30 نوفمبر 2013

راديو هند: وايتواشنغ


في الحلقة الأولى من الموسم الثالث لراديو هند، "وايتواشنغ"، حديثٌ عن المفهوم المُعاصر لتحويل البياض العرقي إلى اللون الافتراضي للبشرية بشكلٍ يستبعد كُل ما سواه، وكل ما عداه. ثمة حديثٌ عن المواجهة المركزية بين الغرب والشرق، والميمات الثقافية التي تُشكل محوراً تتكون حوله الهوية الغربية. كذلك، ثمة حديثٌ عن العنصرية، الفنون السوداء، والجذور الإغريقية للحضارة العربية.

09 نوفمبر 2013

ولدنا لنموت

يا قدمي، لا تخذليني الآن.
خذيني إلى خطِ النهاية.
قلبي ينفطر في كل خطوةٍ
                       أمشيها
غير أن أملي أنّه
 - عند البوابات -
سيقولون إنّك لي.

ماشية في شوارع المدينة،
ليس لي علمٌ، ما إذا كان عفواً أم عمداً
         أن أشعر بالوحدة في ليالي الجمعة.
هل يُمكِنك أن تؤنسني لو أخبرتك أنّك لي؟
كما قُلت لك يا حُبي،
لا تُحزِّنّي، ولا تُبكني.
فالحب لا يكفي أحياناً، والطريق يصعب،
ولا أعرف لِم!
          (واصل اضحاكي. دعنّا ننتشِ،
         فالطريق طويل، ونحن نواصل،
         نحاول أن نسعد قليلاً.)

تعال وتمش في الجانب الموحش،
دعني أقبلك بشدّة والمطر ينهمر،
فأنت تحب فتياتك مجنونات.
اختر كلماتك الأخيرة، 
هذه المرة الأخيرة،
فأنا وأنت مولودان لنموت.

ضائعة، غير أنّي عرفتُ الطريق.
مُبصرةً، غير أنّي كُنت عمياء.
كُنت مشوشة وأنا صغيرة،
أحاول أخذ ما يمكنني الحصول عليه،
مرعوبة لأنني لم أحصل على كُل الأجوبة.
              يا حبي،
             لا تُحزِّني، ولا تُبكني.
              فالحب لا يكفي أحياناً، والطريق يصعُب.

- لانا دِل ري

05 نوفمبر 2013

ندامة الكاتب

قديماً، اقتُرِحَ علّي أن أضع قائمة بمائة فيلم وفيلم قد تَحسُن مُشاهدتها، لفائدة من يُحِب مُشاهدة الأفلام من قُراء هذه المدونة. وقد خطر لي أن أجمع في القائمة الأفلام ذات الموضوع الواحد تحت تبويبات فرعية، وكان الموضوع الأول -  والوحيد - فيها عن فيلمي المريض الإنكليزي (١٩٩٦) والكفارة (٢٠٠٧). الصِلةُ بين الفيلمين كانت في موضوعهما الذي يدور في حقبة الحرب العالمية الثانية، وموضوعهما ليس الاقتتال، بل الحُب الذي تجعله الحرب مُستحيلاً.
غير أنّه قد خطر لي أن فيلم الكفارة يتشابه في موضوعه مع فيلم آخر: أغرب من الخيال (٢٠٠٦). فيلم أغرب من الخيال فيلم أمريكي صغير كتب السيناريو له زاك هِلم وأخرجه مارك فورستر. قصة الفيلم تتحدث عن موظف في مصلحة الضرائب الأمريكية يُسمى هارولد كريك، حياته دقيقة كالساعة، تمضي بلا توقعات أو مفاجآت حتى يسمع ذات يومٍ صوت راوية تروي أفعاله وأفكاره بصيغة الغائب. يعرف هارولد أنّه لا يُعاني من الضلالات والأوهام، فيبحث عن أستاذٍ في الأدب ليُساعده، ويعثر على د. جولز هيلبرت. في البداية، يصرف هيلبرت كريك لأنّه يعتقد أن مشكلته مُخترعة، كما أنّه يُلاحِظ أنّ كريك مُصابٌ بوسواسٍ قهري يُجبره على عد الدرج ومربعات البلاط والخطوات وغيرها من أمور.
يقول هارولد كريك إنّه خائف لأن الصوت في رأسه قال: "ولم يكن يعرف أن موته كان وشيكاً." مما أثار اهتمام جولز هيلبرت الذي قد درس فصولاً عن هذه العبارة في الأدب، وكتب عنها عدة أوراقٍ بحثية. في الوقت نفسه تظهر شخصية الروائية غريبة الأطوار كارِن آيفل التي تحاول كتابة رواية منذ عشر سنوات، وتخلف مواعيدها لدار النشر فتُرسل مُساعدة لحثها على الكتابة. كذلك، يتعرف هارولد كريك على أنّا باسكال، مالكة مخبز حلويات تتمرد على دفع الضرائب التي تعتقد أنها تُستخدم في تمويل الحروب، وتكتب رسالة لمصلحة الضرائب تبدأها بقولها: "عزيزي الخنزير الإمبريالي".
بعد محاولات عديدة لاستكشاف طبيعة القصة التي يجد هارولد كريك نفسه فيها - التي قد تروق للمهتمين بكتابة الأدب - يتوصل إلى رقم هاتف كارِن آيفل التي تكتب قصته، ويُناشدها ألا تقتله. في ذلك الوقت، تكون قد توصلت إلى الطريقة المُلائمة لقتله، وتدون الملاحظات على مظروف - فيما لا تتحقق الأحداث التي تكتبها إلا حين تكتبها على الآلة الكاتبة.
يقرأ الأستاذ جولز هيلبرت الرواية ويجدها تُحفة، وعيناً من عيون الأدب الإنكليزي، ويطلب منها أن تُعطي هارولد الخيار. هارولد، موظف الضرائب المهووس الذي تمضي حياته منتظمة كالساعة ولا شأن له بالأدب يجد الرواية جيدة، ويطلب منها أن تنهي الرواية على الآلة الكاتبة، وتقتله.
يُمكِن أن تُقال عن الفيلم أشياء كثيرة - بما في ذلك نقدٌ شديد اللهجة لشخصية manic pixie dream girl التي تؤديها ماغي جلينيهال، وانتقادٌ للتكُلف في الفيلم، حيث أسماء كل الشخصيات هي أسماء لعلماء ومهندسين، وأسئلة هيلبرت الثلاثة والعشرين مُحاكاة لمسائل هيلبرت الثلاث والعشرين في الرياضيات - غير أنّه، في أحد وجوهه، فيلم عن ندامة الكاتب. كارِن آيفل تدخل في نوبة ندمٍ عنيفة بعد مقابلة هارولد كريك، لأنها مُعتادة على قتل شخصياتها، وتأخذ في التفكير فيهم من جديد، وتفكر في حياتهم خارج النص التي قد تكون سلبتها منهم.
غير أن الخُلاصة الأهم لمقابلتها مع هارولد كريك قرارها تغيير الرواية. جولز هيلبرت، أستاذ الأدب الصارم، يُقرر أن الرواية لا بأس بها، لكنها ليست عيناً من عيون الأدب الإنكليزي كما كانت في نُسختها الأصلية، وتقول كارِن آيفل إن هذا جيد. لا بأس في أن تكتب رواية ليست عظيمة ولا بديعة. إن جزءاً من النضج الذي تمر به كارِن آيفل التسليم بأنّ كتابة رواية جيدة يكفي فحسب. وكارِن آيفل التي تُضحي بالمجد الأدبي والخلود لأجل حياة هارولد كريك، موظف الضرائب، ليست كارِن آيفل التي كانت تزور المستشفيات لتشاهد الناس يموتون ويتعذبون فتحظى بالإلهام للكتابة.
الكفارة فيلم مأخوذ عن رواية بالاسم نفسه كتبها إيون مكيوان، عن كاتبة أخرى، براوني تالِس، الطفلة الطفرة، التي تبدأ في الكتابة مُذ كانت في الثالثة عشرة، وتسيء تفسير العلاقة الغرامية بين شقيقتها الكُبرى سيسيليا وابن مُدبرة منزلهم روبي ترنر. براوني تتدخل تدخلاً عنيفاً ومأساوياً حين تتعرض قريبتها التي تماثلها عمراً للاغتصاب، فتشهد بأنها رأت المعتدي، وأنّه روبي ترنر. لا يُصدق أحدٌ روبي الذي لا يستطيع أن يُثبت وجوده في مكانٍ آخر وقت حدوث الجريمة، ولأن الضحية لم ترَ المُعتدي، فإن روبي يُسجن، ومن ثم يُرسل إلى الحرب رغم كونه الابن الوحيد لأمه.
سيسيليا تترك عائلتها، وتلتحق بالعمل ممرضة في لندن، في انتظار روبي الذي تؤمن ببراءته. براوني، في الثامنة عشرة، تُدرِك ما جنته. كما أنها تعرف المُعتدي الأصلي، وتعرف أنّه قد تزوج بالضحية الآن ولا يُمكِن مُحاكمته من جديد. في نهاية الفيلم، تظهر براوني تالِس عجوزاً، وتقول إنها على وشك أن تفقد ذاكرتها وناصية اللغة، لذلك فقد كتبت أخيراً الكتاب الذي أرادت أن تكتبه طوال حياتها، الكفارة.
بشكلٍ ما، فإن الكفارة تُحفة براوني تالِس الأدبية. لكن براوني تعزو تأخرها في كتابة الكتاب إلى كونها لا تستطيع تقبل حقيقة ما حدث: روبي ترنر مات في الحرب ولم يعد، وشقيقتها ماتت أثناء قصف لندن. ماتا في نفس العام، شابين يافعين تحطمت حياتهما بسبب وشاية من طفلةٍ مُرفهة. تقول براوني إن الحياة غير رحيمة، لذلك فقد أنعمت على الحبيبين تعيسي الحظ برحمةٍ نهائية في كتابها. لقد جعلتهما يعودان إلى بعضهما البعض، ويعيشان معاً، بل وتواجههما، وتعترف لهما بالفاعل الحقيقي، وتسمح لروبي ترنر بمواجهتها بحقيقة ما فعلته، وبأن يقول لها إن بوسعها التفريق بين الخطأ والصواب في الثالثة عشرة.
كفارة براوني تالِس منقوصة، فهي لا تأتي من اعترافٍ بالذنب - وبالتالي، التكفير عنه - بل من محاولة فرض نفس المنظور المُرفه الذي تفرضه على من هم حولها مُذ كانت في الثالثة عشرة. براوني تالِس تتخيل أن الكتابة تُعطيها حقاً إلهياً، وتعفيها عن مواجهة الحقيقة، الأشياء كما حدثت، وذنبها الكبير فيما حدث. هي تعترف بأنها غيرت الأحداث، وأن أختها وحبيبها قد ماتا شابين ولم يجتمعا مُجدداً، لكنها - في الوقت نفسه - ترى في فعلها الأخير، كتابة رواية تجمع فيها شملهما من جديد فِعل رحمة من قبلها. إنها هي، المتسببة في هذه المأساة بسبب الجهل والغرور والعناد، ما زالت تملك، على حافة الموت الدماغي، الغرور الكافي لتُغطي على ذنبها بما تعتقد أنّه فعل رحمة. لتعتقد أنها تتفضل على سيسيليا وروبي بمكانٍ مُتخيل حُرما منه في الحقيقة. بشكلٍ ما، فإن رحلة براوني تالِس تعود بها إلى نُقطة البداية: شخصية تنطلق من حِسٍ كبير بالتسلط والرفاهية، واعتقادٍ عميق بأن قُدرتها على الكتابة يُعطيها سيطرة مُطلقة على حياةِ الآخرين. إنها، من جديد، تستخدم سيسيليا وروبي لراحتها الشخصية. لراحتها من التشوش في سن المُراهقة، ولراحة ضميرها في الشيخوخة.