13 أكتوبر 2016

القبعات

الشهر الماضي، حدثت زوبعة أدبية في العالم الناطق بالإنكليزية. ليونيل شرايفر - كاتبة أمريكية اشتُهِرَت برواية ينبغي أن نتحدّث عن كيفن (2003) التي تحولّت إلى فيلم بالاسم نفسه صدر في عام (2011) - ألقت خطاباً في افتتاح مهرجان بريزبان الأدبي، هاجمت فيه مفهوم الاستغلال الثقافي. كثيرون وجدوا خطاب شرايفر مُهيناً، وغادر بعضهم القاعة أثناء إلقائها إياه. واحدةٌ مِمَن غادروا كانت كاتبة أسترالية من أصل سوداني اسمها ياسمين عبد المجيد، وقد كتبت تدوينة غاضبة فور مُغادرتها عن الحدث، ونشرتها في مدونتها الخاصة. تواصلت معها صحيفة الغارديان البريطانية، وأعادت نشر التدوينة في موقعها. ثم حصلت الصحيفة على خطاب شرايفر، وأعادت نشره كذلك، فتوالت ردود الأفعال بين القطبين.

ليونيل شرايفر
مُلخص خطاب شرايفر كما يلي: لقد دُعيّت إلى المهرجان لتُلقي خطاباً حول المجتمع والانتماء، لكنّها ترى الموضوع مُملاً، وأن يطلُب منظمو المهرجان من مُحطمة أيقونات معروفة renowned iconoclast - الكلام لها - أن تتحدث عن موضوع كهذا كأن يطلبوا من قرشٍ أبيض عظيم موازنة كرة شاطئ على أنفه. بدلاً عن هذا، تريد شرايفر الحديث عن موضوع الاستغلال الثقافي cultural appropriation. شرايفر ترى أنّ الخوف من الاستغلال الثقافي قد تحول إلى حجة لقمع الكتاب ومنعهم من كتابة الشخصيات التي يريدونها، مما جعله شكلاً من أشكال الرقابة، وحولّه إلى هوسٍ اجتماعي ضار. تضرب مثالين رئيسيين: كاتبٌ أبيض استخدم شخصية فتاة نيجيرية في كتاباته، وانتُقِدَ لاستخدامه الشخصية من أجل الحبكة. والمثال الآخر حادثة في جامعة أمريكية، حيث أقام شُبانٌ بيض في أخوية حفلاً ارتدوا فيه قبعات السومبريرو المكسيكية وشربوا التكيلا، ونتَجَ عن ذلك توبيخ مجلس الطُلاب لهم، والمُناداة بإيقاف عضويتهم فيه. شرايفر ترى في هذا مثالاً صارخاً على القمع، فما المشكلة إن أقام الشبان حفلة تنكرية ووضعوا على رؤوسهم قبعات السومبريرو وشربوا التكيلا؟ هل يُحرمون من هذا لمجرد كونهم شباناً بيض؟ تتذكر شرايفر عندما كانت طفلة، وكان والداها يزوران المكسيك، ويعودان بقبعات سومبريرو لها ولأخيها، فيرتديانها ويفرحان بها. تذكُر شرايفر الكثير من الأمثلة المشابهة. وتتمنى أن يتحول الاستغلال الثقافي إلى صرعةٍ بائدة. تقول شرايفر إنّ عمل الكاتب أن يرتدي قُبعات الآخرين، وتُطبِق مجازها حرفياً، فتضع قبعة سومبريرو على رأسها فيما تتكلم. وتدعو من يشاء إلى أن يرتدي القبعات البافارية والسراويل الجلدية الألمانية ويشرب البيرة الألمانية، بحُكم أنّها أمريكية من أصل ألماني.

ياسمين عبد المجيد
خرجت ياسمين عبد المجيد في وسط الخطاب. ومُعظم مقالها وصفٌ للمشاعر التي أثارها هذا الخطاب في نفسها، وقد صُرِفَ الحديث عن المشاعر بوصفه ثانوياً، إلّا أنّ المشاعر هي أهم عُنصرٌ في المسألة: الشعور بالظلم والغضب الذي أثاره حديث امرأة بيضاء متقدمة في السن بمثل هذه الطريقة المستهينة عن مسألة الاستغلال الثقافي التي لم تُعانِ منها أبداً. ما أقلق كثيراً من أصحاب ردود الأفعال في مقال عبد المجيد كان فكرته الرئيسية: نعم، لا يحق لأي كاتبٍ أبيض أن يكتب عن شخصيات سوداء، أو من عرقٍ آخر. الكاتب الأبيض الذي يستغل فتاة نيجيرية من أجل حبكته يُنشَر كتابه، ويشتهر، ويحصل على قدرٍ من المال والثناء. في المقابل، لا تستطيع فتاة نيجرية في ظروفٍ تشبه ظروف الشخصية حتى أن تحصل على فرصة لنشر كتابها. لماذا يستمر العالم في مكافأة الكُتاب البيض الذين يستغلون الشخصيات من أعراقٍ وإثنيات مختلفة، فيما يحرم الأشخاص الحقيقيين من هذه الأعراق والإثنيات من حكاية قصصهم بأنفسهم؟

واشنطن بوست
كانت صحيفة واشنطن بوست قد نشرت مراجعة لرواية شرايفر الأخيرة آل مانديبل: عائلة ٢٠٢٩- ٢٠٤٧ رواية مستقبلية سوداوية تتحدث عن سقوط الولايات المتحدة الأمريكية - ذكر فيها كاتب المراجعة كِن كالفُس شخصية سوداء استخدمتها شرايفر في حبكتها: امرأة سوداء جميلة يتزوجها كبير آل مانديبل، ثم يكتشف أنّها تعاني من خرف الشيخوخة المبكر، وتُظهر الرواية حالتها المتدهورة عندما تنهار الولايات المتحدة الأمريكية، وتحولها إلى عبء على آل مانديبل البيض، الذين يقودونها بلجام كأنها حيوان من شارعٍ لآخر، وحين يتعبون منها، يطلقون عليها الرصاص. وحبّذ كاتب المراجعة ألّا تظهر هذه الصورة في مُلصق الفيلم، إذا صدر فيلم عن الرواية.
ثُمَ، بعد زوبعة خطاب شرايفر، عادت واشنطن بوست للحديث، فخطاب شرايفر جاء ردة فعلٍ على المراجعة، وعلى انتقادها بسبب مقابلة لها حول الرواية قالت فيها إنّها تخيلت شخصية المرأة السوداء الجميلة، لويلا، على أنّها انتقامٌ من كبير آل مانديبل، المثقف الليبرالي الذي يهجر أم أولاده ويتزوج امرأة سوداء جميلة لأنها ستكون حُلية جميلة لساعده، تُضيف إلى رصيده الليبرالي. لكن - والكلام لشرايفر - النكتة ترتد عليه، فالمرأة الجميلة التي تزوجها تعاني من الخرف المبكر، وتربطه إلى جوارها وهو يُشاهد تدهورها التدريجي. فنشرت واشنطن بوست مقالاً آخر لكالفُس نفسه يُظهِر فيه المزيد من الصور العنصرية في روايتها: تدهورت أمريكا في عهد أول رئيس وُلِد في المكسيك، وهو شخصٌ بغيض يتحدث بلكنة مكسيكية ثقيلة. الأشخاص المتعاطفون مع الفقراء في روايتها سُذجٌ يُسهمون في تدمير أمريكا بسذاجتهم. الشخصيات غير البيضاء القليلة المتناثرة تتحدث بلكنة واضحة، وإنكليزية غير سليمة. يُلاحظ كالفُس أنّه في الحياة اليومية، نادراً ما يُطبق أحدٌ قواعد اللغة الإنكليزية (الفُصحى) تطبيقاً تاماً، بغض النظر عن عرقه ومستوى تعليمه. وأنّ الكاتب غير المُغرض، إمّا يستخدم الإنكليزية السليمة لكل حوارات شخصياته، أو يستخدم الإنكليزية العامية وغير القياسية والخاطئة ليُحاكي حوار الناس على الطبيعة في كُل حوارات شخصياته. أمّا الكاتب الذي يستخدم الإنكليزية السليمة لحوارات الشخصية البيضاء، والإنكليزية المُحطمة لحوارات الشخصيات غير البيضاء فمُغرِض. ويقول إنّ المشكلة ليست في الاستغلال الثقافي، بل في ضيق أُفُق شرايفر.

نيويورك تايمز
تدخلت نيويورك تايمز على الخط، فنشرت قصة من داخل مهرجان بريزبان أرسلها لها رود نوردلاند، وفيها نقل حديثاً على لسان الصحفية والكاتبة الأمريكية-الكورية سوكي كِم أفضت إليه به في حديثٍ شخصي خاص، دار داخل استراحة الكُتاب المُغلقة على الكُتاب المُستضافين في المهرجان وحدهم، ولم يُبلغها بأنّه سينشره في نيويورك تايمز منسوباً إليها. وقد اعتذر مُحرر الشؤون العامة في الصحيفة في اليوم التالي، مُعترفاً بحق سوكي كِم في توقع الخصوصية إزاء كلامٍ قد قيل في مكانٍ خاص، ولكن نوردلاند - الذي كان في المهرجان بصفته كاتباً - قد ذكر أنّه صحفي، وسوكي كِم "تدعو نفسها صحفية".
بعدها، نشرت نيويورك تايمز مقالاً لشرايفر نفسها، تتهم فيه جيل الألفينات - بحساسيتهم المفرطة - بتدمير اليسار. وتتحسر على الأيام التي كان فيها اليسار مُدافعاً حتى عن حقوق العنصريين والنازيين الجُدد. أمّا جيل الألفينات الجديد فجيل متمحور حول ذاته، متمسك بهويته، يتوقع الإهانة من كُل جهة، ومستعدٌ لأن ينشب مخالبه في عنق كُل من يتحدث بكلامٍ لا يُعجبه. وهذا الشعور بالتفوق الأخلاقي الذاتي، والبحث في زلات كل شخص، سيُدمر اليسار.
ثُم، يبدو أنّ نيويورك تايمز قد وجدت نفسها في مكانٍ لا تُحِب أن يُحسَب عليها، فنشرت بعض المقالات التصالحية التي تشجب خطاب شرايفر في بريزبان، وفي الوقت نفسه تُنادي بإمساك العصا من المُنتصف، وتتحدث عن كون الخوف من الاستغلال الثقافي حاجزاً يمنع الكُتاب من الكتابة، ونوعاً من البُعبع الذي يتهدد أي كاتبٍ يتجرأ على الكتابة عن أشخاصٍ لا يشبهونه ويشبهون أُسرته ومُحيطه. في الوقت نفسه، فإن الكُتاب الذين يحصرون أنفسهم في دائرة اجتماعية واقتصادية ضيقة، يُنتقدون لافتقار أدبهم إلى الغنى والعُمق، ولتمحورهم حول ذواتهم.

سوكي كِم
ردّت سوكي كِم على نوردلاند، فذكرت تذمره هو نفسه من مراجعة دمرّت كتابه الحبيبان (2016)، ووصفه لِمَن راجعت الكتاب بأنّها "امرأة باكستانية غير مؤهلة". كتاب نوردلاند كان عن روميو وجولييت الأفغانيين، فتى من الهزارة وفتاة من الطاجيك، شيعي وسُنية. وقد راجعت الكتاب - لصحيفة نيويورك تايمز نفسها - رافيا زكريا مراجعة ممتازة، ذكرت فيها العُنصرية والنظرة الاستعمارية اللتين تظهران في الكتاب الذي يستغل قصة الزوجين ويعرّض حياتهما للخطر. تحدثت كِم كذلك عن وصف مُحرر نيويورك تايمز للشؤون العامة لها بأنّها: "تصف نفسها بأنّها صحفية"، مع أنّها صحفية استقصائية، وقد عملت في كوريا الشمالية متخفية على أنّها مُدرسة، وأصدرت كتاباً عن حياتها بين أبناء نُخبة قادة كوريا الشمالية، الذين يُتوقَع لهم أن يكونوا قادة البلد في المُستقبل. ما تقوله كِم، إنّها بالمقاييس الأمريكية للصحافة نفسها، صحفية من النخب الأول: تسللت وراء خطوط بلدٍ مُنغلق، بهوية مستعارة، وعاشت فيه لوقتٍ مُعتبر، سجلت أثناءه تفاصيل حية. ولكن مُحرر نيويورك تايمز، ارتأى أن يقول إنّها "تصف نفسها بأنها صحفية".
لم تقل كِم ذلك، لكن الطريف إنّه خلال الزوبعة، بانت التحزبات واضحة. محرر نيويورك تايمز قد قرر إنّ صحفية كورية لا تستحق لقب صحفية مباشرة، من دون تعليق بأنّها - المرأة المسكينة! - تعتقد نفسها كذلك. شرايفر نفسها، في مقالها في نيويورك تايمز، لم (تتنازل) لتصف ياسمين عبد المجيد بأنّها كاتبة، الاسم العام الذي يُطلَق على كُل من يشتغل بحرفة الكتابة، بل قررت إنّها memoirist، أي كاتبة مذكرات، لتضع مسافة بين الكُتاب - مثلها - وكُتاب المذكرات الذين هُم من عرقٍ أدنى. مما أعاد إلى الأذهان حديث توني موريسون، الكاتبة الأمريكية السوداء الشهيرة، قبل نحو عقدين، عن احتفاظ البيض تاريخياً بحق (تعريف) الآخر. مغزى كلام موريسون أن أوروبا البيضاء، ووريثتها أمريكا البيضاء، كانت من يُعرِف العالم على مر التاريخ وفقاً لرؤيتها الخاصة، ورغبتها التفضل بالإنعام على من شاءت، وحرمان من شاءت، ومحاولة المُنعَمِ عليهم والمحرومين أخذ حق التعريف بأيديهم، وصياغة كيوننتهم من دون الحاجة إلى اعترافٍ أبيض بها، يُقلق البيض، حتى المتنورين منهم، كما تفترض شرايفر نفسها.
تعود كِم للحديث، فتتذكر روايتها الأولى، التي ظهرت في قائمة مرموقة تُشيد بالروايات الأولى المهمة الصادرة كُل عام. وفي أول مهرجان أدبي تحضره مدعوة بعد روايتها الأولى، حُشِرَت في جلسة مُخصصة للكتاب (الملونين)، فتشاركت مع كاتبين للقصص الإباحية وأدب الفتيات الخفيف. فيما كان كُل المشاركين في جلسة الروائيين الذين نشروا رواياتهم الأولى ذلك العام من الذكور البيض، بل وسبق لواحدٍ منهم أن حضر المهرجان نفسه، مشاركاً في الجلسة نفسها للروائيين الذين ينشرون للمرة الأولى، العام السابق.
في مهرجان بريزبان نفسه، نظم المهرجان جلسة لحق الرد على شرايفر عُقدت في الوقت نفسه الذي كانت تجري فيه جلسة شرايفر الترويجية لروايتها الجديدة، آل مانديبل. وقد دُعيت كِم وعبد المجيد وآخرين للرد على كلام شرايفر. كِم لا ترى فارقاً بين جلسة مهرجان بريزبان - التي اعتبرتها شرايفر، ومناصروها ممارسة للرقابة على أفكارها واعتداء على حرية التعبير - وبين ما حدث في المهرجان الذي حشرها مع كُتابٍ لا يجمع بينها وبينهم شيء إلّا عامل كونهم جميعاً من غير البيض، وحرمها من المشاركة في جلسة ذات (برستيج) عالٍ كانت تملك الحق في المشاركة فيها. بمعنى أنّ المهرجانات الأدبية لا ترى في الأدباء غير كونهم من البيض أو من غيرهم، وتُصنفهم بناء على ذلك.

وبعد،
من المعلوم إنّ المجاز مِلحٌ أدبي، والإفراط فيه يقود إلى كلامِ مجانين. وهذا ما قالته شرايفر، ومن أيدوها. لقد أرادوا استخدام التعبير المجازي - ارتداء قبعات الآخرين، بمعنى التفكير في الأمور من وجهة نظرهم والتعاطف معهم - بشكلٍ حرفي: ارتداء قبعات الآخرين. الكاتب الذي لا يُفرِق بين القبعات التي يجلبها والداه من المكسيك وتُباع للسياح، وبين الاستغلال الثقافي والتنميط الذي يتعرض له المكسيكيون - من ضمن شعوب وأعراق وإثنيات وثقافات أخرى - ليس عنده ما ينبغي قراءته أو الاستماع إليه. لكن، ما يبدو غائباً في الردود على شرايفر، أنّها تُنمِط الثقافة الألمانية وتختزلها في سروال جلدي وقبعة وقدحٍ من البيرة. بطبيعة الحال، شرايفر ليست ممثلة الثقافة الألمانية، والأمريكيون من أصلٍ ألماني فئة من ذوي النفوذ في المجتمع الأمريكي، لدرجة أنّ المهزلة التي يقودها ترمب لم تؤثر بشيء على سُمعتهم. مع ذلك، فإن تجربة الأمريكيين من أصلٍ ألماني مختلفة ومتعددة، وثقافتهم متنوعة، بشكلٍ لا يُمكِن اختزاله في صورة تبسيطية. ولا يُمكِن لهذه الصورة أن تعبر عن الثقافة الألمانية الأوروبية. لا يستطيع كاتبٌ - حتى لو كان من أصلٍ ألماني - أن يكتُب عن شخصية ألمانية ما لم يكُن بوسعه أن يُحِس بحرج طالبٍ ألماني يُقدمه أحدهم إلى مجموعة طُلابٍ أمريكيين، فيعرضون عليه فوراً شريطاً ساخراً لهتلر، أو أذى طالبةٍ ألمانية يصف أحدهم لغتها الإنكليزية ذات اللكنة الجرمانية الثقيلة بأنّها مثل كلام حُراس المعسكرات النازية، أو انزعاج شابٍ أو شابةٍ ألمانيين من إيقاف شخص مُسنٍ إياهم لـ(يوعيهم) عن الهولوكست، واضطرارهما للوقوف والاستماع بأدب لمحاضرة عن أمرٍ لا يد لأي منهما فيه. أو حيرة موظفٍ ألماني في هيئة أوروبية أوكِل إليه تنظيم مؤتمر ما، وقرر زملاؤه الأوروبيون المثقفون أنّ اسمه الألماني عصّي على النطق من دون حتى أن يحاولوا تجربة نطقه، فقرروا تسميته بنسخةٍ إنكليزية من الاسم، ولم يكُن له إلّا أن يُحدِّق مذهولاً، وينظر حوله، فيبصر زميلاً يونانياً يُعاني من العذاب ذاته، فيرفع يده بوهنٍ مُحيياً، وعلى شفتيه شبه ابتسامة ذاهلة، لأن التكشير يُلصِق بِه تهمة النازية بلا شك. كما أنّه لا يوجد نمطٌ واحدٌ يُعبر عمّا هو ألماني: هُناك من يُريد محو حُقبة النازية برُمتها، وهُناك من يُريد الاحتفاظ بها عبرة، وهُناك من يُريد استعادتها، وهُناك من يُريد شيئاً آخر. هُناك من يُحِب الشعوب الأخرى، وهُناك من يتحفظ ضدهم. هُناك الإنسان الطيب، وهُناك العُنصري، وهُناك اللا مُبالي. وهُناك الذي يصرخ: "ارحمونا، ثمّة أشياء في ألمانيا غير النازية!"
وقِس على هذا كُل شعوب الدُنيا: من يكتُب عن أمريكي من أصلٍ أفريقي من دون أن يفهم وصمة العبودية، والنظرة التي تورثها، السُخرة، التحقير، اللوم، التبخيس، والاستغلال الثقافي لتمجيد الرجل الأبيض مُحرر العبيد، والحاجة إلى إثبات الذات، والتهديد الذي يُسببه منظر رجلٍ أسود ضخم الجثة، ويجعل الكثير من البيض يتعاطفون مع رجالِ الشرطة المتوحشين الذين يقتلون السود العُزل، يستغل هذا البؤس. ماذا عن الأسود الوحيد في الشلة البيضاء الذين يستخدمونه جميعاً ليظهروا بمظهر غير العُنصريين؟ والمُبدع الأسود المحبوس في خانة الفن العرقي، الذي يُثير التساؤل إذا حاول أن يُحاور الأصول الإغريقية واللاتينية للثقافة الغربية كما يفعل زميله الأبيض؟ ماذا عن المرأة السوداء التي تُبخَس بكُل شكل مُمكِن؟ ومن ذلك استخدام شرايفر لها لمُعاقبة رجلٍ أبيض على تركه لأم أولاده البيضاء.
ثمّة مُناصرون لشرايفر يرون أنّه وفقاً لمنطق الاستغلال الثقافي، فلا يُمكِن كتابة كتابٍ مثل هكلبري فِن اليوم. كتاب مارك تواين الشهير كان مُميزاً في القرن التاسع عشر لأنّه قدّم، للمرة الأولى، شخصية عبدٍ أسود يُثير التعاطف. لكِن الكاتب الأبيض الذي يُريد كتابة الزنجي جِم من جديد في القرن الحادي والعشرين، شخصٌ عُنصري قبيح مكانه كوابيس الماضي. والمُقلق أنّ الكثيرين يعتبرون أنّه من الطبيعي النظر إلى هذه الشخصية بوصفها قدوة في الكتابة العرقية، مما قد يُبرر رغبة البعض في نشر نُسخة مُنقحة جديدة من رواية هكلبري فِن، تخلو من الإشارات العُنصرية. هذا لا يصُح، لأنّه إعادة كتابة للتاريخ، وفي الوقت نفسه، فالمرء يُدرِك أن بقاء الماضي من دون تنقيح، والاحتفاء به، يجعل الكثيرين من الكُتاب مُنخدعين به، مُعتبرين إياه قدوة ينبغي اتباعها. ما يجهله أنصار الاقتداء بمارك توين في كتابته لشخصية الزنجي جِم إنّه لم يكُن في زمن مارك توين شخصية سوداء ذات حيثية في المجتمع والثقافة بحيث تُبين العُنصرية في عمله، وتُقارعه الحجة بالحجة.
وهذا هو لُب المسألة: لقد أصبحت مُعظم الفئات المُهمشة في الماضي تمتلك حق الرد، وتستطيع إيصال صوتها. إذا كتبت كتاباً يُهين الهنود الحُمر، فهناك ناشطون من الهُنود الحُمر سينتقدونك، بل ومن غيرهم كذلك، حيث أنّ الكثير من الناس - والحمد لله - قد صاروا ينفرون من العُنصرية بكُل أشكالها. وكذلك، الكتابة بشكلٍ مُهين عن كُل الفئات التي كان التنمر عليها سهلاً في الماضي. تذكرت كاتباً عربياً اشتكى مرة على مواقع التواصل الاجتماعي من أنّ الناس قد أصبحت في غاية الحساسية، فلم يعد بإمكانه أن يُلقي نُكتة حول أي فئة من الناس، إلّا وجاءه فردٌ منها ليلومه. الناس لم تُصبح في غاية الحساسية، ولم تتحول إلى وحوش ترفض حُرية التعبير. الناس تنزعج مُنذ قديم الأزمان، لكنّها الآن تستطيع جعل انزعاجها مسموعاً.
مُشكلة أخرى، هي الخلط بين المُتنمرين، وبين أصحاب الحق. بمعنى، إنّ أي كاتبٍ قد جرّب مواقع التواصل الاجتماعي، قد تعرّض إلى قدرٍ كبيرٍ من التنمر. هُناك جماعات تتكالب على المرء وتهاجمه وتُهينه، وهُناك شللٌ تتفنن في تأليف الإهانات الموجهة إليه، لمُجرد التعبير عن رأي مُختلف، ليس في السياسة، بل في عملٍ فني أو مُنتجٍ فكري. وكثيرٌ من المُتنمرين المُتكالبين مِمَن يُحسَبُون مِنَ المُثقفين، ويعتبرون عملهم هذا كشفاً عن "الزيف" الذي يعتري الحياة الفكرية، وليسوا أكثر من عصابة عالية الصوت. يحدث هذا بالعربية والإنكليزية، وبكُل لغةٍ تقريباً. النساء يتعرّضن إلى أضعاف، أضعاف التنمر والتكالب الذي يتعرّض له الرجال، لأسبابٍ واضحة.
هذا شرٌ، بطبيعة الحال، ولا يُمكِن الدفاع عنه. لكن الخلط بينه وبين لفت الانتباه إلى العُنصرية والتعصّب خلطٌ مُغرِض، يهدف إلى تشويه المعادين للعنصرية. أن يُعبر أحدهُم عن اعتقاده بوجود صورٍ عنصرية في عملٍ ما، يختلف تماماً عن أن يسب أحدهم كاتباً، ويُهينه ويهدده ويُحرض عليه، ليجعله عُرضة لكُل مُختل، وهذه مُمارسات قد شهدتها مواقع التواصل الاجتماعي مراراً. لكن الكثير من المُنتفعين يخلطون الأوراق خلطاً بيناً، ويرفضون الاعتراف بالتقصير، أو بالتحيز الضمني، أو حتى تجاهل النقد ومواصلة الكتابة كما يُريدون.
لا أحد منع شرايفر - أو غيرها - من الكتابة، أو طالب الناشرين بعدم النشر لها، أو دعا إلى مُقاطعتها، أو تظاهر أمام مكتبة تبيع كُتبها لتمتنع عن ذلك، أو قاضاها في محكمة. كُلٌ يُمكِنه أن يكتب ما يشاء. لكن شرايفر، تتحدث في خطابها عن النقد الموجه لها قائلة:
هكذا، فإنّ على كُتاب الخيال أن يحترسوا في عالمٍ من سياسات الهوية. إذا اخترنا أن نستورد ممثلين عن الجماعات المحمية، فعلينا تطبيق قواعد خاصة. إذا حدث أن كانت الشخصية سوداء، فإن عليها أن تُعامل باستخدام قفازات الأطفال، ولا توضع في مشاهد يُمكِن، عندما تؤخذ خارج سياقها، أن تبدو مُسيئة. ولكن، ليست هذه طريقة للكتابة. العبء ثقيل للغاية، واختبار الذات يبعث على الشلل. النتيجة الطبيعية لهذا النوع من النقد الذي تُمارسه [واشنطن] بوست أنّه في المرة القادمة، لن أستخدم أي شخصية سوداء، خوفاً من أن تفعل أو تقول أي شيء غير باعثٍ على الإعجاب أو محبباً.
في الواقع، لقد ذُكرت برسالة تلقيتها بخصوص روايتي السابعة من شخص أرمني-أمريكي معترضاً: لماذا كان علّي أن أجعل راوية ينبغي أن نتكلم عن كيفن أرمنية؟ لم يُحب راويتي، وشعر بأنّ قوميتها قد أساءت لمجتمعه. وقد بذلت جهداً كبيراً لأشرح له أنّني أعرف شيئاً ما عن التراث الأرمني، لأن أعز صديقاتي في الولايات المتحدة أرمنية، كما أنّني اعتقدت أنّه ثمّة شيء مُظلم وساخط في ثقافة الشتات الأرمني كان مُلائماً لأجواء الكتاب. وكذلك، فقد يئست، لكُل شخصٍ في الولايات المتحدة خلفية عرقية ما، وكان على الشخصية أن تكون شيئاً ما!
ذكرني تذمُر شرايفر بكاتب عربي آخر، يمنع قراءه من النقاش فيما يكتبه بحُجة أنّ لغطهم يُمرضه. شرايفر تتعمد تجاهل الاعتراضات الموجهة للصور العُنصرية التي تتضمنها كتاباتها، وتُصِر على أنّ نُقادها يُطالبونها بتقديم شخصيات سوداء ملائكية، وهذا حرفٌ مُتعمد للكلام كُله. ليت أنّ لويلا، المرأة السوداء المسكينة، قد فعلت شيئاً، ولو حتى سيئاً، في روايتها، لكن لويلا لا تعقل لتفعل أو تقول. لويلا مجرورة بحبل ومقتولة.
ثمّة تعبيران في هذه القطعة من خطاب شرايفر يدُلان بوضوح على الموقف الفكري الذي تتخذه: "إذا اخترنا أن نستورد ممثلين عن الجماعات المحمية" "If we do choose to import representatives of protected groups" الذي تستخدم فيه مصطلح "استيراد" الذي يوحي بالاغتراب والاختلاف، و"ممثلين" بمعنى أنّها تعتقد حقاً أنّ الشخصيات التي تُقدمها مُمثلة عن المجموعات التي تنتمي إليها، وليست مُجرد شخصيات تخيلتها من دون أن يكون لها صلةٌ مُباشرة بجماعة حقيقية، و"الجماعات المحمية"، الذي يوحي بأنّها تعتقد أنّ أي جماعة ذات صوتٍ يُمكنها من الاعتراض على استيراد مُمثلين بشكلٍ عُنصري عنها، هي جماعة محمية، مثل الحيوانات المُهددة بالانقراض.
التعبير الآخر: "كما أنّني اعتقدت أنّه ثمّة شيء مظلم وساخط في ثقافة الشتات الأرمني كان مُلائماً لذلك الكتاب." "and I also thought there was something dark and aggrieved in the culture of the Armenian diaspora that was atmospherically germane to that book." الأمر الذي يجعل رواية ينبغي أن نتحدث عن كيفن عُنصرية بأثرٍ رجعي، بعد أن مرّت أرمنية الأُم على أنّها خلفية إثنية مختلفة عن السائد، فحسب. شرايفر ترى أنّ الشتات الأرمني يحوي على عُنصر مُظلم وساخط، مما يخدم كتابها، الأمر الذي يجعله كتاباً يُمارس الاستغلال الثقافي بأقدم صوره وأبشعها، فمثلها مثل كُتاب القرن التاسع عشر الذين كانوا يستحضرون الهنود الحمر والصينيين والسود لإضفاء عُنصر من الظلام والخطر والغموض والترقب على أعمالهم. كما أنّه يُحول طبيعة كيفن الغامضة وغير المفهومة إلى تجسد لشيء ما مظلم وساخط في ثقافة لم تشتهر بإنتاج سفّاحين على المستوى الذي يُمثله كيفن، الفتى الأمريكي الذي يرتكب مذبحة بحق زملائه من الطلبة.
جِس رو، وهو كاتبٌ أبيض، كتب في صحيفة نيو ريبوبلك، إنّ الكُتاب البيض مثل شرايفر - التي قارن بين موقفها وموقف كاتبٍ أمريكي أبيض آخر هو جوناثان فرانزن الذي يرفض كتابة أي شخصية من مُحيط خارج مُحيطه الشخصي - يعتقدون أنّهم في حُلمٍ ذاتي. لا أحد يُحِب أن يحلم حُلماً جميلاً ثم يستيقظ منه فجأة وهو لم يُكمل أحداثه، أو تتدخل مؤثراتٌ خارجية وتجعله يتلاشى أو يتغير. يخلق هذا شعوراً بالإنزعاج. يرى روس أنّ هؤلاء الكُتاب يرون النقد تهديداً لهم، لأنّه يُقاطع العالم الذي يتخيلونه، ويخلو دوماً من الأصوات المُضادة والأفكار المُخالفة لهم.
وهذه خُلاصة الزوبعة: ما يُطالب به هؤلا الكُتاب ليس حُريتهم في التعبير - التي لم تُمس - بل حصانة من النقد والاختلاف، وهذا، بحد ذاته، مُصادرةٌ لحق قُراء كُتبهم في التعبير عن آرائهم الخاصة في ما يقرأونه، وتحجيم لأفكارهم وردود أفعالهم. ما يُريده الكُتاب الذين يُفكرون بهذه الطريقة أن يقتدوا بالقرون الماضية، ويُنتجوا كتابات عُنصرية، ويحظوا بالشهرة والمديح، وتُسبغ عليهم الألقاب من قبيل "ضمير الأمة" و"المُدافع عن حقوق المقهورين" كما كانت تُسبغ على الكُتاب البيض الذين كانوا يتفضلون بتقديم شخصية من الفئات المقهورة بشكلٍ شِبه آدمي. لكن المقهورين لم يعودوا عبيد إحسان أحد.

15 سبتمبر 2016

ولولا بنياتٌ

قرأت مراجعة لإحدى كتابات توفيق الحكيم في أحد مواقع مراجعات الكُتب، وقد قالت صاحبة المُراجعة إنّها لا تفهم كيف احتل شخص سقيم التفكير، عقيم اللغة مثل الحكيم مثل هذه المكانة الهائلة في تاريخ الأدب العربي. مع هذه المراجعة، تذكرت فرع النصوص الذي كان جزءاً من مادة اللغة العربية في المدرسة الإعدادية والثانوية. كنت لا أطيق النصوص في المدرسة الإعدادية، وأراها عبئاً ثقيلاً، أحفظ منها ما ينبغي حفظه لأكتبه في الامتحان وأنساه بعدها كأنّه قد مُحي بفعل السحر. في السنتين الأوليين من الثانوية تغير الأمر، ووجدتني أحب النصوص، وأحفظ كثيراً منها، حتى تلك التي لم يكُن مُقرراً علينا حفظها، بل كُنت أحفظ من النصوص ما لم يكُن مقرراً علينا دراسته من الأساس، وكان يقبع في قسم (المحذوفات من المنهج). ثم عُدت في السنة الأخيرة من الثانوية إلى كُره النصوص، والمُعاناة من حفظها. لم يكُن الأمرُ متعلقاً بالضغط النفسي الذي تسببه الثانوية العامة، بل بطبيعة النصوص نفسها، حيث أنّ تدريس النصوص في الثانوية كان وفقاً للمراحل الزمنية. ومن نماذج الشعر الجاهلي والأموي والعباسي التي درسناها، كانت أشعارٌ جميلة المبنى حسنة المعنى، تستقر في النفس. ولعلّ الأمرُ يعود، بالإضافة إلى جودة المنتج الشعري في هذه العصور عامة، إلى حُسن اختيار القصائد المُقررة على الطُلاب، والشذرات التاريخية عنها، واختيار نماذج ممثلة للعصر، فنقائض جرير والفرزدق كانت علامة على العصر الأموي الذي استخدم الشعر أسوأ استخدام، وعادل النقائض نماذج حسنة من شعر الغزل، وأبيات قطري بن الفُجاءة في مواجهة الخوف من الموت، فيما كانت الاختلافات الجلية بين أبي تمام وأبي العتاهية وابن الرومي وعلي بن الجهم أدلة على تنوع العصر العباسي الأول وتقلب مجتمعه، وانفرد المتنبي بالعصر العباسي الثاني - انفراداً مُستحقاً. ثُم كانت الموشحات والقصائد الأندلسية قادمة من عالمٍ آخر، أكثر هدوءاً وطموحاً واندفاعاً، تحضر فيه الطبيعة حضوراً قوياً. وجاءت "لكل شيء إذا ما تم نُقصان" خاتمة موجعة لعصر من البهاء ولّى، مثل الفكرة بعد السكرة.
المشكلة في نصوص السنّة الأخيرة أنّها بدأت بعصور الانحطاط، وبنماذج من الشعر العثماني الكريه معنى ومبنى. وكان الشعر قد تحول من شكلٍ فني مرموق إلى هامش على الاحتفالات والمآدب، ومادة للتفكه والألغاز. ثم جاء الانتقال إلى الشعر الكلاسيكي العربي، الذي هو شعرٌ أجوف، يكاد يخلو من أي جمال، يستخدم من الألفاظ أجزلها، ويحد الأفكار الشعرية في بِركةٍ محدودةٍ من المواضيع الشعرية، كأنّه صدى للشعر الكلاسيكي الجديد الذي ابتلى الإنكليزية بواحدة من أكثر حُقبها جموداً. للأسف، كانت قصائد الشعر الكلاسيكي العربي من المحفوظات، على عكس قصائد الشعر العثماني، فكان علّي أن أتعذب في محاولة حفظ قصيدة لمحمود سامي البارودي، قالها عندما نُفي مع سعد زغلول وجماعة من القادة المصريين. لا أتذكر من القصيدة سوى البيت الوحيد الذي وجدتُ له صدى في نفسي، ويقول: "ولولا بُنياتٌ وشيبٌ عواطل/لما قرّعتُ نفسي على فائت سنّي". أتذكر أنّني حزنتُ على البارودي وعلى من نُفوا معه بسبب هذا البيت، أكثر من كُل الخطب الرنانة، والأبيات الجزلة التي تتحدث عن البطولة والفداء. فكم في هذا البيت من معانٍ رقيقة، وكم يستحضر من حنين إلى البيت والأهل والسنين المبذولة من أجل الوطن، ومن ثم المنفى، الذي هو واحدٌ من أبشع العقوبات التي عاقب بها الإنسان أخاه الإنسان.
لم تكُن الشذرة التاريخية كافية لشرح الظروف التاريخية التي أدّت إلى قرار النفي، فبقي غامضاً مستعصياً على الفهم، لكن بيت البارودي، في القصيدة الطويلة المليئة بالفخر والحكمة والألفاظ الجزلة القوية التي تتحدث فوق القارئ من على منبر، ولا تحدث القارئ بروحه، عَبَر الزمن إلى القلب، ليتحدث عن الظلم الذي تعرّض له البارودي وصحبه، وكُلفة حُب الوطن الباهضة، وفي ذلك فإن البيت يُذكرني بعتاب لوركا الرقيق لإسبانيا: "آه، الألم الذي يكُلفني إياه أن أحبك كما أحبك!"
ثمّة سؤال يثبُ إلى الذهن عندما يُفكر المرء في الأشعار الجامدة التي تبني بُنى لغوية فارغة، فهل نمتنع عن دراسة هذه الأشعار لرداءتها؟ وهل نحذف محمود سامي البارودي أو توفيق الحكيم أو غيرهم من التاريخ الأدبي؟ بطبيعة الحال، فإنّه ثمّة أدباء قد خرج أدبهم من التداول منذ عقود، فليس في يومنا هذا من يقرأ المنفلوطي أو المازني أو العقاد، إلّا من أُلزِم بذلك لدراسته، أو شعر بالفضول حيالهم وأراد بناء ثقافة كلاسيكية عربية. في زماننا هذا، فإن المتداول من الأدب إمّا الأدب الشائع مثل روايات الرعب والفانتازيا والتنمية البشرية، وزميلتها الأشعار الركيكة التي تدعي الثورية، أو الأدب المترفع الذي يُفترض به أنّه أدب النخبة، وفي كل الأحوال فقد تغيرت الأسماء، ورُبما تغيرّت الأحوال. لكن، هل يعني خروج الأدب من التداول إهماله؟ لقد مضى الزمان الذي كان فيه المتنبي الشاعر (النجم) في الأوساط الثقافية العربية، ولم تعد تصريحات المتنبي تثير الحروب الكلامية، ولم تعد أشعاره الجديدة تتسبب في زوابع فكرية ونقدية. لكن أدب المتنبي لم يمت ولم يُهمَل.
ثمّة من يرى أنّه حفاظاً على حُب الطُلاب للغة العربية، ينبغي حذف الأشعار الرديئة من مناهجها، بل وحذف حُقبٍ بكاملها إذا لزم الأمر. وثمّة من يرى أن تدريس الطُلاب أي نصوصٍ يعني القضاء على حُبهم للأدب، لما في التدريس من فرضٍ وإجبار. غير أنّ هذا الاتجاه يُغفل أهمية دراسة النصوص الأدبية في سياق دراسة اللغة العربية، فأي لُغة هذه التي تُدرَّس بلا نصوص مكتوبة بها؟ وهُنا تتشعب المسألة لتدخل في نطاق الذوق، إذ أنّني أتذكر حواراً مع إحدى زميلاتنا الأصغر سناً حول منهج النصوص، فذكرت لها نماذج من العصور التي أحببتها، وفاجأتني بالقول إنّ كل هذه الأشعار كريهة. فتحت كتاب النصوص - الذي كان قد تغير في السنة التي تلت سنتنا مباشرة - لأجد أنّ النصوص القديمة التي كُنا ندرسها قد استُبدِلت بنصوصٍ كريهة من الحُقب نفسها، فتغير منظور الطُلاب إلى هذه الحُقب، وكرهوا ما أحببناه، كما كرهوا ما كرهناه.
الذوق مسألة شخصية، لكن، في الذوق ما يجعل بعضه أفضل من بعض عند انتقاء ما ينبغي تدريسه. الذوق السيء لا يولد إلّا ذوقاً سيئاً، ورداءة الذوق وفجاجته تفيض على كُل شيء، وتُحَوِل القُبح إلى شيء مُستساغ، بل مُستحسن. خروج الذوق من النطاق الشخصي: "أنا أحب اللون الأزرق، أنا ألبس اللون الأزرق." إلى النطاق العام: "أنا أحب اللون الأزرق، كل الطُلاب سيلبسون اللون الأزرق." يحوله إلى وسيلة قمعية أثرها معروف في تشكيل وعي الشعوب في كُل العالم، سواء المُضطَهَد أم المُضطَهِد، وأثر هذا القمع قديمٌ مُذ عرّفت روما نفسها على أنّها الحضارة، وعرّفت ما حولها على أنّه البربرية، فصارت كلمة البربرية تعني نقيض الحضارة، وضاعت منّا حضارات البرابرة وآدابهم، في أوروبا وإفريقيا والجزيرة العربية، وصار ذوق روما القانون في روما وفي خارجها. القانون الكلاسيكي كذلك استُخدم في إيجاد "مقياس" موحد للثقافة، بحيث فرض مجموعة من المفكرين ذوقهم العام على الآخرين، فضاع الكثير من تنوع الأدب والفكر وتجمّد وفقاً لمقياس من الذوق باعد بين الثقافة (الرفيعة) والثقافة (الشعبية) أشد المُباعدة.
وبالعودة إلى تدريس الأدب العربي، فإن انتقاء النماذج الشعرية الجميلة يُحبب الطلاب في الأدب العربي، حتى من الحُقب التي لم تشتهر بالجودة بشكلٍ عام. وبغض النظر عن آراء واضعي المناهج الشخصية، فإنّه ينبغي الإحاطة بكل مراحل الأدب العربي واتجاهاته، بقدر الإمكان، وتقديمها للطلاب، ليحكموا بأنفسهم، ويقرروا ما يحبونه ويكرهونه، من دون أن يتأثروا بآراء واضعي المنهج. ولعلّ هذه هي المشكلة في المحفوظات، لا مبدأ الحفظ نفسه، الذي يُفترض أن يُنمي قريحة الطُلاب اللغوية وينمي عقولهم ويُدربهم على استحضار المعلومات عند الحاجة. فلو كان يُسمح للطلاب بحفظ ما يُحبونه من قصائد فحسب، لرُبما تحسنت علاقتهم بالآداب العربية. ورُبما، ينبغي تغيير طُرق تلقي الأدب في المراحل الدراسية العُليا، فيُسمح للطُلاب بمُناقشة ما وجدوه جميلاً وما لم يلمسهم، وتُوفر لهم خلفية تاريخية مُصاحبة لكُل حُقبة يدرسونها، ومنهجاً تحليلياً يستعينون به على قراءة القصائد واستيعابها بمُفردهم، وقراءة الأشكال الأدبية الأخرى وتذوقها، وتشجيعهم على استكشاف أدب أُدباء من الحُقب المُختلفة لم يتعرض لهم المنهج الدراسي.
هكذا، يرتقي الذوق العام، وتتجدد الآراء، فلا يرث الناس أفكاراً جاهزة عمّن يكون أديباً عظيماً، ومن يكون غير ذلك، من دون أن يغمطوا أحداً حقه، ومن دون أن يحكموا على شيء بغير قراءة. وبذلك تتفاعل الأفكار والآراء، ولا تحدث قطيعة فكرية بين مراحل الأدب العربي المختلفة.

31 يناير 2016

كلمات مفقودة

هل يُمكِن للكاتب المعاصر، ولنقل كاتب الرواية، أن يستخدم مفرداتٍ عربيةٍ غير مألوفة في كتابته ويتقبله القراء؟ يُمكِن لنا أن نتخيل روائيًا مسكينًا - أو روائية - يكتُب رواية، وفي إحدى صفحاتها، يكتب: "انبعق المطر". سوف يناله من الشتمِ والسخرية والاستهزاء على goodreads وغيره من مواقع مُراجعات القراء الكثير. ورُبما استهزأ به المستهزئون على مواقع التواصل الاجتماعي، واصفين الرواية برواية (البعقة)، أو ما شابه.

الجري

ثمة ترجمة نادرة لرواية قضية دكتور جيكل ومستر هايد الغامضة لروبرت لويس ستيفنسون ترجمها عبد علي الجسماني، أستاذ علم نفسٍ عراقي. ترجمة الرواية تحتاج إلى ترجمة، لشدِ ما استخدم المترجم من الألفاظ العربية غير المألوفة. لحُسن الحظ، فإن معنى الكلمات الغريبة كان مذكورًا في هوامش الصفحات، مما جعل قراءتها يسيرة. وبشكلٍ ما، فإن هذه الترجمة وفيةٌ لروح الأصل الإنكليزي أكثر من الترجمات الأكثر معاصرة والأسهل لفظًا.
غرابة مفردات الترجمة تبعث على التفكير فيما لو كان ثمة امتحانٌ عربي مُقابل لامتحان GRE باللغة الإنكليزية. GRE وسيلة بشعة لتعذيب الطلاب المتخرجين من درجة الدراسة الجامعية الأولى - البكالوريوس عادة - الراغبين في مواصلة الدرب الأكاديمي. الجامعات الأمريكية تُحِب امتحان GRE لسببٍ ما، مع وجود حملاتٍ ضده تتهمه بأنّه لا يقيس شيئًا سوى استعداد الطلاب للامتحان نفسه. على كُلٍ، لامتحان GRE عدة مكونات، لفظي وحسابي وكتابي. القسم اللفظي يكاد يكون الأكثر شُهرة، حيث يكون على الطلاب اختيار معاني الكلمات من مُتعدد. يبدو الأمر سهلًا - نظريًا - لكن امتحان (الجري) يجمع حوشي الألفاظ الإنكليزية وغريبها، ونادرون من يُفلحون في معرفة معاني كُل المفردات التي ترد فيه. ويُقال إنّ من أسباب (تقعر) الكتابات الأكاديمية، خصوصًا تلك الخارجة من الجامعات الأمريكية، محاولة الأكاديميين إثبات تفوقهم في امتحان (الجري) عن طريق استخدام أكبر قدرٍ من الكلمات الطنانة النادرة التي يعجز مستخدم اللغة الذي تلقى تعليمًا جامعيًا أوليًا عن فهم معناها. لو كان ثمة امتحانٌ مماثل في العربية، لزاد من الفجوة بين ذوي التعليم العالي وبين بقية المجتمع. من جهةٍ أخرى، لو كان ثمة امتحانٌ في العربية، لساهم في تقليل المفردات المفقودة من اللغة العربية كُل يوم.
ثمة نصيحةٌ جيدة تصلح لمُعظم أنواع الكتابة، ومفادها أن تُستخدم الكلمات السهلة القريبة في كُل موضعٍ يُمكِن أن تستبدل فيه الكلمات الصعبة المعقدة. كما أنّه ينبغي الابتعاد عن حوشي الألفاظ، وعن الكلمات التي لا يفهم معناها الصحيح إلّا جماعة محدودة من الناس (ويدخُل ضمن هذا اللهجات)، وعن المُفردات المتخصصة التي لا يفقهها إلّا أهلُ صنعةٍ معينة. لكنَ هذه النصيحة صعبة الاتبّاع أحيانًا، فماذا يفعل المرء حين يُريد أن يستخدم مفردة دقيقة تُعبر عمّا يُريد قوله لكنها غير شائعة الاستخدام؟ خصوصًا في الكتابة الشعرية والسردية. في الإنكليزية، يشيع استخدام مفرداتٍ غامضة في الروايات (الأدبية) التي تُسوَق للجمهور الناضج. ويُقال إن إرنست همنغواي قد قال إن الكُتاب الذين لا يُرسلون قُراءهم إلى القاموس لاستقصاء معاني كلماتٍ غامضة بين فينةٍ وأخرى كُتابٌ فاشلون. تبدو مقولة همنغواي - إن صحّت نسبتها له - استبدادية، لكن، يُمكِن تأويلها على أنها تشجيع للكتُاب لئلا يخافوا من إغضاب الجمهور باستخدامهم كلماتٍ غير شائعة.
يبدو أن اللغة العربية تُعاني من فقدٍ سريع للمفردات، حتى أنّ الكتابات التي تعود إلى خمسين عامًا فحسب، قد تبدو غريبةً علينا. ثمة رواية فرنسية مشهورة تُرجِمَت إلى العربية في مطلع القرن العشرين عنوانها غادة الكاميليا. لا زال اسم غادة يُطلق الفتيات في وقتنا هذا، لكن من الصعب تصور أن يكون غادة الكاميليا الاختيار الأول لمترجم هذه الأيام. استخدام كلمة (غادة) سيبدو غريبًا ومصطنعًا، إذ أنّ الترجمة الأكثر منطقية لاسم الرواية الفرنسية La Dame aux camélias ستكون سيدة الكاميليا، أو سيدة أزهار الكاميليا. رُبما فتاة الكاميليا، لكن كلمة غادة، ومعناها الفتاة الناعمة اللينة لن تكون من ضمن المصطلحات التي تطرأ على الذِهن أولًا. مع ذلك، غادة الكاميليا اسمٌ مُناسب، ويُقدم شخصية مارغريت غوتييه لقارئ العربية بشكلٍ أفضلٍ مما قد يؤديه عنوان مثل سيدة الكاميليا.
 ثمّة اهتمامٌ عجيب بمطابقة المفردات العربية مع الأجنبية، بحيث أنّه لو لم يكُن العرب قد برعوا في التفاضل والتكامل قديمًا، لرُبما كان المترجمون قد ترجموا التفاضل إلى الاختلاف، فيكون اسم العلم: الاختلاف والتكامل، أو التخالف والتكامل. الحصيلة اللغوية التي تركها المترجمون العرب القدامى والعلماء في الرياضيات والفيزياء والفلك أنقذت العربية اليوم من ترجماتٍ تعتمد على حصيلةٍ لغوية ضئيلة، وتخلو من نظرةٍ متعمقة للعلم واللغة وحياة الناس. واليومَ، ثمّة جهودٌ حثيثة لتعريب المصطلحات العلمية وإيجاد معادلات لها في اللغة العربية، لكن هذه الجهود تبقى متفرقة، وأحيانًا فردية، وكثيرًا ما تُقابل بالرفض والسخرية. فحتى اليوم، ثمة من يرفض كلمة حاسوب بالعربية، ويُفضل عليها كلمة كمبيوتر. ولا تقتصر المسألة على التفضيل، بل إنّ البعض يذهب إلى القول إنّ كلمة حاسوب لا تفي بكُل معاني كلمة computer الإنكليزية، مع أنّ كلمة حاسوب ترجمة مباشرة لكلمة computer، فكلمة computer قادمة من فعل compute بمعنى يحسب، وحاسوب قادمة من الفعل يحسب. كون الحاسوب قد تطور من وظيفته الأصلية التي تقتصر على الحساب فحسب ليؤدي مختلف المهام في عالمنا المعاصر لا يعني أنّ كلمة computer نفسها قد تغيرت، فما زال معناها المباشر هو حاسوب. الذي تغير أنّ معنى الكلمة قد انتقل من معنى مباشر يتعلق بالحساب، إلّى المعنى الذي نفهمه اليوم للحواسيب المعاصرة. وبالتالي، فإن كلمة حاسوب يُمكِنها أن تؤدي معنى كلمة computer بلا أي مشاكل.

تنين

يُذكرني هذا بمشهدٍ من فيلم شاهدته في طفولتي اسمه DragonHeart (١٩٩٦)، يتعرّف فيه فارسٌ فاشل على تنين ناطق ويُشكلان فريقًا للاحتيال على القرويين المساكين، حيث يدعي التنين أنّه يُهاجِم القرية، ويدعي الفارِس أنّه يُنقذ القرية منه. في مرة، يُقرر الفارس أن يُطلِق على التنين اسمًا، بدلًا من أن يدعوه dragon فحسب (أي تنين، بالإنكليزية). فيقول له، سأسميك Drako، وهي كلمة لاتينية معناها التنين. فيقول له التنين: "أي أنّك ستقول لي يا تنين ولكن بلغةٍ أخرى!"
الطريفُ أنّ كلمة تنين موجودة في العربية منذ القِدم، وتعني الحية العظيمة - أي أنّها تؤدي نفس معنى الأصل اللاتيني - وتُستخدم لوصف كوكبة التنين في الفلك. أقرب مصدر لكلمة تِنين كلمة تِّن ومعناها تِّرب والأتراب هم الذين يكون سنهم متقاربًا. ثمة كلماتٌ كثيرة لوصفِ الحيّات في العربية، وكلمة حيّة نفسها تأتي من مصدر حي، الذي منه حياة وحيوان وحيّة، وقيل إنّها سُميّت حيّة لأن العرب كانوا يعتقدون أنّها لا تموت إذا تُركت وشأنها.
ثمّة وفرةٌ في المصطلحات التي تصفُ هذه المخلوقات البغيضة في العربية، فثمة مصطلحات مُباشرة مثل: أفعى وثُعبان وأَصَلة، وثمة مصطلحات مستعارة مثل شيطان وجان. عُلماء الحيوان يفرقون بين الأفاعي والثعابين والأصلات حسب طريقة الافتراس، لكِنَ المعاني التي يفهمها عالِم الحيوان من هذه المسميات قد تختلف عن المعاني التي يفهمها عالم اللغة.
كلمة ثُعبان تأتي من مصدر ثَعَب الذي يقع على الماء والدم، فثعب الماء أي فجّره، وانثعب الدم من الأنف إذ انفجر. والثُعبان الحيّة الطويلُ الضخم، الذكر خاصة. وقيل إنّ كُل حية ثعبان، وجمعه ثعابين. وذهب بعض علماء اللغة مثل قطرب إلى أنّ الثعبان الذكر من الحيات خاصةً، وهو من أعظم الحيّات.
أما الأفعى، فمصدرها فعا أي فتت، والأفعاءُ الروائح الطيبة. وكلاهما لا علاقة له بالأفعى، التي يُقال إنّ شمر قد وصفها في كتاب الحيات بأنها الحية المتحوية المتراحية التي لا تبرح - أي الحية التي تلتف حول نفسها كأنها حول رحى - وإذا مشت تمشي متثنية بثنيتين أو ثلاث، ولها رأسٌ عريض. أرضٌ مَفْعَاة أي كثيرة الأفاعي. ومنها اشتقاقات مثل أفعوان وهو ذكر الأفعى. غير أنّ أبشَع اشتقاقات الكلمة - وأكثرها فائدة وقُربًا من اللغة الأدبية في الوقت نفسه - فِعل تَفعَى، أي صار مثل الأفعى في الشر. وذُكِر في بعض المصادر أنّه يُطلَق على من لم يكُن شريرًا من قبل.
الأَصَل في علم الحيوان الحيّات الكبيرة العاصرة، غير أنّها في اللغة مختلفة: فقيل إنّها حية قصيرة لها رجل واحدة تقوم عليها وتُساور الإنسان وتنفخ فلا تصيب شيئًا بنفختها إلّا أهلكته. وقيل هي مثل الرحى، ولا تمس شجرة ولا عودًا إلّا سمته. وقيل هي حية صغيرة تكون في الرمال. وقيل الأَصَلة الحية العظيمة، وجمعها أَصَل. وورد في الصحاح أنها جنسٌ من الحيات وهي أخبثها. وقيل إنها تثب على الفارس فتقتله.
لا بأس بتحريك أَصَلة لتقابل الـ boa، إذ أنّ الوفرة اللغوية لا فائدة منها إذا لم تتحرك المفردات لتؤدي المعاني التي يحتاجها العالم المُعاصِر. من أسماء الحيّات أيضًا: شُجاع وخشاش، لكن هذه الأسماء لم تَعُد مُستخدمة في اللغة العادية لوصف الحيات. ونادرًا ما قد يُصادف أحد لفظة خِشاش، إلّا في بعض حصص اللغة العربية، حين يكون على الطلبة تفسير بيتٍ مثل: "خشاش كرأس الحية المتوقد". ورُبما يجد علماء الحيوان استخدامًا لكلمة خِشاش لوصفِ صنفٍ جديد من الحيات.
وفرةُ المصطلحات التي تصفُ هذه المخلوقات البغيضة في العربية تقابلها وفرةٌ في الإنكليزية كذلك، ففيها snake, serpent, adder, viber, boa... والمصطلح العلمي - اللاتيني - الذي يضُم هذه الحيّات معًا: ophidian. وثمّة ملاحظة بخصوص serpent الإنكليزية، حيث أنّها تعني ثُعبانًا كبيرًا، ولها ثقلٌ دلالي، إذ أنّها الكلمة التي تُستخدم لوصف الشيطان حين تسلل إلى الجنّة. فيما يبدو أنّ serpent الفرنسية تعني حيةً فحسب، مثل كلمة snake الإنكليزية.

حريم السلطان

يبدو لي أن الإنكليزية الفخمة هي فرنسية عادية في أحوالٍ كثيرة، فعبارة مثل tête-a-tête الفرنسية لا تعني شيئًا في الفرنسية سوى رأسًا لرأس - أي الحديث بين شخصين مباشرة (راس براس، كما في العامية) - فيما هي في الإنكليزية عبارة يستخدمها المتعلمون للتعبير عن معنى محادثة خاصة private conversation. عبارة rendez-vous الفرنسية التي تعني موعدًا (عاديًا) صارت كلمة بالإنكليزية rendezvous معناها موعد عادة ما يكون بين شخصين. وثمّة خلافٌ حولها، إذ يُقال إنها يُمكن أن تُستخدم لتأدية معنى appointment أو meeting من دون أي إيحاء إضافي، فيما يرى آخرون أنها لا تصلح إلّا للمواعيد السرّية أو الغرامية. في بعض لهجاتِ العربية، رانديفو تعني موعدًا - وأحيانًا غرامي - مثلها بالإنكليزية، غير أنّ استخدام رانديفو لا يُعد من قبيل الفُصحى، فيما يُعد إنكليزية (فُصحى). (Rendez-vous الفرنسية عبارةٌ طريفة، إذ تعني حرفيًا: قدّم نفسك! (أو سلِّم نفسك!) وهي من عجائب الفرنسية، كما في قولهم Je m’appelle Jean. أي أدعو نفسي جان - حرفيًا - وليس: اسمي جان.)
وكما أنّ الإنكليزية تضمُ تعبيراتٍ فرنسية تُعتبر جزءًا من اللغة، فإنّ العربية قد أثّرَت في لغاتٍ مجاورة لها مثل الفارسية والتركية والكردية. الأتراك يُسمون عيد الأضحى عيد القربان. القربان كلمةٌ عربية معناها ما يُتقَرَب بهِ - في سياقٍ ديني، عادةً - لكن العرب لا يستخدمون كلمة قرابين لوصف ذبائحهم يوم العيد، بل يسمونها الأضاحي. تسمية عيد الأضحى بعيد القربان ستسبب صدمة ثقافية لمعظم العرب، ولا ينفعُ من يُسميه كذلك - في اللغة العربية - القول إن كلمة قربان هي كلمة عربية حقة. هذه الكلمةُ لا تُستخدم في العربية لوصفِ العيد الذي يأتي بعد موسم الحج، لكنها كذلك في التركية.
ثمة مُسلسلٌ تركي مدبلج شهير يُسمى حريم السلطان بالعربية. المُسلسل يُسمى بالتركية Muhteşem Yüzyıl (محتشم يوزيل)، أي القرن العظيم - أو، (حرفيًا)، المائة سنة العظيمة. كلمة محتشم عربية، وتُستخدم غالبًا لوصف اللباس، فيُقال عن اللباس الذي يسترُ الجسد - أو معظمه - إنّه لباسٌ محتشم. ويُقال عن الحياء في المجال العام إنّه حِشمَة. وفي اللغة، فإن الحِشمة هي الحياء والانقباض، والحشمة الانقباض عن أخيك في المطعم وطلب الحاجة. كما أن لها معاني أخرى، فأحشَم الرجل إذ أغضبه، وحَشَمَهُ إذ أخجله.  ثمة استخدام آخر لاشتقاقٍ للكلمة: حشَم، كما في خدم وحشم لوصف الرفاهية والهيلمان. الحشم هُم خاصة الرجل من أهل وجيرة وخدم وعبيد ممن يغضبون له - كما في لسان العرب. وليس في هذ الاشتقاقات ما يؤدي معنى العظمة بشكلٍ مباشر - ولو إنّه يُمكِن اعتبار كلمة حشم مصدرًا لهذا، باعتبارها من آيات التفخيم.

الببور والنسور

العرب لم تَعرِف الحيوان الذي يُسمى tiger بالإنكليزية، إلّا عندما خرجت من حدود جزيرة العرب، لذلك استعارت له كلمة بَبْر التي يُعرفها لسان العرب على أنها: واحد البُبور، وهو الفُرانِق الذي يُعادي الأسد. غيره: البَبر ضرب من السباع. أعجمي مُعرب. والحيوان الذي عرفته العرب وكان مُنتشرًا في الجزيرة العرب - وقد انقرض اليوم أو كاد - هو النمر، leopard، وسُمي بذلك لأن جلده أنمر، أي أرقط، ويختلف عن السنّور الأرقط الآخر، الفهد. حاليًا، يُسمى الببرُ النمرَ، والنمرُ الفهدَ، والفهدُ الفهدَ الصياد. وإذا كتَبَ المرء عن حيوانٍ أنّه بَبْر من باب الدقة، فهل سيفهم قُراء العربية المقصود؟
ومن ذلك الجدل حول النسر، فهل النسر الذي نعرفه اليوم هو ما عرفته العرب وبجلته؟ ما يُسمى بالإنكليزية Eagle؟ المُترجمون المُخضرمون يقولون إنّ العرب قد بجلّت العُقاب، وإنّ العُقاب هو الحيوان المُسمى Eagle بالإنكليزية، أمّا النسر ففصيلةٌ من ضعاف الجوارح، وثبَ على قِمةِ المجد واحتل مكان العُقاب في غفلةٍ من الزمن.
غير أنّ هُناك من يردُ بالقول إنّ النسر من الحيوانات المُحترمة عند العرب، وإنّه هو الـ eagle نفسه. والعرب قد احترمت العُقاب والنسر والصقر والشاهين والبازي، وكلها فصائل من جوارِح الطير. وبين الفريقين يضيع المعنى، فمن من هذه الطيور الطائر الذي بجلته العرب حقًا؟ ومن منها الذي اختصته بأكل الجثث بعد المعركة؟ وهل يعني هذا أنّ الاستخدام الحالي لهذه الكلمات فاسد لغويًا؟
ينتج عن البحث في لسانِ العرب نتائج طريفة، فالعُقاب تجمع على عِقبان، وجمع الجمع عَقابين. غير أنّ بعض علماء اللغة يرّون أن العُقاب أنثى، وهي الغالبة على جنس الطير المُسمى بالعُقبان، وعليه فإن الجمع الأصح للعُقاب أعقُب. (ومن هذا بيتُ المتنبي الدقيق لغويًا: يهز الجيش حولك جانبيه، كما نفضت جناحيها العُقاب). ويختلفون في ذَكر العُقاب، إذ يرى البعض أن اليعقوب هو ذكر العُقاب، وليس ذكر الحجل كما ذهب إلى ذلك بعض اللغويين - من ضمنهم ابن قتيبة - فاليحبور ذكر الحبارى، وعليه يجوز القياس بأن اليعقوب ذكر العُقاب، ووافق لفظه لفظ اسم النبي يعقوب، الذي يُعدُ اسمًا أعجمي.
أمّا النسور، فيبدو أنّها طيورٌ محترمة، تُجمع على نسور وأنسر - جمع تقليل. وجاء في المثل: استنسر البغاث، أي استقوى الضعيف أو الجبان، ويُقابل هذا المثل القول استأسد الكلب، وإن كان مثل استنسر البغاث عربيًا فصيحًا وقديمًا، فيما استأسد الكلب محاولة لترجمة المثل إلى لغةٍ (عصرية). وليس ثمة ما يدلُ على التقليل من قدر النسور في لسان العرب، أو على كونها طيورًا مستقبحة ضعيفة. أمّا أكل الجيف، فيُنسب للعقبان والنسور وغيرها من الكواسر التي تجتمع على أرضِ المعركة.
هذه الأنواع من الجدل تجعل القارئ والكاتب في حالةِ حيرة، فما الصحيح وما الخاطئ؟ وكيف يكتب المرء بطريقة مفهومة وسليمة لغويًا وعلميًا؟ وكيف يُمكِن أن يتفاهم الكاتب مع القارئ بشكلٍ كُلي حيّال أسماء المخلوقات؟
ولو تحدثنا عن الصفات. يُمكِننا القول إنّه ثمةُ حيةٌ متحوية، لكِن، رُبما سيقرأها القارئ على أنّها خطأ إملائي، والمقصود حيةٌ متحولة، وبهذا نكون قد انزلقنا إلى الخيال العلمي من جديد. وتفاديًا للبس، يُمكِن أن يُكتَب: حيةٌ مُلتفة على نفسها، فيؤدى المعنى نفسه بكلماتٍ أكثر تُناقض مبدأ الاقتصاد في اللغة، ويفقدُ الكاتب إيحاء الفحيح في حية متحوية. (الفحيح الصوت الذي تطلقه الحية، والكشيش هو صوت حركتها، كما جاء في لسان العرب).
ثمةَ أفعالٌ  مثل انبعق - المذكور سابقًا، وانثعب، وجزع بمعنى قطع الوادي أو الطريق، وإن كانت موجودة في العامية في اليمن، وموجودة في الفصحى بمعناها الآخر، أصابه الذعر وطاش صوابه. وطلا: أي صار عذبًا. ورجَل شعره إذ مشطه. وغير ذلك من الأفعال التي تكادُ تكون مفقودة من العربية اليوم.
إذ ذاك، ماذا بوسع الكاتب أن يفعل؟ يُقال للكاتب، اكتب ما تشاء. غير أنّ الكاتب لا يكتُب في فضاء وحده، وإذا كان لا يضرُ الكاتب أن يُقال إنّ أدبه صعب بل قد يفخَرُ بذلك، فإنّه لا يوجد كاتبٌ يُريد أن يُعامله القُراء مُعاملة العاوي في الصحراء، وهذا ما قد يفعله القراء بكاتب رواية (البعقة) الافتراضي.

ما يُفترض أن يعرفه القارئ

في واحدة من محاضرات أمبرتو إيكو المجموعة في كتاب ست نزهات في غابة السرد، "الحالة الغريبة لشارع سرفاندوني"، يتحدّث إمبرتو إيكو عن المُعجم المعرفي الذي يُفترض وجوده لدى القارئ. حيثُ يدرسُ إيكو محل إقامة أراميس - أحد الفُرسان الثلاثة - الذي يقول ألكساندر دوما إنّه يقطن شارع سرفاندوني، ويخلصُ إلى نتيجة مفادها أنّه لم يوجد شارع اسمه شارع سرفاندوني في زمن الفرسان الثلاثة في القرن السابع عشر، بل إنّ شارع سرفاندوني - الذي سُمي بذلك الاسم في زمن لاحق - هو نفسه شارع الفوسيور الذي يُفترض أنّ دارتانيان يُقيم فيه. وعليه، فبما إن الرواية تقول إنّ دراتانيان وأراميس لا يسكنان في الشارع نفسه، فإنّ واحدًا منهما فقط هو الذي يُمكِن أن يسكن في الشارع.
لكن إيكو يعود إلى القول إنّ القارئ لا يُفترض به أن يعرف أنّ شارع سرفاندوني لم يكن موجودًا في زمن الأحداث، فالكاتب نفسه، ألكساندر دوما، لم يكُن يعرف ذلك، وعليه أن يتقبل وجود شارع اسمه سرفاندوني وشارع اسمه الفوسيور في عالم الرواية على أنّه وجود واقعي. مع ذلك، يقول إيكو إنّه من غير المُمكِن أن يُسمي دوما شارعًا باسم شارع نابليون، مثلًا، لأن القراء يعرفون أنّ نابليون بونابارت لم يكُن موجودًا في زمن الفرسان الثلاثة، بل جاء بعدهم. هذه واحدةٌ من القضايا التي تشغل إيكو في محاضراته: حدود الحقيقة في العالم السردي، وما ينبغي أن يعرفه القارئ النموذجي.
أحيانًا، ليتغلب الكاتب على رفض القارئ النموذجي تصديق ما يُروى له، فإنّه قد يشرع في كتابه بتنحية اعتراضات القارئ المتوقعة عن طريق حيلة سردية، مثل (تذكير) القارئ بما كان عليه الحال من قبل، أو تقديم منظور مُعين لوضع القارئ فيه منذ البداية. وفي كُل رواية، فإنّه ثمة حقل معرفي ينبغي على القارئ أن يُدرِكه ليستطيع التعامل مع الرواية.
إيكو لا يتعامل مع بُنية الرواية اللغوية، لكن أفكاره عن الحقل المعرفي الذي ينبغي للقارئ امتلاكه ليتعامل مع النص بشكلٍ (نموذجي) تصلح مدخلًا للتفكير: كيف تُنشئ الرواية حقلها اللغوي؟ هل عن طريق وضع مسردٍ بالكلمات الصعبة، مثلًا، في الهوامش، أو في آخر الرواية؟ وكيف تُحَدَد هذه الكلمات الصعبة؟ من الذي يُحِدد مدى صعوبة كلمة، أو غرابة استخدامٍ لغوي في نصٍ وحاجته للتفسير؟ إذ أنّ القُراء يختلفون فيما بينهم البين، وفيما لا يجد قارئ صعوبةً تُذكَر في فِهم تعبيرٍ مثل: "أشطان بئرٍ في لبان الأدهم"، يجد قارئ آخر صعوبة في فهم تعبيرٍ من قبيل: "اكفهر وجهه". فما الفيصل؟
بشكلٍ عام، من الممكن الرجوع إلى القاموس في حالةِ صعوبة بعض التعابير، لَكِن، ثمّة رُهابٌ من القراءة يدفع الكثير من القراء إلى التوقف عن قراءة رواية إذا كانت لغتها صعبةً بعض الشيء، عِوَض استشارة قاموس وفهم كلماتها. الأمرُ لا علاقة له بالقدرة على امتلاك القواميس، لأن لسان العرب متوفر على شبكة الإنترنت، وغيره من معاجم اللغة العربية، كما أنّ الكثير من القُراء يُنزلون ما يقرأونه عن شبكة الإنترنت، ويقرأونه على أجهزة إلكترونية.
كثرة الهوامش في نصٍ أدبي تُفقده التدفق والتماسك. مع ذلك، ينبغي أن يتدارك الكاتب نفسه، فإنّه إذا ملأ كتاباته بكلماتٍ عويصة، صار صعبًا فهم نصه الإجمالي، واستشكل ذلك على خواصِ القُراء وعمومهم، وعليه إذ ذاك أن يمُدَ لهم يدَ العون بنفسه في الهوامش.

فقعسة

يبدو لي تنقيب إيكو في شوارع باريس عام ١٦٢٥ نوعًا من (الفقعسة)، والفقعسة لفظة عامية معناها التدقيق والتحذلق في أمورٍ لا داعي لها من باب الإزعاج أو استعراض الثقافة أو التفلسف في ما لا طائل منه في محاولة لتلميع شخصية (الفقعوس) وإظهاره خيرًا مِمَن حوله. من يهتم بأسماء الشوارع في عام ١٦٢٥ ومدى مُطابقتها للواقع إلّا قارئ فقعوس؟ والطريف أن إيكو نفسه يتذمر من قارئ فقعوس أرسل له رسالة بخصوص روايته بندول فوكو، يقول فيها إنّ حريقًا كبيرًا قد وقع في ليلةِ مرور كاسوبون - الشخصية الرئيسية - في الشوارع الباريسية التي يصفها إيكو في الرواية، وإنّه كان من المُستحيل ألّا يرى كاسوبون الحريق، فلماذا لم يذكره في النص؟ بطبيعة الحال، مهما كان الباحث دقيقًا تاريخيًا، فإنّ أشياء ستفوته - بلا شك - عندما يكتب رواية - حتى لو كتبها بفقعسة شديدة. إيكو نفسه حاول أن يستظرف على القارئ في رده، قائلًا إنّ كاسوبون لم يُخبره بذلك. ويرى إيكو أنّ قارئه قد يكون مُقتنعًا بأنّ إهمال الحريق نتيجة لمؤامرة ماسونية من المؤامرات التي تذكرها الرواية. إيكو يُقر بأن عالم روايته يؤيد هذا الافتراض، فهو يبني عالمًا من المؤامرات والدسائس والأسرار ويحاول إلباسه لباسًا واقعيًا شديدًا.
مُعظم الأدباء يُحبون الفقعسة عند التنظير للأعمال الأدبية، فالحديث عن الكون الروائي وحدود القراءة والقارئ النموذجي في الحكاية والأدب الحقيقي وإرهاقهم الشديد لبناء عالمٍ روائي متين ومُحكم يختلف عن العوالم الفقيرة التي يبنيها مُعاصروهم، كُل هذا سهلٌ وممتع. لكن، تجيء لحظة الحقيقة، ويجد الكاتب أنّ قارئه الفقعوس - هو أيضًا - قد اكتشف تناقضًا في عمله، أو نقطةً غفل عنها، أو تشابهًا بين كتاباته وكتاباتِ أحد ألدِ أعدائه من الكتاب. فماذا يفعل الكاتب؟ غالبًا يكون الرد نوعًا من الاستظراف. وهذه ظاهرة كونية، يشترك فيها كبار الأدباء وصغارهم، في مشارق الأرض ومغاربها. ويشملُ ذلك الأكاديميين وكتاب الكُتب غير الخيالية.
استقصاء مصدر فقعسة في لسان العرب لا يخرج إلّا بأن فقعس اسم شخص، ولا يوجد للاسم اشتقاقات. لا توجد أي معلومات تُذكر عن فقعس، وعن شخصيته. غير أنّ كلمة فقعسة مُفيدة، وليس بالضرورة أن تكون مشتقة من فقعس، أو أن يكون مصدرها، كما أنّ أفعى لا علاقة لها بفعا ولا بأفعاء. المشكلة في هذه الكلمة المفيدة أنها من ضمن الكلمات التي ينبغي تجنب استخدامها في الأدب، لأنّها تتوجه إلى جمهورٍ ضيق ممن يفهمون اللهجة - وحتى هم قد يختلفون في تفسيرها فيما بينهم البين.