مسلسل دكتور هو مسلسل خيالٍ علمي وفانتازيا شهير في بريطانيا، بل إنّه من علاماتها الثقافية مثله مثل شِرلُك هولمز وجيمس بوند. يُشبه المُسلسل مسلسل منطقة الشفق الأمريكي، إذ يعتمد على مجموعة من القصص الغرائبية المنفصلة في كُل سلسلة. الفرق بين العملين أن منطقة الشفق يعتمد على قصصٍ لا يربط بينها إلا أنها عجيبة أو مُرعبة، بينما يعتمد دكتور هو على شخصية محورية تخوض كل المغامرات، هي شخصية الدكتور، الفضائي صاحب القلبين، الذي يملك القدرة على التنقل في الزمن، ويُسافر بلا توقف بحثاً عن المغامرات. منطقة الشفق يعرض تفاصيل القصة بالكامل، ويُعلِق عليها بصوت الراوي المحايد، ويترك مساحة للجمهور ليتأمل فيها - الجمهور الذي يكون غالباً مفزوعاً. في المقابل، فإن الجمهور يتعلق بالدكتور في دكتور هو، ويخوض معه مغامرة مليئة بالتشويق - والرعب الخالص في كثير من الأحيان. (وانعكاس الأدوار بين الأمريكان والبريطانيين طريف.)
مع ذلك، لا يخلو دكتور هو من عرض إشكالياتٍ علمية وفلسفية وأخلاقية، والكثير من مغامراته تبعث على التفكُر. في واحدة من حلقات السلسلة الأولى في البعث الجديد لمسلسل دكتور هو البريطاني - من بطولة كريستوفر إكلستُن - أفضل تجسد للدكتور في رأيي -
يُسافر الدكتور مع رفيقته روز تايلر إلى كارديف ١٨٦٩ حيث يستيقظ الموتى. وفي كارديف التي يستيقظ فيها الموتى، تستعرض الحلقة طيفاً واسعاً من الأخلاقيات البشرية، والأخلاقيات الفضائية. واضعة خمس شخصياتٍ متعارضة في مواجهة مباشرة: الدكتور، الفضائي. روز، الأرضية القادمة من القرن الحادي والعشرين. تشارلز ديكنز، اشتراكي القرن التاسع عشر. غوينيث، الخادمة اليتيمة التي تستطيع مُخاطبة الأشباح وتريد الذهاب إلى الجنة مع والديها. والحانوتي الجبان الذي يُمثِل أخلاقيات رب العمل الفكتوري التقليدي.
في بداية الحلقة، يظهر شابٌ مُلتاع يقف عند تابوت جدته مع الحانوتي. يطلب الشاب دقيقة بمفرده مع التابوت، فيخرج الحانوتي. تصحو الجدة وتأخذ في خنق حفيدها، فيعود الحانوتي، ويُعلِق بأن "الأمر يحدث من جديد". تهرب الميتة، ويذهب الحانوتي مع خادمته للبحث عنها. من الحوار بين الحانوتي والخادمة، يتضح أن هذا قد حدث من قبل، واستيقظ الموتى وهربوا. (الحانوتي يدعوهم the stiffs "اليوابس".)
مهمة الحانوتي وخادمته تنقسم إلى جزئين: البحث عن الميتة الهاربة - بعد أن حُنِطَت، وكِتمان الأمر عن سُكان كارديف حتى لا تشيع الفضيحة. خوف الحانوتي من الفضيحة يستحوذ عليه حتى يعطل حواسه البشرية، فلا يعود قادراً على إدراك أنّ هروب الجُثث مسألة خارقة للطبيعة، وتهدم نظام العالم بأكمله. الخوف المرضي من الفضيحة يختلط بجنون الاضطهاد، فهو يعتقد أن هروب الجثث لا تبعات له غير تشويه سمعته بين جيرانه وأهالي كارديف، بوصفه الحانوتي العاجز الذي تهرب "يوابسه" من دون أن يستطيع ضبطها. ويتصور الحانوتي أن الأمور لن تسوء طالما بإمكانه استعادة الجثث الهاربة وكتم الأمر عن الجيران.
بطبيعة الحال، لا يُمكِن كِتمان هروب الجثث وقتاً طويلاً. الجدة الهاربة تذهب إلى المسرح لتستمع إلى الرجل العبقري القادم من لندن - يتضح أنّه تشارلز ديكنز - وتُحدِث هُناك (فضيحة) بسبب الأشباح الزرقاء التي تخرج منها. يقفز الدكتور ورفيقته إلى الأحداث، وينضم تشارلز ديكنز إليهم، فتصير الفضيحة مضمونة للحانوتي. حينئذٍ، يستسلم فحسب. يُسلِم بالأمر في سكينة ودِعة، كشخصٍ أصابته مُصيبة لا راد لها. فيجلس، ويُحني رأسه كأنّه خروف على وشك أن يُذبح، ويعترف بأن سُمعة البيت سيئة، لذلك اشتراه بسعرٍ رخيص، وهو يتصور أن اعتقاد الناس بأن البيت مسكون بالأشباح يُناسب مهنة الحانوتي، ويصنع دعاية طيبة لعمله.
تشارلز ديكنز يرفض الحديث عن الأشباح، لأنه رجلٌ عقلاني - اشتراكي، كما تُلمِح الحلقة - ويرفض وجود تفسيرٍ خُرافي للمظالم والأمراض الاجتماعية التي قضى عُمره في الكتابة عنها ومحاربتها. مع ذلك، فإنّه يبقى مع الدكتور ورفيقته - روز - بسبب الفضول، ولأن الدكتور مُعجب به، يُكثر من المديح له والإطراء. كذلك، فإنّه يرغب في كشف الخُدعة المُتقنة التي كان مُتيقناً من أن الخادمة والحانوتي يُمارسانها، وبشكلٍ ما، يُساعدهما فيها الدكتور وروز.
الخادمة تملك القُدرة على التخاطب مع الأرواح، وقراءة الأفكار، والدكتور يطلب منها أن تكون وسيطاً بينه وبين الأرواح التي تسكن الموتى. بطبيعة الحال، فإن الدكتور لا يعتقد أنها أرواح أو أشباح، بل يتعرف عليها على أنها مخلوقات غازية متطورة، لكنّه بحاجة إلى وسيط يتحدث معها، والخادمة تتحدث معهم.
يتضح أن الأرواح كائنات هاربة من حربٍ كونية - هناك دائماً حربٌ كونية في حلقات دكتور هو ، لكن الحرب التي هربت منها هذه المخلوقات هي حربُ الزمن العظيمة التي أثرت على كُل الكائنات "العُليا" في الكون، وأفنّت التايم.لوردز (سادة الزمن)، شعب الدكتور - وفي حالة ضعفٍ شديدة تجعلها على وشك الفناء. تقول الكائنات إنها بحاجة إلى الجثث البشرية بوصفها وسيطاً تحيا فيه، وإلا ستفنى.
هُنا يظهر الفرق بين الدكتور وبين روز وتشارلز ديكنز - الذي يرفض الفكرة برُمتها ويغادر المنزل في غضب - فالدكتور يتقبل أن تتخذ الكائنات الغريبة من الجثث البشرية سكناً لها للحفاظ على بقائها، فيما ترفض روز - البشرية - ذلك رفضاً قاطعاً، من باب (الاحترام) للموتى. الدكتور يرى إن البشر قد ماتوا وانتهى الأمر، فلِمَ لا تُستخدم الجُثث التي يُخلفونها في الحفاظ على حيواتٍ أخرى؟ وهو يرى أن ذلك لا يختلف عن التبرع بالأعضاء في شيء، فالمتوفي يتبرع بأعضاء جسده السليمة للحفاظ على حيوات بشرٍ آخرين، والمبدأ نفسه ينطبق على التبرع بالجثث للحفاظ على حيوات هذه الكائنات القادمة من مجرة أخرى. بطبيعة الحال، تعريف الحياة عند الدكتور أوسع بكثير من تعريف الحياة المُتعارف عليه عند البشر، ويقصر الحق في الحياة على البشر دون غيرهم من الكائنات الأخرى.
في الخيال العلمي، ثمة مجازات مُتعارفٌ عليها، منها السايبورغات والمخلوقات الفضائية، وكلاهما يرمزان لـ(الآخر) و(المُختلف) في المُجتمع البشري. تاريخياً، لم يكُن حق الحياة مكفولاً إلا لأعراقٍ بشرية بعينها - ولا يزال حتى الآن غير مكفولٍ لكُل الأعراق البشرية - والدكتور هُنا يُسائل هذا الافتراض الأساسي في الخيال العلمي برُمته: لماذا البشري مُقدم دوماً على الفضائي؟ ولماذا البشري الميت أهم من الفضائي الحي؟
غير أن المسألة ليست فقط في أن البشر قردة غير متطورة - كما يصفهم الدكتور حين يتوتر ويأخذ في صب الإهانات العرقية عليهم - لا يُمكنها إدراك المنظور الأخلاقي الواسع للدكتور - الكائن الأعلى. فالجثث البشرية التي تتلبسها الكائنات الغازية العاقلة لا تزال مُحتفظة بأفكار وآمال ومخاوف وطموحات صاحبها البشري. وحين تدخل الكائنات الغازية في الجثث، فإنها تمارس آخر ما كان البشري يفكر فيه قبل موته. تحاول إنجاز أعماله المُعلقة، بغير إدراكٍ شامل، وبغير إرادة. إنها تستمر في الحركة ببواقي الرغبات والمخاوف البشرية التي كانت لصاحبها. بعبارة أخرى، البشر غير قابلين لإعادة التدوير بشكلٍ كامل. يُمكِن الاستفادة من بعض الأعضاء البشرية، غير أن الموتى البشريين لا يصلحون لأن يكونوا مزرعة تربية كائنات غازية هاربة من حرب الزمن العظيمة.
الأمر الآخر المُتعلق بأخلاقيات الدكتور أنّها تنطوي على تناقض مركزي: الدكتور مُسالِم ومُعادٍ للحرب، ويجول في الكون بأكمله بغير سلاحٍ سوى مِفكٍ صوتي يفتح به الأبواب ويفحص به الأشياء الغريبة، وورقةٍ تُخبر من يطلع عليها بأن الدكتور شخصية يحق لها التواجد في المكان أو الحصول على المعلومات التي يُريدها. ليس لدى الدكتور جيوش، ولا أسلحةٌ تؤذي وتقتُل. كما أن الدكتور مُهتم بكُل أنواع الحياة، ويُريد أن يُنقِذ كُل المخلوقات، مُعتقداً بأن لها الحق في الحياة والنجاة.
في الوقت نفسه، فإن لدى الدكتور أسراراً مُظلمة يُلَمَح بها باستمرار: الدكتور هو قاتِل بني جنسه - كما وصفه الشيطان ذاته في الجزء الثاني من السلسلة، مع الدكتور العاشر، ديفد تنانت. كما أنّه قاتل الدالِك - عرقٌ مُحارب استولِد خصيصاً من أجل قتال قوم الدكتور. وحين يعثر البشر على مُحارِب دالِك ناجٍ من المذبحة، بالصُدفة، فإن حِقد الدكتور الدفين يظهر كُله دفعة واحدة بشكلٍ مُخيف - أداء ليس له مثيل في السلسلة من كريستوفر إكلستُن. الدكتور يحب البشر - لأنهم يُشبهون قومه - وفي الوقت نفسه فإنّه يحتقرهم بشدة، ومن وقتٍ لآخر، فإنّه يُهينهم بشدة إهاناتٍ عرقية. (بالذات عندما يتوتر حيال مصير بني جنسه، الذين تسبب في فنائهم.) ومع أنّه يُدافع عن البشر في وجه بني جنسه الذين يقررون إزالة الأرض من مكانها، واستعادة كوكبهم المفقود، غاليفري، في مكانها، فإنّه يُدافع عن حقِ البشر في الوجود بسلام، حتى مع كونهم كائناتٍ غير متطورة. (وهذا قرارٌ عجيب، بالنظر إلى أن البشر مُستقبلاً سيتسببون في فظائع لا حصر لها.)
بالإضافة إلى ذلك، فإنّه، حين يطول بقاء الدكتور العاشر، تأخذ أعراض "مُتلازمة الإله" في الظهور عليه، فهو يكره أن يموت بسبب رجلٍ تافه لا شأن له مثل ويلفريد العجوز، كما أنّه يُقرر إنقاذ شخصية مشهورة من بني البشر كان مُقرراً لها الموت في وقتٍ مُعين، وموتها نُقطة ثابتة في الزمن - مثل حرب الزمن العظيمة - لأنّه قد سئم من إنقاذ الأشخاص الذين لا شأن لهم، والذين لا يُهِم موتهم من نجاتهم أحداً غير أنفسهم وعدداً محدوداً ممن يُحبون. الدكتور هُنا يُناقِض نبوءته الخاصة: كُل أنواع الحياة مُهمة، ولا توجد حياةٌ أهم من حياة.
هذه المُعضلات الأخلاقية، وتناقضات الدكتور المركزية لا تُحل، بل تعود باستمرار. حين يتغير الدكتور، ويظهر له تجسدٌ جديد، فإنّه يأتي جديداً، راغباً في الحياة من جديد، ثم يأخذ في العودة تدريجياً إلى ميوله الظلامية. بل إن ثمة تجسداً ضائعاً للدكتور - يُعتقد أنّه الدكتور التاسع الحقيقي داخل الكانُن الهوفي - هو المُتسبب في مذبحة الزمن العظيمة. بالتأكيد، لا تنقص الدكتور - بكل تجسداته - المُبررات لأفعاله الشنيعة، غير أنّه يُراجِع نفسه باستمرار، ويحتفظ مع نفسه برفيقٍ دوماً ليردعه عن غيه إذا تمادى. (مع أن الجوانب المُظلمة في الدكتور تظهر حتى في وجود رفاقٍ له، كما حدّث للدكتور الحادي عشر مع مرافقيه آيمي بوند وروري ويليامز، حين حبسهم سيد الأحلام في عالمين مختلفين، وأعطى لآيمي الخيار لإنقاذهم في عالم، وتركهم يموتون في الآخر. الخُدعة كانت أنها لو اختارت العالم الخطأ، سيموتون فعلاً.)
في حالة "الموتى غير الهادئين"، حل الكاتب، مارك غاتِس، المُعضلة بتجنب مواجهة بين أخلاقيات الدكتور الفضائية (العُليا) وأخلاقيات روز البشرية (الدُنيا)، وجعل الكائنات الغازية تُكشر عن أنيابها، وتستولي على الجثث البشرية لعمل جيشٍ من الزومبي اللذين يهدفون إلى محو الحياة البشرية عن وجه الأرض. الحل النهائي لم يأتِ من الدكتور، أو روز، أو حتى تشارلز ديكنز - الذي عاد بسبب فضوله، وبسبب اكتشافه لطريقة يُمكِن بها تقليل قوة المخلوقات الغازية. الحل جاء من الخادمة، غوينيث، التي افتدت البشرية بحياتها، وأجلت الصدام بين هذه المُعضلات الأخلاقية لزمن.
هُنا يظهر الفرق بين الدكتور وبين روز وتشارلز ديكنز - الذي يرفض الفكرة برُمتها ويغادر المنزل في غضب - فالدكتور يتقبل أن تتخذ الكائنات الغريبة من الجثث البشرية سكناً لها للحفاظ على بقائها، فيما ترفض روز - البشرية - ذلك رفضاً قاطعاً، من باب (الاحترام) للموتى. الدكتور يرى إن البشر قد ماتوا وانتهى الأمر، فلِمَ لا تُستخدم الجُثث التي يُخلفونها في الحفاظ على حيواتٍ أخرى؟ وهو يرى أن ذلك لا يختلف عن التبرع بالأعضاء في شيء، فالمتوفي يتبرع بأعضاء جسده السليمة للحفاظ على حيوات بشرٍ آخرين، والمبدأ نفسه ينطبق على التبرع بالجثث للحفاظ على حيوات هذه الكائنات القادمة من مجرة أخرى. بطبيعة الحال، تعريف الحياة عند الدكتور أوسع بكثير من تعريف الحياة المُتعارف عليه عند البشر، ويقصر الحق في الحياة على البشر دون غيرهم من الكائنات الأخرى.
في الخيال العلمي، ثمة مجازات مُتعارفٌ عليها، منها السايبورغات والمخلوقات الفضائية، وكلاهما يرمزان لـ(الآخر) و(المُختلف) في المُجتمع البشري. تاريخياً، لم يكُن حق الحياة مكفولاً إلا لأعراقٍ بشرية بعينها - ولا يزال حتى الآن غير مكفولٍ لكُل الأعراق البشرية - والدكتور هُنا يُسائل هذا الافتراض الأساسي في الخيال العلمي برُمته: لماذا البشري مُقدم دوماً على الفضائي؟ ولماذا البشري الميت أهم من الفضائي الحي؟
غير أن المسألة ليست فقط في أن البشر قردة غير متطورة - كما يصفهم الدكتور حين يتوتر ويأخذ في صب الإهانات العرقية عليهم - لا يُمكنها إدراك المنظور الأخلاقي الواسع للدكتور - الكائن الأعلى. فالجثث البشرية التي تتلبسها الكائنات الغازية العاقلة لا تزال مُحتفظة بأفكار وآمال ومخاوف وطموحات صاحبها البشري. وحين تدخل الكائنات الغازية في الجثث، فإنها تمارس آخر ما كان البشري يفكر فيه قبل موته. تحاول إنجاز أعماله المُعلقة، بغير إدراكٍ شامل، وبغير إرادة. إنها تستمر في الحركة ببواقي الرغبات والمخاوف البشرية التي كانت لصاحبها. بعبارة أخرى، البشر غير قابلين لإعادة التدوير بشكلٍ كامل. يُمكِن الاستفادة من بعض الأعضاء البشرية، غير أن الموتى البشريين لا يصلحون لأن يكونوا مزرعة تربية كائنات غازية هاربة من حرب الزمن العظيمة.
الأمر الآخر المُتعلق بأخلاقيات الدكتور أنّها تنطوي على تناقض مركزي: الدكتور مُسالِم ومُعادٍ للحرب، ويجول في الكون بأكمله بغير سلاحٍ سوى مِفكٍ صوتي يفتح به الأبواب ويفحص به الأشياء الغريبة، وورقةٍ تُخبر من يطلع عليها بأن الدكتور شخصية يحق لها التواجد في المكان أو الحصول على المعلومات التي يُريدها. ليس لدى الدكتور جيوش، ولا أسلحةٌ تؤذي وتقتُل. كما أن الدكتور مُهتم بكُل أنواع الحياة، ويُريد أن يُنقِذ كُل المخلوقات، مُعتقداً بأن لها الحق في الحياة والنجاة.
في الوقت نفسه، فإن لدى الدكتور أسراراً مُظلمة يُلَمَح بها باستمرار: الدكتور هو قاتِل بني جنسه - كما وصفه الشيطان ذاته في الجزء الثاني من السلسلة، مع الدكتور العاشر، ديفد تنانت. كما أنّه قاتل الدالِك - عرقٌ مُحارب استولِد خصيصاً من أجل قتال قوم الدكتور. وحين يعثر البشر على مُحارِب دالِك ناجٍ من المذبحة، بالصُدفة، فإن حِقد الدكتور الدفين يظهر كُله دفعة واحدة بشكلٍ مُخيف - أداء ليس له مثيل في السلسلة من كريستوفر إكلستُن. الدكتور يحب البشر - لأنهم يُشبهون قومه - وفي الوقت نفسه فإنّه يحتقرهم بشدة، ومن وقتٍ لآخر، فإنّه يُهينهم بشدة إهاناتٍ عرقية. (بالذات عندما يتوتر حيال مصير بني جنسه، الذين تسبب في فنائهم.) ومع أنّه يُدافع عن البشر في وجه بني جنسه الذين يقررون إزالة الأرض من مكانها، واستعادة كوكبهم المفقود، غاليفري، في مكانها، فإنّه يُدافع عن حقِ البشر في الوجود بسلام، حتى مع كونهم كائناتٍ غير متطورة. (وهذا قرارٌ عجيب، بالنظر إلى أن البشر مُستقبلاً سيتسببون في فظائع لا حصر لها.)
بالإضافة إلى ذلك، فإنّه، حين يطول بقاء الدكتور العاشر، تأخذ أعراض "مُتلازمة الإله" في الظهور عليه، فهو يكره أن يموت بسبب رجلٍ تافه لا شأن له مثل ويلفريد العجوز، كما أنّه يُقرر إنقاذ شخصية مشهورة من بني البشر كان مُقرراً لها الموت في وقتٍ مُعين، وموتها نُقطة ثابتة في الزمن - مثل حرب الزمن العظيمة - لأنّه قد سئم من إنقاذ الأشخاص الذين لا شأن لهم، والذين لا يُهِم موتهم من نجاتهم أحداً غير أنفسهم وعدداً محدوداً ممن يُحبون. الدكتور هُنا يُناقِض نبوءته الخاصة: كُل أنواع الحياة مُهمة، ولا توجد حياةٌ أهم من حياة.
هذه المُعضلات الأخلاقية، وتناقضات الدكتور المركزية لا تُحل، بل تعود باستمرار. حين يتغير الدكتور، ويظهر له تجسدٌ جديد، فإنّه يأتي جديداً، راغباً في الحياة من جديد، ثم يأخذ في العودة تدريجياً إلى ميوله الظلامية. بل إن ثمة تجسداً ضائعاً للدكتور - يُعتقد أنّه الدكتور التاسع الحقيقي داخل الكانُن الهوفي - هو المُتسبب في مذبحة الزمن العظيمة. بالتأكيد، لا تنقص الدكتور - بكل تجسداته - المُبررات لأفعاله الشنيعة، غير أنّه يُراجِع نفسه باستمرار، ويحتفظ مع نفسه برفيقٍ دوماً ليردعه عن غيه إذا تمادى. (مع أن الجوانب المُظلمة في الدكتور تظهر حتى في وجود رفاقٍ له، كما حدّث للدكتور الحادي عشر مع مرافقيه آيمي بوند وروري ويليامز، حين حبسهم سيد الأحلام في عالمين مختلفين، وأعطى لآيمي الخيار لإنقاذهم في عالم، وتركهم يموتون في الآخر. الخُدعة كانت أنها لو اختارت العالم الخطأ، سيموتون فعلاً.)
في حالة "الموتى غير الهادئين"، حل الكاتب، مارك غاتِس، المُعضلة بتجنب مواجهة بين أخلاقيات الدكتور الفضائية (العُليا) وأخلاقيات روز البشرية (الدُنيا)، وجعل الكائنات الغازية تُكشر عن أنيابها، وتستولي على الجثث البشرية لعمل جيشٍ من الزومبي اللذين يهدفون إلى محو الحياة البشرية عن وجه الأرض. الحل النهائي لم يأتِ من الدكتور، أو روز، أو حتى تشارلز ديكنز - الذي عاد بسبب فضوله، وبسبب اكتشافه لطريقة يُمكِن بها تقليل قوة المخلوقات الغازية. الحل جاء من الخادمة، غوينيث، التي افتدت البشرية بحياتها، وأجلت الصدام بين هذه المُعضلات الأخلاقية لزمن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق