عندما يُصادف المرء موتاً يأخذ منه كل معنى للوجود، فإنه يصبح أكثر حذراً وخوفاً عندما يحل حضوره القاتم.
يصبح ساخراً جداً، أو مولعاً بكل ما يمت للموت بصلة.. لكنه في الحالين يشعر برهبة خاصة إزاء الموت والموتى.
للمرة الثانية في حياتي، أقرأ النفوس الميتة لنيقولاي غوغول، الأديب الروسي العظيم الذي قيل عنه مرة أن الأدب الروسي كله خرج من معطفه، وكنت قد نويت قراءتها قبل أشهر، ثم لم أستطع القيام بذلك إلا قريباً.
لطالما اعتبرت غوغول ساخراً ذا خيال مدهش، لكن قراءة النفوس الميتة للمرة الثانية، تفتح آفاقاً هائلة للتأمل في طبائع النفوس ودواخلها، وتحير المرء بين التعاطف مع تشتشيكوف وتجارته الرهيبة بالنفوس الميتة وبين ذمه وذم كل ما يمت له بصلة. الأمر الذي يرهق أصحاب تصنيف الأبيض والأسود للأمور، مع كونه حياً وحقيقياً ونابضاً.
السخرية أفضل ما توصلت له البشرية في تاريخ تطورها، وهذه قناعة تذكرني بقناعة أستاذ الرياضيات الفلسطيني أبو أيمن الذي لم يفلح في تعليمي كيف أجد حلولاً للدوال الرياضية المزعجة، لكنه عرفني على لوباتشفسكي وهندسته، وعلى ريمان وجنونه؛ القناعة التي كان يرددها دائماً:
حين يمتلك الإنسان أن يسخر من نفسه، ومن ألمه، وأن ينتزع الضحكة من بين أسنان الألم. حينذاك يكون قد تمكن من قهر الوحشة والألم والكذب وخداع الذات، فهذا الشخص يرى الحقيقة، ويحب برغم أنه يرى الحقيقة. يستخرج وجه السخرية من أكثر الأمور كآبة فيعرف الجوهر دون أن تغره الأقنعة.
غوغول ساخر عظيم يملك أن يرسم النفوس بعظمة، النفوس الميتة التي يتحدث عنها لم تكن نفوس فلاحي الموجيك الموتى الذين تتعامل الحكومة معهم على أنهم أحياء. النفوس الميتة هي نفوس تشتشيكوف وسكان مدينة النونين وشخصيات الروايات التي فرغت تماماً من جوهرها الإنساني حتى أصبحت نفوساً ميتة تُعامل وتُعامِل على أنها حية.
غوغول بنفسه أحرق بقية عمله، وكاد يأتي على المخطوطات بكاملها. لم يفعل هذا يأساً كأبي حيان التوحيدي الذي أحرق أعماله يأساً من العالم الذي لم يعترف بعبقريته وتحدياً له، ولم يحرق مخطوطته كما فعل مواطنه بولغاكوف ليأسه من إمكانية نشرها. فعل ذلك قبل موته لأسباب تتعلق برغبته في الخلاص الديني.
السخرية هي أن أحد أعظم الساخرين في العالم أحرق أعماله الساخرة لأنه تشرب قناعات الناس القائلة بأن السخرية عمل يوجب طرد المرء من رحمة الله، ولأنه كان على حافة الموت، لم يكن مستعداً للدفاع عن سخريته إلى آخر لحظة. جندل غوغول نفسه عندما استسلم لما يقوله الناس من حوله، وهو الذي كان لا يأبه إلا للحقيقة، لكن هذا لم يكن إلا لكون الموت.. يغير النفوس!
يصبح ساخراً جداً، أو مولعاً بكل ما يمت للموت بصلة.. لكنه في الحالين يشعر برهبة خاصة إزاء الموت والموتى.
للمرة الثانية في حياتي، أقرأ النفوس الميتة لنيقولاي غوغول، الأديب الروسي العظيم الذي قيل عنه مرة أن الأدب الروسي كله خرج من معطفه، وكنت قد نويت قراءتها قبل أشهر، ثم لم أستطع القيام بذلك إلا قريباً.
لطالما اعتبرت غوغول ساخراً ذا خيال مدهش، لكن قراءة النفوس الميتة للمرة الثانية، تفتح آفاقاً هائلة للتأمل في طبائع النفوس ودواخلها، وتحير المرء بين التعاطف مع تشتشيكوف وتجارته الرهيبة بالنفوس الميتة وبين ذمه وذم كل ما يمت له بصلة. الأمر الذي يرهق أصحاب تصنيف الأبيض والأسود للأمور، مع كونه حياً وحقيقياً ونابضاً.
السخرية أفضل ما توصلت له البشرية في تاريخ تطورها، وهذه قناعة تذكرني بقناعة أستاذ الرياضيات الفلسطيني أبو أيمن الذي لم يفلح في تعليمي كيف أجد حلولاً للدوال الرياضية المزعجة، لكنه عرفني على لوباتشفسكي وهندسته، وعلى ريمان وجنونه؛ القناعة التي كان يرددها دائماً:
"أعظم اختراعات البشرية هي العجلة والبنكنوت والشتيمة"
حين يمتلك الإنسان أن يسخر من نفسه، ومن ألمه، وأن ينتزع الضحكة من بين أسنان الألم. حينذاك يكون قد تمكن من قهر الوحشة والألم والكذب وخداع الذات، فهذا الشخص يرى الحقيقة، ويحب برغم أنه يرى الحقيقة. يستخرج وجه السخرية من أكثر الأمور كآبة فيعرف الجوهر دون أن تغره الأقنعة.
غوغول ساخر عظيم يملك أن يرسم النفوس بعظمة، النفوس الميتة التي يتحدث عنها لم تكن نفوس فلاحي الموجيك الموتى الذين تتعامل الحكومة معهم على أنهم أحياء. النفوس الميتة هي نفوس تشتشيكوف وسكان مدينة النونين وشخصيات الروايات التي فرغت تماماً من جوهرها الإنساني حتى أصبحت نفوساً ميتة تُعامل وتُعامِل على أنها حية.
غوغول بنفسه أحرق بقية عمله، وكاد يأتي على المخطوطات بكاملها. لم يفعل هذا يأساً كأبي حيان التوحيدي الذي أحرق أعماله يأساً من العالم الذي لم يعترف بعبقريته وتحدياً له، ولم يحرق مخطوطته كما فعل مواطنه بولغاكوف ليأسه من إمكانية نشرها. فعل ذلك قبل موته لأسباب تتعلق برغبته في الخلاص الديني.
السخرية هي أن أحد أعظم الساخرين في العالم أحرق أعماله الساخرة لأنه تشرب قناعات الناس القائلة بأن السخرية عمل يوجب طرد المرء من رحمة الله، ولأنه كان على حافة الموت، لم يكن مستعداً للدفاع عن سخريته إلى آخر لحظة. جندل غوغول نفسه عندما استسلم لما يقوله الناس من حوله، وهو الذي كان لا يأبه إلا للحقيقة، لكن هذا لم يكن إلا لكون الموت.. يغير النفوس!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق