية اتخاذ القرار، لا حُرية الاستهلاك اللا مسؤول. الذين صوتوا له اتخذوا قراراً، ورأوا أن سياسات نادر تُناسبهم، وقرروا أن يكونَ صوتهم مسموعاً. وإذا كان غور أو كيري قد خسرا الانتخابات فعلاً بسبب الأصوات التي ذهبت لنادر، فهذا يعني أن ناخبي نادر قادرون على صُنع فرقٍ حقيقي، وأن الديموقراطيين لم يفهموا الرسالة. هُناك ناخبون يُريدون أكثر من انتهازية سياسيين أمثال باراك أوباما الذي ينتقد نادر لأنه يُصر على تنفيذ أجندته بكاملها.
سياسةُ الحزب الديموقراطي ضعيفة، فالحزب الذي يُقدم نفسه على أنه نصيرُ الأقليات لا يكاد يُقدم للأقليات شيئاً بسياساته التي لا تفعل شيئاً غير تلوين البيت الخرب بطلاء جديد، أو - بتعبير جون مكين المأخوذ مباشرة من عامية السود الأمريكية في وصف سياسة هيلاري كلنتون الصحية - تضع أحمر الشفاه على الخنزير! وهذا اعتراض ناخبي نادر الذين يرون أن سياسات الحزب الديموقراطي لا تخدم المصلحة العُليا للمواطن بقدر ما تخدم المصالح الضيقة للسياسيين، لذلك لا يثقون بهم. وأزمة الثقة بين الديموقراطيين والناخبين ليست مشكلة نادر، وليست مشكلته شكوى أوباما من أنه يُريد تطبيق أجندته بكامله. لديه مبادئه، وهو مستعدٌ للدفاع عنها.
يعرف الأمريكيون أن نادر واحدٌ من مائة أمريكي يقولون الحقيقة دائماً، وصدقه الدائم مصدر احترامه وتأثيره في الرأي العام الأمريكي. نادر صاحب مبادئ لا يُغيرها، بينما غالبية السياسيين انتهازيون بلا مبدأ ولا قضية. - لذا لا يُقدم على أنه سياسي، بل على أنه: محامٍ، مؤلف، و(ناشط سياسي) أو (مصلح سياسي) -.
(ولذلك - أيضاً - يبدو مكين أوفر حظاً من أوباما، فبغض النظر عن كونه أبيض، حافظ مكين على نهج واحدٍ في حملته الانتخابية، وبغض النظر عن مواقفه المثيرة للجدل والتي أزعجت كثيراً من الناخبين كمواقفه من البيئة والحرب على العراق، إلا أنه يحظى باحترامٍ واسع لمحافظته على نهجٍ واحد في حملته).
(كان ذلك قبل أن تُطيح الأزمة الاقتصادية بالجمهوريين تماماً).
يُصدِق الأمريكيون نادر، لكنهم لا ينتخبونه. لأنهم لا يشعرون بوجود خللٍ كبيرٍ يقتضي التحرك لتغييره، ويفضلون بقاء الأمور على ما هي عليه. المجتمع استهلاكي بشكلٍ كبير، ولم يعد راغباً في إحداث أي تغييرات سياسية كُبرى، حتى لو كانت النتيجة النهائية في مصلحته، لأن (هذا ما ألفينا عليه آباءنا). وهذه حجة نادر عليهم، نظام الولايات المُتحدة ليس ديموقراطياً حقاً لأنه نظامُ حزبين، وليست الولايات المُتحدة ديموقراطية لأنها تفتقر إلى العدالة. بدون عدالة، لا ديموقراطية، وبدون ديموقراطية فإن الأساس الذي تدعي عليه أمريكا حضارتها وهيمنتها في العالم قد زال.
نادر يقول للإمبراطور الأمريكي: "أنت عارٍ." والمشكلة في الإمبراطور نفسه الذي يرفض الإصغاء إلى الحقيقة، بينما سيواصل نادر إزعاجه بها، حتى يرى الإمبراطور الحقيقة بوضوح، أو يموت نادر.

25 سبتمبر 2008

نادر المُجالِد - 1

"لا يُمكن أن تكون هُناك ديموقراطية يومية بدون مواطنة يومية. ديموقراطية عميقة تحمل للأجيال القادمة مبدأ كون السعي للعدالة شرط السعي للسعادة."
- رالف نادر، المواطن العام

سمعت عن رالف نادر لأول مرةٍ في 1996 عندما رشح نفسه لانتخابات الرئاسة الأمريكية. كان وقتها شيئاً جديداً هُنا، لكنه كان خبراً قديماً في الولايات المتحدة. كان الأمرُ غريباً، فالرئيس في الولايات المتحدة الأمريكية إما أحمر أو أزرق، إذن، لماذا يُرشح هذا الأخضر نفسه لانتخاباتٍ يعلم أنه سيخسرها؟ بدا الأمرُ وكأنه (تقليعة) أو ما شابه، وتحدثت وسائل إعلامٍ عربية عن نادر، لا كناشط أخضر، أو كمرشح مستقلٍ للانتخابات الرئاسية الأمريكية، بل كعربي، فآل نادر مهاجرون لبنانيون، ولغة نادر الأم العربية. وكون المرء عربياً ليس مهنةً، لكن نادر كان يُقدّم وقتها على أنه: رالف نادر، (عربي). بعد 1996 لم أسمع شيئاً عن نادر حتى اتُهِمَ في 2000 بأنه سبب وصول بوش إلى الرئاسة الأمريكية لسرقته مائة ألف صوتٍ من آل غور المرشح الديموقراطي وقتها - وكأن الانتخابات في 2000 لم تكن منافسة بين الغبي والممل! وكأن غور وليبرمان لم يرتكبا أخطاء قاتلة في حملتهما! وكأن بوش لم يربح الانتخابات بقرار محكمة! -، ثم بعدها اتهُم في 2004 بالتسبب في هزيمة جون كيري - وكأن بن لادن لم يُحرض الناخبين الأمريكيين على إعادة انتخاب بوش في وقتٍ حرج يوحي بتعاونه مع السي آي إيه! وكأن الأمريكيين سينتخبون كيري الكاثوليكي الذي تُهدد الكنيسة بحرمانه وتصدم بعض آرائه الأسر المحافظة! -، وفي 2008 استُقبل نبأ اعتزامه ترشيح نفسه بتهديداتٍ شديدة من قبل الديموقراطيين الذين يرون نادر بُعبعهم ولص أصواتهم الدائم. لم يكن نادر موضوعاً مثيراً للاهتمام بالنسبة لي، حتى عُقدت مناظرة رئاسية في محادثة جماعية لمُناقشة تأثير الانتخابات الرئاسية الأمريكية على العالم. لأن باراك أوباما يبيع كالخبز الساخن، فقد أراد الجميع أن يكونوا أوباما، ولما حصل أحدهم على دور أوباما، اصطف الباقون لدور جون مكين. لم أتخذ أياً من الجانبين، وبقيت أسأل المرشحين الرئاسيين، حتى تذكرت الأمريكية المرشح الثالث رالف نادر، فسألت: "من يتطوع ليكون نادر؟" اعترض زميلها: "إنه مهرج!". أصرت: "لدى نادر ما يقوله!" حسناً، أنا سأكون نادر في هذه التمثيلية! وسيتعلم الصبي الأبيض ألا يدعوه بالمهرج ثانية. صحيح أن نادر أبلى حسناً، وربح الانتخابات، لكنني تمنيت لو كنت أعرف عنه أكثر وقتها.

أمريكا تُريد كبش فداء!
أولُ ما يتذكره العالم عن نادر ترشحه في خمس انتخاباتٍ رئاسية متتالية، لكن أول ما يتذكره العالم عنه ليس بالضرورة أول ما يتذكره الأمريكيون عنه، فنادر - بالنسبة للكثيرين في أمريكا - "رجل السيارات" الذي رفع قضية على كُبريات شركات تصنيع السيارات الأمريكية مُجبراً إياها على اعتماد معايير سلامة لحماية الركاب، ومُمراً قرار إنشاء هيئة لسلامة الطرقات والمركبات في 1965. نتائج مجالدة نادر لأجل حقوق مستخدمي السيارات تظهر اليوم في أحزمة الأمان التي يربطها الركاب لحمايتهم، وفي الوسادات الهوائية التي تحمي الركاب عند الحوادث من التعرض لإصاباتٍ خطيرة. أصبحت السيارات أكثر أماناً، ليس للركاب في أمريكا فقط، لكن للركاب في كثيرٍ من أنحاء العالم بعد تطبيق معايير السلامة الأمريكية. تأثير نادر يصل إلى ناحية مؤثرة من حياة كُل شخصٍ اليومية، وهذا ليس تأثيراً هيناً لشخصٍ واحد! مع ذلك، يُسخِفُ سياسيو واشنطن دي سي عمل نادر واصفين إياه بأنه مجرد "رجل سيارات" يرفع قضايا على الشركات الكُبرى بشكلٍ دائم، حتى أن السناتور تِد كنيدي يطلب من نادر علناً أن "[يذهب] ليهتم بالسيارات، و[يترك] الانتخابات [للديموقراطيين]". كنيدي جعل قضية حياته أن يفوز أوباما - رغم أن فوزه غيرُ مرجح - لذا، يمكنه أن يُسخِفَ الفوز بمعركة لأجل سلامة المستخدمين دون أن يشعر بتأنيب الضمير. ونادر عدو الديموقراطيين الدائم، وشماعتهم التي يُعلقون عليها فشلهم أمام بوش.
يتحدث المُنظرِون الديموقراطيون عن تأثير نادر المُدمر على مُرشحيهم - آل غور وجون كيري - مستخدمين تعبيراتٍ مثل: تأثير المُخرِب Spoiler effect لوصف الأصوات التي يأخذها نادر في كُل مرةٍ يترشح فيها. تأثير المُخرِب يظهر في السباقات الانتخابية ذات النتائج المُتقاربة، حيث يسحب مُرشحٌ ثالث لا حظ له في الفوز حصةً من أصوات المُرشحِ المُقارب له في الفكر - المرشح الديموقراطي في هذه الحالة - لذا يُحمله الديموقراطيون مسؤولية فشل غور وكيري - رغم أنه ترشح في 1992 و1996 وخسر الانتخابات أمام بِل كلنتون (الديموقراطي)، دون أن يفتح ديموقراطي فمه ليشتكي من الأصوات التي (سرقها) -، بل ويتمادى البعض محملين نادر مسؤولية حربي العراق وأفغانستان، وهوجة الحرب على الإرهاب!
الشعب الأمريكي لا يُريد تحملَ مسؤولية اختياره للتكساسي السعران، والديموقراطيون لا يُريدون تحمل نتائج فشلهم في اختيار مُرشحين يُقنعون الشعب الأمريكي بوجوب انتخابهم. وحتى مع مرشح (تاريخي) مثل باراك أوباما، تبدو حملة الديموقراطيين الانتخابية مجرد فيلم دعائي هوليوودي مبنيٍ على براعة تقنيي الغرافيكس، لافتقاد أوباما - كسابقيه - إلى شخصية قيادية تستطيع إحداث فرقٍ حقيقي، أو إلى موقفٍ حقيقي من العالم اليوم. لذا يحاول الديموقراطيون من البداية لومَ نادر على فشلهم المُنتظر قريباً.
لا يُهمُ جهاد نادر من أجل سلامة المستهلك، وصيانة الحقوق الدستورية للمواطنين، وتعميق مفاهيم الحرية والمسؤولية، والحفاظ على البيئة، والتقليل من نسبة تلوث الهواء، والحصول على ديموقراطية حقيقية بعيداً عن نظام الحزبين الديكتاتوري، ولا يُهمُ أن الذين ذهبوا للتصويت لنادر أفرادٌ أحرارٌ اتخذوا قراراتهم بأنفسهم، لا مجرد دُمى تُغير أصواتها بمجرد إنقاص عدد الأسماء على ورقة الاقتراع، فأمريكا التي لا تُريد تحمل مسؤولية اختياراتها، ولا تريدُ تُحملَ مسؤولية الفوضى التي سببتها في العالم، لن تلومَ رئيسها الحالي - الذي انتخبته - بل ستلوم الشخص الذي جالد لأجلها. إنه (الشخص الشرير)، وهو سبب كُل الخراب! تذكروا، نادر من أصلٍ عربي ويدعم حقوق الفلسطينيين! لقد دمر العالم!