05 يناير 2012

إكو الكويلهي

سأل سائلٌ في 2010: من هو المقابل العربي لباولو كويلهو؟ تعليقاً على تدوينةٍ كتبتها في 2008، ولمّا كُنتُ قد نسيتُ الموضوع بُرَمتِه - لأن 2010 تختلف اختلافاً جذرياً عن 2008 - فقد اضطررتُ لإعادة قراءة التدوينة، ومن ثم استحضار ظروف كتابتها، لأتذكر من كان المُقابل العربي لباولو كويلهو، ولأن 2010 تختلفُ عن 2008، فقد جاءت الإجابة على هيئةِ قائمةٍ بالخصائص المُميزَةِ للكتاب الكويلهيين، إذ أن عامين من القراءة ومعاركة الحياة يصنعان فرقاً كبيراً. ثم زادت خبرتي - بمرور الزمن - فاتسعت قائمة الخصائص ونُقِحَت، ونشأت عنها أسئلة جديدة:


الكُتاب الكويلهيون: كيف تعرفهم
(إصدار جديد مُنقَح)
ما يفعله الكُتاب الكويلهيون لتكريس أنفسهم:
1- يعتمد الكتاب الكويلهيون على العلاقات العامة والدعاية لتسويق أعمالهم أكثر من اعتمادهم على قيمة المُنتج الذي يقدمونه (العمل المكتوب).
2- يمقت الكويلهيون النقاد لأنهم لا ينظرون إلى أعمالهم جدياً، مع ذلك، فإنهم يُمارسون النقد الانطباعي من دون توقف.
3- يهاجم الكويلهيون أعمالهم الخاصة لقطع الطريق على أيِ ناقدٍ رصين، راسمين بذلك دائرةً سحريةً حول أنفسهم تحميهم من النقد الدقيق والرصين.
يأتي هذا نتيجة لإدراكهم ما يلي:
4- يفتقر الكويلهيون إلى الأصالة. ورغم أن لديهم بعض الجودة، فإنهم يستنزفونها بسرعة، ليأتي كُل عملٍ جديد لهم أسوأ من سابقه.
5- يجهلُ الكويلهيون كيفية الوصول بأعمالهم إلى خاتمة منطقية، لذلك فإنهم يبتكرون مذاهب أدبية جديدة تغطي سوآتهم الكتابية.
6- يستخدم الكويلهيون أعمالهم لإثبات آرائهم الفردية، ولمواصلة سجالاتهم الفكرية، وللنيل من خصومهم.
7- يعيشُ الكويلهيون وهم التقنية من دون أن يدركوها، لذلك فإنهم يستخدمون أعمالهم الأدبية في أغراضٍ تفي بها خدماتٌ مثل تويتر، مثل سب مخالفيهم، ومجاملة أصدقائهم، ونشر اقتباساتهم المفضلة.
8- يعتاش الكويلهيون على أمجاد الفنانين الآخرين.
لذلك فإنهم يلجأون إلى وسائل تُدّعِم وجودهم:
9- يكتب الكويلهيون للصحافة من حينٍ لآخر عارضين روعتهم على الملأ، ليكره القارئ حياته البائسة، ويتيقن من أنهم قد خُلِقوا من طينة مختلفة.
10- يُقدم الكويلهيون أنفسهم بوصفهم أشخاصاً رائعين يسهل الاقتراب منهم، والدوران في هالتهم الاجتماعية، لذلك فإنهم يجتذبون حولهم طائفة من المهووسين.
11- يعتمد الكويلهيون على قاعدة معجبيهم الواسعة لفرض هيمنتهم الأدبية بالقوة (غير) الفكرية.
قائمة أسماء الكُتاب التي ستنتج عن هذا الدليلُ طويلةٌ جداً، وتضمُ أسماء لامعة، إذ لا يُشترط أن تنطبق كُل صفاتِ الدليل على الكاتب ليدخل الطائفة الكويلهية. وبطبيعة الحال، فإن القوائم ستختلفُ من شخصٍ لآخر، وستظهرُ حالاتٌ جدلية قد تستدعي نقاشاتٍ فلسفية. كُل هذا حسنٌ، فالنقاش يولِد الأفكار، ويصحح المسارات الخادعة للعقل.

هل أمبرتو إِكو كاتبٌ كويلهي؟
أُمبرتو إكو عالم لسانيات، متخصص في السيميائية (الدلالية)، وقروسطي، أكاديمي بدأ بأطروحة عنوانها "فلسفة الجمال عند توما الأكويني"، ثم أخذ يكتب روايات. أولى رواياته أشهرها، اسم الوردة. لكنه - رغم أنّه لم يستطع أن يكتب شيئاً جيداً مثلها - لا يزال اسماً يبيع، ولهُ وزن في سوق النشر، كما أن خلفيته الأكاديمية تمنحه هيبة لا يملكها كاتبٌ كويلهي مثل باولو كويلهو أو (ضع اسم كاتبك  الكويلهي المفضل في مكان هذه العبارة). غيرَ أنّه - في حقيقة الأمر - من أخطر الكُتاب الكويلهيين طراً.
نشأ التساؤل حول كويلهية إكو من قراءةِ بعض رواياته، واستنتاج بعض القرائن على كويلهيته منها. ولإقامة الحُجة بقرائن أكثر إحاطة وشمولية، فقد طُلِبَ العون من صاحب الأغاني، الضليع في المسألة الإكوية، وقد أغاثنا بمعلومات من داخل البيت الإكوي، فله جزيلُ الشكر والامتنان على ما قدم من إضاءاتٍ حول المسألة الإكوية.

3- يهاجم الكويلهيون أعمالهم الخاصة لقطع الطريق على أيِ ناقدٍ رصين، راسمين بذلك دائرةً سحريةً حول أنفسهم تحميهم من النقد الدقيق والرصين.
يدعي إكو دائماً أنّه "يكتب بيده اليُسرى" كناية عن كونه كاتباً رديئاً ليقطع الطريق على كُل من يُشير إلى هذه الحقيقة. ثم إن الطبعة الثانية - وما بعدها - من اسم الوردة مُذيلة بهامش كتبه بنفسه (هذا الهامش موجودٌ في المقدمة في بعض الترجمات)، ينتقد فيه الرواية بنفسه، ليرد على النقد الموجه لها، وليظهر أنّه شخصٌ عظيم. إكو يُقِرُ بوجود هفواتٍ في أعماله، لكنه يصرِفُ الأمر بُرمته ببعض البراعة، الحذاقة، و(الفهلوة)، مثل لاعب ورقاتٍ ثلاث يستخف دمه، فيُميّع النقد الجاد لأعماله، ويُقدم نفسه هو بوصفه نصاً موازياً لعمله. يتضح هذا في مُقابلاته - كذلك.


4- يفتقر الكويلهيون إلى الأصالة. ورغم أن لديهم بعض الجودة، فإنهم يستنزفونها بسرعة، ليأتي كُل عملٍ جديد لهم أسوأ من سابقه.
استغرق كتابة اسم الوردة عشر سنواتٍ، وكانت عملاً جيداً أفاد كثيراً من قروسطية إكو، ومعرفته الدقيقة بتفاصيل الحياة في القرن الثالث عشر، وظروفه الفكرية والسياسية والاجتماعية. غير أن الرواية لم تكن أصيلة في ثيماتها ولا شخصياتها: ثيمة الرواية عبارة عن رواية لأغاثا كريستي لو أمضت كريستي ثلاثين سنة في الأكاديميا، أمّا شخصياتها، فغوليالمو دا باسكرفِل ليس إلّا شِرلُك هولمز في القرن الثالث عشر، وشرير الرواية، يورغ، فإيماءة إلى خورخي لويس بورخِس (يورغ، خورخي، وجورج الاسم نفسه بلغاتٍ مختلفة). فكرة شرير الرواية الألماني نفسها إيماءة إلى النازية في طريقة تعاملها مع المعرفة البشرية.
ثم بعدها، كرّت السبحة. وظل إكو يكتب ويكتب، بناء على نفس (القالب) - مما يجعله في نفس التصنيف مع كاتب كويلهي آخر هو دان براون: موضوع قروسطي إبستمولوجي، مؤامرة إجرامية من نوعٍ ما، إيطالي تائه يُغير مسار التاريخ. (الإيطالي دائماً "جدع"، دمه خفيف، وفوضوي، ولا يُمكِن إلا أن يُحبه من حوله. مثلما يرى إكو نفسه). مع مرور الزمن، تغدو قراءة إكو مهمة انتحارية.

5- يجهلُ الكويلهيون كيفية الوصول بأعمالهم إلى خاتمة منطقية، لذلك فإنهم يبتكرون مذاهب أدبية جديدة تغطي سوآتهم الكتابية.
من الصعب إثباتُ هذه النقطة في حالة إكو، لأن من يصلُ إلى خاتمة باودولينو أو جزيرة اليومِ السابق أو غيرها يُهمه أن ينجو فحسب، وينتهي من الكتاب الذي بين يديه. 

6- يستخدم الكويلهيون أعمالهم لإثبات آرائهم الفردية، ولمواصلة سجالاتهم الفكرية، وللنيل من خصومهم.
يُجيب القارئ الشعبي عن هذه النقطة بإيجازٍ مفيد.

7- يعيشُ الكويلهيون وهم التقنية من دون أن يدركوها، لذلك فإنهم يستخدمون أعمالهم الأدبية في أغراضٍ تفي بها خدماتٌ مثل تويتر، مثل سب مخالفيهم، ومجاملة أصدقائهم، ونشر اقتباساتهم المفضلة.
لم يدخل إكو تويتر - حتى ساعة كتابة التدوينة - لكنّه يعتقد أن المكتبات الإنترنتية ستُدمّر المكتبات التقليدية، وهو سعيدٌ بهذا، ولأنّه لا يخشى في الحق لومة لائم، لم يتحرّج من قول هذا في مكتبة الإسكندرية.

8- يعتاش الكويلهيون على أمجاد الفنانين الآخرين.
لقد امتصَ إكو توما الأكويني وآرثر كونان دويل وأغاثا كريستي والأدب البوليسي حتى نُخاع العظم، وأعاد تكرار ألغازهم في أعماله.

10- يُقدم الكويلهيون أنفسهم بوصفهم أشخاصاً رائعين يسهل الاقتراب منهم، والدوران في هالتهم الاجتماعية، لذلك فإنهم يجتذبون حولهم طائفة من المهووسين.
في مُقابلاته، يستظرف إكو دائماً، ويحاول أن يُقدم نفسه بوصفه "غريب أطوارٍ، مجنوناً، ومتفرداً" وتسهل مصادقته. وهو يُلقي بنظرياتً غريبة، ويُعيد تكرارها من دون دليلٍ، معتمداً على كونه "إكو".

ثمة اقتراحٌ من صاحِب الأغاني بإضافة بندٍ إلى قائمة خصائص الكُتاب الكويلهيين، يصفُ المرحلة القصوى التي يُمكِن أن يصل إليها أي كاتبٌ كويلهي:
"١٢- يصل الكاتب الكويلهي إلى مرحلةٍ يكتُب فيها خصيصاً لتكون كتبه "زينة" في المكتبات."
من الصعب إنكار أن كُتباُ مثل شعلة الملكة ليونا بغلافها المُجلد، قد طُبِعَت لأغراضِ الزينة. إنها أطول من أن تكون معقولة، وأكثر تكراراً من أن تكون مقبولة، وأكثر إملالاً من أن تكون مقروءة، وأغلى ثمناً من أن تُستخدم لغرضٍ مفيد مثل تثبيت الباب في يومٍ شديد الريح.
ورغم أنّه يُمكِن المُجادلة بأن باولو كويلهو يكتب لمجرد أن ينشر، إلا أنّه لم يصل بعد إلى مرحلة "الزينة". يعودُ ذلك لعدة أسباب، لعلَ أهمها أنّه مُجرد كاتب أغانٍ من البرازيل، لا علاقة له بالقارة الأوروبية، ولا بالأكاديميا. "هيبة" إكو الأكاديمية تؤثر في قوته السوقية، إذ أنّه من الصعب "تسخيفه"، بينما هذا مُمكنٌ مع كويلهو. للتأكد من ذلك، يُمكِن القيام بالتجربة العملية التالية:
الأدوات:
١- صالة مُغلقة
٢- أكبرُ عددٍ مُمكِن من المشتغلين بالنقد الأدبي
٣- حفنة حجارة
الخطوات:
١- اجمع كُل النقاد في الصالة المغلقة.
٢- ألقِ حجراً عشوائياً.
٣- اسأل كُلَ من يقع على رأسه الحجر عن باولو كويلهو.
٤- كرر الخطوات السابقة.
٥- كرر الخطوات ١، ٢.
٦- اسأل كُل من يقع على رأسه الحجر عن أمبرتو إكو.
المشاهدات:
١- مُعظم من يقع على رؤوسهم الحجارة في حالة باولو كويلهو لن يترددوا في القول فوراً بأنّه إمّا دجال، أو دَعّي. وفي حالاتٍ نادرة، سيُقال إنّه "خفيف.
٢- مُعظم من يقع على رؤوسهم الحجارة في حالة أمبرتو إكو سيترددون بشدة قبل أن يُعطوا رأياً، ولن يُعطوا رأياً قاطعاً آخر الأمر. هم لا يريدون القول إنّه كاتب كويلهي، وفي الوقت نفسه يمنعهم ضميرهم - أو ذائقتهم الأدبية - من وصفه بأنّه كاتبٌ عظيم.
الاستنتاج:
"الهيبة تلعب دور".
 التمرينات:
١- كيف تعرف الكاتب الكويلهي؟
٢- طبق هذه الخطوات على كاتبٍ من اختيارك، وبيّن كويلهيته من عدمها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق