18 مايو 2007

بقايا النهار

تُخلف قراءة رواية بقايا النهار للياباني كازو إيشيغيرو لذعة في النفس، وغصة ما لا تُمحى بسهولة.
حين بدأت قراءتها، لم أكن في مزاج جيد للقراءة، لكن اسم الكاتب الياباني عليها شكل عامل إغراء قوي مع عنوانها الملفت The Remains of the Day وحملني على قراءتها لأرحل في الحياة برفقة ستيفنز الذي يكتشف أن النهار يوشك على الإنقضاء، نهاره هو بالذات، ولم يبق إلا البقايا.
تستخدم رواية بقايا النهار أسلوب تيار الوعي الحديث لتنسج حياة ستيفنز، رئيس الخدم الكهل، والحيوات الأخرى التي ارتبطت به. ستيفنز الذي أصبح الآن كبير خدم عند رجل أعمال أمريكي اسمه فارادي، يقترض سيارته ويذهب ليكتشف الريف بناء على مقترح مخدومه، يحدوه أمل في استعادة الآنسة كنتون لتعود وتعمل معه في دارة دارلنغتون. أمل في أن يستعيد اللحظات الضائعة، ويصحح خياراته، مُقنعاً نفسه بأن النهار لا يزال طويلاً.
خلال رحلته لتأمل الريف، يتأمل ستيفنز حياته هو بالذات، ويستعيد اللحظات التي يعتقد أنها أثرت عليها بشكل مباشر. تكتسب ذكرياته صيغة تبريرية باردة، هو هكذا لأنه لا يعرف كيف يكون شخصاً آخر. لقد فعل ما بوسعه ليكون من المتميزين في مجاله، وفي سبيل هذا، ضحى بوجوده الخاص وإرادته الخاصة كإنسان حر. ووجد نفسه في النهاية على حافة النهار، دون أن يملك حتى الحق في الاعتراف بأنه كان على خطأ.
على حافة النهار يجلس ستيفنز، لا يزال هُناك وقت قبل حلول الظلمة، وبرغم الغصة، ينبغي ألا تضيع بقايا النهار كما ضاع هو.
قرأت هذه الرواية مترجمة إلى العربية في 2006، وفي نفس العام حصلت على نسخة مختصرة لها باللغة الإنكليزية، واحتفظت بها لأغراض تحسين لغتي. منذ 2006 وحتى هذه اللحظة تغير الكثير، وأصبح الشعور بقرب انقضاء النهار أقوى من أي وقت مضى. حسبتني نسيت الرواية، لكنني حين كُلفت بنقد عمل أدبي من اختياري، أمضيت أسبوعين أتقلب بين الكتب من الحيرة، أفكر تارة، هل أكتب عن قصة غراهام غرين المدمرون؟ هل أكتب عن القوة والمجد؟.. أم أشد رحالي بعيداً عنه لأكتب عن شيطان جيرمي ليفنز؟.. أو ربما، من الأفضل أن أكتب عن محبوبة توني موريسون؟.. أو السيدة دالواي رفيقة فرجينيا وولف؟.. لم أستطع أن أكتب شيئاً نهائياً، حتى تذكرت بقايا النهار، حينها، وفي ساعة واحدة فقط. أنجزت واجبي الجامعي الثقيل، وسلمته في موعده على غير ما كنت أتوقع. أُهنئ نفسي، فقد استفدت من تأرجحي على حافة النهار، وربما أستطيع التشبث به حتى النهاية.
أُنتج عن هذه الرواية فيلم قام ببطولته الرائعان أنتوني هوبكنز وإيما ثومبسون، ولم أره حتى الآن.

11 مايو 2007

النُفُوسُ المَيِتَةْ...

عندما يُصادف المرء موتاً يأخذ منه كل معنى للوجود، فإنه يصبح أكثر حذراً وخوفاً عندما يحل حضوره القاتم.
يصبح ساخراً جداً، أو مولعاً بكل ما يمت للموت بصلة.. لكنه في الحالين يشعر برهبة خاصة إزاء الموت والموتى.
للمرة الثانية في حياتي، أقرأ النفوس الميتة لنيقولاي غوغول، الأديب الروسي العظيم الذي قيل عنه مرة أن الأدب الروسي كله خرج من معطفه، وكنت قد نويت قراءتها قبل أشهر، ثم لم أستطع القيام بذلك إلا قريباً.
لطالما اعتبرت غوغول ساخراً ذا خيال مدهش، لكن قراءة النفوس الميتة للمرة الثانية، تفتح آفاقاً هائلة للتأمل في طبائع النفوس ودواخلها، وتحير المرء بين التعاطف مع تشتشيكوف وتجارته الرهيبة بالنفوس الميتة وبين ذمه وذم كل ما يمت له بصلة. الأمر الذي يرهق أصحاب تصنيف الأبيض والأسود للأمور، مع كونه حياً وحقيقياً ونابضاً.
السخرية أفضل ما توصلت له البشرية في تاريخ تطورها، وهذه قناعة تذكرني بقناعة أستاذ الرياضيات الفلسطيني أبو أيمن الذي لم يفلح في تعليمي كيف أجد حلولاً للدوال الرياضية المزعجة، لكنه عرفني على لوباتشفسكي وهندسته، وعلى ريمان وجنونه؛ القناعة التي كان يرددها دائماً:
"أعظم اختراعات البشرية هي العجلة والبنكنوت والشتيمة"

حين يمتلك الإنسان أن يسخر من نفسه، ومن ألمه، وأن ينتزع الضحكة من بين أسنان الألم. حينذاك يكون قد تمكن من قهر الوحشة والألم والكذب وخداع الذات، فهذا الشخص يرى الحقيقة، ويحب برغم أنه يرى الحقيقة. يستخرج وجه السخرية من أكثر الأمور كآبة فيعرف الجوهر دون أن تغره الأقنعة.
غوغول ساخر عظيم يملك أن يرسم النفوس بعظمة، النفوس الميتة التي يتحدث عنها لم تكن نفوس فلاحي الموجيك الموتى الذين تتعامل الحكومة معهم على أنهم أحياء. النفوس الميتة هي نفوس تشتشيكوف وسكان مدينة النونين وشخصيات الروايات التي فرغت تماماً من جوهرها الإنساني حتى أصبحت نفوساً ميتة تُعامل وتُعامِل على أنها حية.
غوغول بنفسه أحرق بقية عمله، وكاد يأتي على المخطوطات بكاملها. لم يفعل هذا يأساً كأبي حيان التوحيدي الذي أحرق أعماله يأساً من العالم الذي لم يعترف بعبقريته وتحدياً له، ولم يحرق مخطوطته كما فعل مواطنه بولغاكوف ليأسه من إمكانية نشرها. فعل ذلك قبل موته لأسباب تتعلق برغبته في الخلاص الديني.
السخرية هي أن أحد أعظم الساخرين في العالم أحرق أعماله الساخرة لأنه تشرب قناعات الناس القائلة بأن السخرية عمل يوجب طرد المرء من رحمة الله، ولأنه كان على حافة الموت، لم يكن مستعداً للدفاع عن سخريته إلى آخر لحظة. جندل غوغول نفسه عندما استسلم لما يقوله الناس من حوله، وهو الذي كان لا يأبه إلا للحقيقة، لكن هذا لم يكن إلا لكون الموت.. يغير النفوس!

01 مايو 2007

طَمَاس القُوّيني

طماس القويني (1100 ش - 1150 ش) أحد أهم فلاسفة الشخبطية، وصاحب منهج خاص في الشخبطية عُرف بالمدرسة الطماسية الشخبطية، ومن أهم مقولاتها: "الجوهر سابق الماهية في الوجود كما يسبق الزيت الماء في الغليان".
يُجادل البعض بأن طماس القويني قد خرج عن الشخبطية في حياته، الأمر الذي استوجب إخراجه من زمرة فلاسفتها بعد مماته، غير أن المنظرين المحدثين للشخبطية يرون أن طرد القويني من دائرة فلاسفة الشخبطية يُعد قلة ذوق واضحة، وذلك لإسهاماته الجلية والواضحة في تطوير الفكر الشخبطي بشكل شبه منحرف، بعد أن كان التطور الشخبطي يتم عبر أشكال منحنيات مقفلة فقط، وجاءت أعمال طماس القويني لتعاكس اتجاه الفيلسوف الشخبطي الأكبر ابن شيما الذي ذهب إلى أن الشخبطية تطور حلزوني مرتبط بالوجود، غايته هي الاتحاد بالكون اللا نهائي. ويرى بعض دارسي الشخبطية المحدثين أن خروج طماس القويني عن خط ابن شيما الذي أخرجه من زمرة الشخبطيين في رأي بعض غلاة الشخبطيين الشيميين، جاء بسبب رغبته في الانتقام من ابن شيما الذي وضع علم تربيع الشخبطة، وهو العلم الذي تسبب بطرد طماس القويني من المدرسة الابتدائية.
بالرغم من إخفاقاته نادرة المثال في علم تربيع الشخبطة، فإنه قد برع بشكل خاص في علم الخبال الشخبطي. وكان أول من أثبت نظرية الشاخباطي الشهيرة: "جنان يخارجك ولا عقل يحنبك"، الأمر الذي حفظ له مكانة بين فلاسفة الشخبطية، وعلماء الخبال من كافة المدارس الفلسفية والحكومية الأخرى.
في أواخر حياته، مال طماس القويني إلى المدرسة الشعططية، وعُد هذا انحرافاً خطيراً، حيث أنه دعا إلى إصلاح الشخبطية من داخلها، الأمر الذي لم يرق الكثيرين، واضطر أستاذه العجوز برطس المبرطس إلى الخروج من بيته رغم آلام المفاصل المبرحة التي كان يعاني منها ليبعد الفتية الذين اجتمعوا حول طماس القويني وهم يهتفون: "طماس المحتاس... شعطاط بعد الشخباط".. وبعد وفاة طماس المثيرة للجدل، هشم برطس المبرطس رؤوس أفراد المجمع الشخبطي الأكبر فقبلوا إعلان طماس القويني فيلسوفاً شخبطياً من المعلمين الكبار، خوفاً من عصا برطس المبرطس الذي كان قد بلغ سن الجنون والعنف، بالإضافة إلى تمتعه بقوة هرقلية لم تأت عليها السنون بسبب مداومته على تناول عسل إكسترا ألفا من شركات إكسترا ألفا العالمية.
حياة طماس القويني ووفاته:
وُلد طماس القويني في رقوصة، وكان الابن الأصغر لأسرة تضم خمسة وأربعين ابناً وابنة. وفي طفولته المبكرة أبدي نجابة وذكاء نادري المثال حيث أنه كان قادراً على التفريق بين الصراصير وحبات التمر، فلم يكن يتناول الأولى حسب عادة الأطفال من أقرانه. بل إنه كان يفضل تناول السحالي، ويصطادها دون هوادة حتى لقد أفنى جنسها في رقوصة.
بينما كان القويني يطارد سحلية شهية، ظهرت له هي-التي-يجب-ألا-تؤكل، أو السحلية الأم لكل سحالي العالم، منذ خلق السحالي، وحتى نهاية الأرض. ونهته عن أكل بناتها إلى الأبد، كما كشفت له بعض أمور جلت عن عينيه الغشاوة فعرف مهمته في الحياة ومكانه، واستعد لإبلاغ رسالته العظيمة.
وكان أبوه، عداس القويني، بلطجياً لا يُشق له غبار، جمع ثروة طائلة من البلطجة فأصبح شيخ رقوصة، ولهذا شعر بأن رسالة ابنه المجنون تهديد له، فقام بحبسه في كوخ مهجور، وأجمع أهل رقوصة على أن القويني طماس مجنون ينبغي حبسه هناك للأبد.
طال حبس القويني، ولم يقبل أحد بأن يفك أسره، فاستغل الوقت في تنمية قواه التخاطرية، وعن طريق التخاطر، درس فلسفة ابن شيما، والشاخباطي، وابن نرد، وغيرهم من كبار فلاسفة الشخبطية. كما تعرف على الأستاذ الكبير برطس المبرطس، فقرر الالتحاق به، لكن قدراته التخاطرية الفذة لم تمكنه من الحصول المفتاح للخروج من الكوخ، ومع ذلك فإن مبادئه الشخبطية لم تتحطم.
جاء الفرج إلى طماس القويني عن طريق عابر سبيل مجهول يفد رقوصة لأول مرة، فقد طلب القويني منه أن يفتح له الباب بالمفتاح الذي عُلق في سلسلة حديدية على قمته، قائلاً أن بعض الأشقياء حبسوه بينما كان نائماً. ولم يكذب طماس القويني فإنهم قد حبسوه على غفلة، وما كان من الرجل الطيب إلا أن فتح للقويني الباب.
تختلف بعض المصادر في بعض التفاصيل، لكن الإطار العام لما حدث بعد خروج طماس القويني من الكوخ واحد، حيث أنه صاح في الرجل بصوت كالرعد: "إني أصطفيك لتكون الشخبطي من بعدي!" فُذُهل الرجل، وسأل: "ماذا؟"، عندها أجبره القويني على الركوع، وباركه ببركة الشخبطية، فمات الرجل من الفرحة.
بعدها ركض طماس القويني حتى عثر على برطس المبرطس يتشاجر مع بعض الشعططيين، فساعده على غلبتهم، فأحبه المبرطس واصطفاه وعلمه كيف يستحم ويرتدي ثياباً نظيفة مرة في الشهر، وعُد هذا من أعظم إنجازات المبرطس.
بعدها رحل طماس القويني ليجمع تلاميذه، وقد اتُهِم تلاميذه بأنهم قطاع طرق، لكن طماس القويني لم يكن ممن يهتمون بالمظاهر، بل بالجوهر، وكان يعرف أن تلاميذه شخبطيون طيبون في حقيقة أمرهم وجليتهم، لهذا فإنه شاركهم بعض أعمال السلب والنهب، وتحطيم رؤوس بعض المعارضين للمذهب الطماسي في إطار الفلسفة الشخبطية.
تختلف الروايات حول أسباب وفاة القويني وكيفيتها، فتقول رواية تلاميذه التي أيدها برطس المبرطس، رغم أنه لم يحضر الوفاة، أن القويني شعر بانبساط كبير ناجم عن مشروب صوفي في زجاجة، فخرج في وسط العاصفة ليلاً، وتسلق بعض الصخور ثم وقف، وأخذ يصيح: "أنا طماس القويني!.. أنا هو الوجود!" فأخذته الصاعقة وهم ينظرون. وتقول رواية أخرى يؤيدها شيخ فلاسفة الشيميين الشهروري أن القويني قد تشاجر مع تلاميذه على تقسيم غنيمة نهبوها، فهشموا رأسه. فيما يقول شيخ الفلاسفة ضد-الشيميين ابن النفاش أن القويني قد تدحرج من رأس الجبل بسبب زلة من قدمه. وتوجد رواية ضعيفة الاسناد يتبناها الشخبطيون المحدثون وهي أن معطاس القويني، شقيق طماس الأكبر، قد استأجر من يقتل أخاه المجنون بعد أن أعلن رغبته في العودة إلى رقوصة والإستيلاء على مشيخة رقوصة لفرض المذهب الطماسي عليها.
أعمال طماس القويني:
- شخبطة الكون
- الرد الواضح على ابن شيما المناطح
- تفتيت النرد في تفنيد فلسلفة ابن نرد
- نفش المنفاش في تحطيم رأس ابن النفاش
- البيان العام الطماسي
- إباحة تهشيم رؤوس الشعططيين
- برطسة المبرطس البرطوس
- في المسألة الرقوصية
- اشكالية الفلسفة بين الشخبطة والشعططة
- الرد على ابن خشنون الفشنون
- الخطوط المنكسرة تقابل الخطوط المنحنية
- مائة طريقة وطريقة لطهي لحوم الشيميين والخشنونيين والبراطسة والشعاططة وغيرهم من الملاحدة
- الحق الطماسي في إقطاع الرقوصي
- تحمية الطاسة في سلخ جلود البراطسة