شكا أبو الطيب المتنبي:
بعد عدة سنين من الوقوع في شرك هذا النظام الاستعبادي، أستطيع أن أقول إن الرأسمالية لا تُناسبني، فالرأسمالية تفعل ما تتهم الشيوعية بفعله، أي أنها تحول الناس إلى قطعان مسلوبة الإرادة. وفوق هذا فإنها منافقة تقول ما لا تفعل، ولصة تسرق قوت يومي وروحي، وتحاول دون هوادة تحويلي إلى خروفٍ آخر في القطيع. فوق هذا كُله، فإنها عبارة عن منافسة محمومة مسعورة للحصول على أكثر ما يمكن من أقل الأشياء قيمة في الحياة.
المنافسة أمرٌ خطير، فمن يُنافس للحصول على أعلى الدرجات تُصبح حياته مُعلقة بالحصول على النسبة الأعلى، وحين يحصل سواه عليها، فإن هذا يعني هزيمته ودماره. الأمر ذاته ينطبق على من يتنافس مع الآخرين في كل ناحية من نواحي الحياة: لا بُد من أن يظهر شخصٌ ما يمكنه أن يفوز بالمنافسة بسهولة من دون أن يبذل مجهوداً، لا لحظٍ أو وساطةٍ، بل لخصلة فيه قد يكرهها بينما يحسده عليها آخرون كما في بيت المتنبي الشاكي.
واحدٌ من الأمثلة المخيفة عن خطر المنافسة يُمكن أن يوجد في قصة الشيطان والعابد، فالعابد خسر إذ تنافس في العبادة مع الشيطان الذي غلبه من دون تعب، فلو أن العابد قنع بما يستطيعه، ولم يُحاول أن يُنافس الشيطان، لما كانت عاقبة أمره غير محمودة. لقد غلبه الشيطان فيما يُجيده أكثر، وبذلك حطم روحه وهزمه فصار مسلوب الإرادة. في القصة تنكر الشيطان في هيئة رجلٍ مسن - والشيطان يتنكر دائماً في القصص - غير أن تنكره هُنا يُشير إلى أن الشيطان ليس بالضرورة المخلوق الذي طُرِدَ من الجِنة، بل إنه قد يكون كل امرئ. فكما لكلٍ شيطانه، فإن كُلاً شيطانٌ لغيره، يملك ما لا يملكه سواه، ويتوق إلى ما يملكه سواه.
ماذا لقيت من الدنيا وأعجبهوعادت إلّي شكواه ذات تأملٌ في حال نظامنا التعليمي. يقولون دوماً إن النظام التعليمي العربي في الحضيض، وإن جامعتنا - وكليتنا، ومستعمرتنا على وجه الخصوص - تقبع في ذيل سلم التعليم العالمي، فنحن لا ندرس شيئاً ذا بالٍ، ولا يُمكن أن نفيد أو نستفيد. قد يكون هذا القول واقعاً، لكنه أكثر تشاؤماً مما أحتمل. بعض من يقولون إن التعليم متدهور يحاولون وقف تدهوره، ورفعه إلى مستويات مقبولة، فيعتمدون على ما يسمونه (المنهج الأمريكي) في التدريس والتعامل مع الطُلاب، وأساس هذا المنهج إطلاق منافسة قاطعة للرقاب بين الطلاب تجعلهم يكرهون أحشاء بعضهم البعض - كما في التعبير الإنكليزي -، وتمحو كُل أثرٍ لهويتهم الفردية. آثار هذا التعليم واضحة في بعض دكاترة المستعمرة ممن يتكلمون في نفس المواضيع، ويستخدمون نفس المفردات المعجمية، ويناقشون نفس الثيمات، ولديهم إطارٌ محدود من الأفكار يطبقونه على كُل موضوع يعترض طريقهم، فإذا خرج النقاش عما تدربوا عليه تاهوا، وإذا حُدِثوا بأمرٍ لم يُصادفوه في مناهجهم صُعقوا كأنما وُجِه إليهم الكلام باللاتينية.
أني بما أنا شاكٍ منه محسود
بعد عدة سنين من الوقوع في شرك هذا النظام الاستعبادي، أستطيع أن أقول إن الرأسمالية لا تُناسبني، فالرأسمالية تفعل ما تتهم الشيوعية بفعله، أي أنها تحول الناس إلى قطعان مسلوبة الإرادة. وفوق هذا فإنها منافقة تقول ما لا تفعل، ولصة تسرق قوت يومي وروحي، وتحاول دون هوادة تحويلي إلى خروفٍ آخر في القطيع. فوق هذا كُله، فإنها عبارة عن منافسة محمومة مسعورة للحصول على أكثر ما يمكن من أقل الأشياء قيمة في الحياة.
المنافسة أمرٌ خطير، فمن يُنافس للحصول على أعلى الدرجات تُصبح حياته مُعلقة بالحصول على النسبة الأعلى، وحين يحصل سواه عليها، فإن هذا يعني هزيمته ودماره. الأمر ذاته ينطبق على من يتنافس مع الآخرين في كل ناحية من نواحي الحياة: لا بُد من أن يظهر شخصٌ ما يمكنه أن يفوز بالمنافسة بسهولة من دون أن يبذل مجهوداً، لا لحظٍ أو وساطةٍ، بل لخصلة فيه قد يكرهها بينما يحسده عليها آخرون كما في بيت المتنبي الشاكي.
واحدٌ من الأمثلة المخيفة عن خطر المنافسة يُمكن أن يوجد في قصة الشيطان والعابد، فالعابد خسر إذ تنافس في العبادة مع الشيطان الذي غلبه من دون تعب، فلو أن العابد قنع بما يستطيعه، ولم يُحاول أن يُنافس الشيطان، لما كانت عاقبة أمره غير محمودة. لقد غلبه الشيطان فيما يُجيده أكثر، وبذلك حطم روحه وهزمه فصار مسلوب الإرادة. في القصة تنكر الشيطان في هيئة رجلٍ مسن - والشيطان يتنكر دائماً في القصص - غير أن تنكره هُنا يُشير إلى أن الشيطان ليس بالضرورة المخلوق الذي طُرِدَ من الجِنة، بل إنه قد يكون كل امرئ. فكما لكلٍ شيطانه، فإن كُلاً شيطانٌ لغيره، يملك ما لا يملكه سواه، ويتوق إلى ما يملكه سواه.