25 سبتمبر 2008

نادر المُجالِد - 1

"لا يُمكن أن تكون هُناك ديموقراطية يومية بدون مواطنة يومية. ديموقراطية عميقة تحمل للأجيال القادمة مبدأ كون السعي للعدالة شرط السعي للسعادة."
- رالف نادر، المواطن العام

سمعت عن رالف نادر لأول مرةٍ في 1996 عندما رشح نفسه لانتخابات الرئاسة الأمريكية. كان وقتها شيئاً جديداً هُنا، لكنه كان خبراً قديماً في الولايات المتحدة. كان الأمرُ غريباً، فالرئيس في الولايات المتحدة الأمريكية إما أحمر أو أزرق، إذن، لماذا يُرشح هذا الأخضر نفسه لانتخاباتٍ يعلم أنه سيخسرها؟ بدا الأمرُ وكأنه (تقليعة) أو ما شابه، وتحدثت وسائل إعلامٍ عربية عن نادر، لا كناشط أخضر، أو كمرشح مستقلٍ للانتخابات الرئاسية الأمريكية، بل كعربي، فآل نادر مهاجرون لبنانيون، ولغة نادر الأم العربية. وكون المرء عربياً ليس مهنةً، لكن نادر كان يُقدّم وقتها على أنه: رالف نادر، (عربي). بعد 1996 لم أسمع شيئاً عن نادر حتى اتُهِمَ في 2000 بأنه سبب وصول بوش إلى الرئاسة الأمريكية لسرقته مائة ألف صوتٍ من آل غور المرشح الديموقراطي وقتها - وكأن الانتخابات في 2000 لم تكن منافسة بين الغبي والممل! وكأن غور وليبرمان لم يرتكبا أخطاء قاتلة في حملتهما! وكأن بوش لم يربح الانتخابات بقرار محكمة! -، ثم بعدها اتهُم في 2004 بالتسبب في هزيمة جون كيري - وكأن بن لادن لم يُحرض الناخبين الأمريكيين على إعادة انتخاب بوش في وقتٍ حرج يوحي بتعاونه مع السي آي إيه! وكأن الأمريكيين سينتخبون كيري الكاثوليكي الذي تُهدد الكنيسة بحرمانه وتصدم بعض آرائه الأسر المحافظة! -، وفي 2008 استُقبل نبأ اعتزامه ترشيح نفسه بتهديداتٍ شديدة من قبل الديموقراطيين الذين يرون نادر بُعبعهم ولص أصواتهم الدائم. لم يكن نادر موضوعاً مثيراً للاهتمام بالنسبة لي، حتى عُقدت مناظرة رئاسية في محادثة جماعية لمُناقشة تأثير الانتخابات الرئاسية الأمريكية على العالم. لأن باراك أوباما يبيع كالخبز الساخن، فقد أراد الجميع أن يكونوا أوباما، ولما حصل أحدهم على دور أوباما، اصطف الباقون لدور جون مكين. لم أتخذ أياً من الجانبين، وبقيت أسأل المرشحين الرئاسيين، حتى تذكرت الأمريكية المرشح الثالث رالف نادر، فسألت: "من يتطوع ليكون نادر؟" اعترض زميلها: "إنه مهرج!". أصرت: "لدى نادر ما يقوله!" حسناً، أنا سأكون نادر في هذه التمثيلية! وسيتعلم الصبي الأبيض ألا يدعوه بالمهرج ثانية. صحيح أن نادر أبلى حسناً، وربح الانتخابات، لكنني تمنيت لو كنت أعرف عنه أكثر وقتها.

أمريكا تُريد كبش فداء!
أولُ ما يتذكره العالم عن نادر ترشحه في خمس انتخاباتٍ رئاسية متتالية، لكن أول ما يتذكره العالم عنه ليس بالضرورة أول ما يتذكره الأمريكيون عنه، فنادر - بالنسبة للكثيرين في أمريكا - "رجل السيارات" الذي رفع قضية على كُبريات شركات تصنيع السيارات الأمريكية مُجبراً إياها على اعتماد معايير سلامة لحماية الركاب، ومُمراً قرار إنشاء هيئة لسلامة الطرقات والمركبات في 1965. نتائج مجالدة نادر لأجل حقوق مستخدمي السيارات تظهر اليوم في أحزمة الأمان التي يربطها الركاب لحمايتهم، وفي الوسادات الهوائية التي تحمي الركاب عند الحوادث من التعرض لإصاباتٍ خطيرة. أصبحت السيارات أكثر أماناً، ليس للركاب في أمريكا فقط، لكن للركاب في كثيرٍ من أنحاء العالم بعد تطبيق معايير السلامة الأمريكية. تأثير نادر يصل إلى ناحية مؤثرة من حياة كُل شخصٍ اليومية، وهذا ليس تأثيراً هيناً لشخصٍ واحد! مع ذلك، يُسخِفُ سياسيو واشنطن دي سي عمل نادر واصفين إياه بأنه مجرد "رجل سيارات" يرفع قضايا على الشركات الكُبرى بشكلٍ دائم، حتى أن السناتور تِد كنيدي يطلب من نادر علناً أن "[يذهب] ليهتم بالسيارات، و[يترك] الانتخابات [للديموقراطيين]". كنيدي جعل قضية حياته أن يفوز أوباما - رغم أن فوزه غيرُ مرجح - لذا، يمكنه أن يُسخِفَ الفوز بمعركة لأجل سلامة المستخدمين دون أن يشعر بتأنيب الضمير. ونادر عدو الديموقراطيين الدائم، وشماعتهم التي يُعلقون عليها فشلهم أمام بوش.
يتحدث المُنظرِون الديموقراطيون عن تأثير نادر المُدمر على مُرشحيهم - آل غور وجون كيري - مستخدمين تعبيراتٍ مثل: تأثير المُخرِب Spoiler effect لوصف الأصوات التي يأخذها نادر في كُل مرةٍ يترشح فيها. تأثير المُخرِب يظهر في السباقات الانتخابية ذات النتائج المُتقاربة، حيث يسحب مُرشحٌ ثالث لا حظ له في الفوز حصةً من أصوات المُرشحِ المُقارب له في الفكر - المرشح الديموقراطي في هذه الحالة - لذا يُحمله الديموقراطيون مسؤولية فشل غور وكيري - رغم أنه ترشح في 1992 و1996 وخسر الانتخابات أمام بِل كلنتون (الديموقراطي)، دون أن يفتح ديموقراطي فمه ليشتكي من الأصوات التي (سرقها) -، بل ويتمادى البعض محملين نادر مسؤولية حربي العراق وأفغانستان، وهوجة الحرب على الإرهاب!
الشعب الأمريكي لا يُريد تحملَ مسؤولية اختياره للتكساسي السعران، والديموقراطيون لا يُريدون تحمل نتائج فشلهم في اختيار مُرشحين يُقنعون الشعب الأمريكي بوجوب انتخابهم. وحتى مع مرشح (تاريخي) مثل باراك أوباما، تبدو حملة الديموقراطيين الانتخابية مجرد فيلم دعائي هوليوودي مبنيٍ على براعة تقنيي الغرافيكس، لافتقاد أوباما - كسابقيه - إلى شخصية قيادية تستطيع إحداث فرقٍ حقيقي، أو إلى موقفٍ حقيقي من العالم اليوم. لذا يحاول الديموقراطيون من البداية لومَ نادر على فشلهم المُنتظر قريباً.
لا يُهمُ جهاد نادر من أجل سلامة المستهلك، وصيانة الحقوق الدستورية للمواطنين، وتعميق مفاهيم الحرية والمسؤولية، والحفاظ على البيئة، والتقليل من نسبة تلوث الهواء، والحصول على ديموقراطية حقيقية بعيداً عن نظام الحزبين الديكتاتوري، ولا يُهمُ أن الذين ذهبوا للتصويت لنادر أفرادٌ أحرارٌ اتخذوا قراراتهم بأنفسهم، لا مجرد دُمى تُغير أصواتها بمجرد إنقاص عدد الأسماء على ورقة الاقتراع، فأمريكا التي لا تُريد تحمل مسؤولية اختياراتها، ولا تريدُ تُحملَ مسؤولية الفوضى التي سببتها في العالم، لن تلومَ رئيسها الحالي - الذي انتخبته - بل ستلوم الشخص الذي جالد لأجلها. إنه (الشخص الشرير)، وهو سبب كُل الخراب! تذكروا، نادر من أصلٍ عربي ويدعم حقوق الفلسطينيين! لقد دمر العالم!

هناك تعليقان (2):