09 مارس 2008

سويني تود: الأزرق والأحمر

Sweeney Todd's Poster
I too have sailed the world and seen its wonders
for the cruelty of men is as wondrous as Peru
في كُل عملٍ قضية، أو بيت قصيدٍ. وفي لوحة تيم برتون الصاعقة عن الحلاق الشيطاني لشارع فليت، فإن بيت القصيد يأتي على لسان سويني تود/بنجامين باركر في البداية:
أنا - أيضاً- عبرت العالم، ورأيت عجائبه
فقسوة البشر مُعجزِةٌ كبيرو
يستعيد برتون في عمله "سويني تود: حلاق شارع فليت الشيطاني" حكاية قديمة قُدمت على هيئة مسرحيةٍ موسيقية شهيرة. حكايةٌ بسيطة في جوهرها، تتكرر مذكرةٍ إيانا ببساطتها طوال الفيلم:
كان هناك حلاقٌ وزوجته
وكانت جميلة
هذا هو السطر الذي تُجمع عليه جميع الشخصيات في الحكاية، حلاقُ وزوجته التي كانت جميلة. بعدها تبدأ عناصر الحبكة في التداخل، ويبدي تيم برتون براعته في فيلمه الجديد غريب الأطوار - كالعادة -.
سويني تود عاد من منفاه لينتقم من القاضي توربين الذي اغتصب زوجته، واحتفظ بابنته رهينة عنده. في البداية، تحيلنا مقدمة سويني تود الغنائية في البداية على القاضي توربين، ليصبح هو الممثل الأوحد لقسوة البشر، ويصبح انتقام سويني تود منه عادلاً:
A pious volture of the law
who with a gesture of his claw
removed the barber from his plate
then, there was nothing but to wait
and she would fall
so soft, so young, so lost
and - oh - so beautiful
غير أن الفيلم يقودنا عبر مداخله المظلمة، وشخصياته الغريبة المتشظية، ليثبت مقولة تود في البداية:
قسوة البشر مُعجزِةٌ كبيرو!
سويني تود يتحول إلى قاتل متسلسل يذبح ضحاياه من عابري السبيل بانتظار القاضي، يبدأ بذبح مبتزه، وينتهي بمذبحة لا تبقي ولا تذر، دون أن يكون لمن ذبحهم ذنب! حتى أنه يذبح زوجته، ويوشك على ذبح ابنته جوانا، فذبح القاضي توربين لم يعد الغاية، بل الانتقام من البشر أجمعين، بمساعدة حليفته العاشقة السيدة لوفيت التي تخبز لحم ضحاياه في فطائرها، فأولئك الذين ماتوا هم طعام الأحياء حسبما تخبرنا هي وتود في أغنيتهما المخيفة عن الفطائر! وفعلاً، ينال مطعمها إقبالاً لا نظير له!

Sweeney Todd and Mrs Lovett
الفيلم صورةٌ، وعناصر الصورة في قصة الحلاق الشيطاني الغريبة مذهلة، فمن خلال الإخراج الفني في الفيلم، الذي حصل على جائزة أوسكار، ترتسم صورة ضبابية زرقاء الظلال لمدينة لندن. منذ البداية، يظهر تود في سفينة قادمة من قلب الظلام، وكُل شيءٍ بدرجات الأزرق القاتمة التي تعكس كآبة الشخصيات والأحداث. تستمر الزرقة مسيطرة على الجزء الأول من الفيلم، ثم تمتزج بحمرة الدم القانية في احتفال دموي مُريع يستمر ويستمر بناء على اقتراحات السيدة لوفيت، وإبداعات سويني تود الميكانيكية، حيث أنه لم يعد بحاجة سوى لأن يمرر شفرته الفضية ليذبح الرجال الذين أسلموه أعناقهم آمنين، ثم بحركة بسيطة يسقطهم إلى القبو حيث تستقبلهم آلة هائلة لفرم اللحم وفرنٌ متوهج كجهنم!
تعامل تود ولوفيت مع تجارتهما الدموية تعاملٌ بسيطٌ إلى درجة مروعة، فالإحساس بالخطيئة غائبٌ عن كليهما كما هو غائبٌ عن القاضي توربين الذي يفترس الجميلات، ويشنق الأطفال لجرائم سيرتكبونها مستقبلاً! وما حديث لوسي المجنونة عن الشيطان الذي يسكن شارع فليت إلا كناية عن الشر الذي أصبح الحياة، والذي سيؤدي بها إلى الموت، في عالمٍ قبيح أزرق الظلال، دموي الحس. يقتل النساء الجميلات، ويذبح الغافلين، لأن قسوة البشر معجزة!.. و"الأوقات اليائسة تتطلب تدابير يائسة" كما جاء على لسان تود نفسه!
أوقاتٌ يائسة وتدابير يائسة، تعرضها كاميرا برتون بطريقة شفافة تنقل الإحساس، فغير اللونين المسيطرين على الفيلم، تتحرك الكاميرا بسرعة مع موسيقى الفيلم التصويرية في لحظات الخطر، أو لتنقل إحساس التسارع والتجاهل لكل ما في العالم الواسع لتركز على شارع فليت الذي أصبح تمثيلاً له. حيث "يقبع قلةٌ على القمة، يسخرون من الهوام"! وتبطئ أحياناً لتتوقف وتنقل إحساساً فنياً عالياً، تنظر من الأعلى لتنقل إحساس العين الكُبرى التي تُراقب أفعال البشر اليائسة، وتقف على الحياد أحياناً لترينا أفعال الشخصيات دون أن تعرض أي وجهة نظر.
يبدأ الفيلم في الظلمة، بظلالٍ زرقاء، ويمر بنوافير دمٍ حمراء، لينتهي في آتون لهبٍ يقضي على الجميع، في هذه الحكاية اليائسة التي تتكامل عناصرها بشكلٍ بديع لتنقل إحساساً بالغربة، وباليأس، وحثاً على التفكر في قسوة البشر!
فيلم سويني تود: حلاق شارع ستريت الشيطاني من إخراج: تيم برتون، وبطولة: جوني ديب (سويني تود)، هيلينا بونام كارتر (السيدة لوفيت)، وآلان ريكمان (القاضي توربين).

هناك تعليق واحد:

  1. فيلم خرافي. شاهدته عدة مرات متتالية وغالبا سأشاهده مرة أخرى قريبا!

    ردحذف