في حصة علم الأخلاق – قبل سنين كثيرةٍ –
سأل معلمنا السؤال ذاته كل خريف:
لو شبت نارٌ في متحف
ماذا تنقذون: لوحة لرامبرانت،
أم عجوزاً ما كان ليطول بها العيش؟
قلقين على مقاعد صلبة،
غير آبهين بالصور أو الشيخوخة
كنا نختار الحياة عاماً، وفي تاليه الفن
ودوماً، بغير حماسة.
أحياناً،
كانت العجوز تستعير وجه جدتي
مغادرة مطبخها المعتاد لتتجول
في مسودة متحف شبه مُتخيلٍ.
ذات عامٍ – شاعرة بذكائي – أجبت:
لم لا نترك العجوز تُقرر بنفسها؟
قال المُعلم:
لِندا تتجنب أعباء المسؤولية.
هذا الخريف وقفت في متحف حقيقي
أمام لوحة رامبرانت حقيقية، وعجوز
– أو شبه عجوز –، أنا.
ألوان هذا الإطار أحلك من الخريف،
أحلك من الشتاء حتى. التراب داكن
كأن أشد عناصر الأرض إشعاعاً تحترق
في قماش اللوحة.
أعرف الآن أن المرأة واللوحة والفصل
واحد. تقريباً.
وكلهم يتعذر على الأطفال إنقاذه.
17 مارس 2009
أخلاق
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
الصورة في هذا النصّ جميلة وتتضمّن مفارقة.
ردحذفومع ذلك، لو ووجهت أنا بذات السؤال لاخترت دون تردّد إنقاذ العجوز.
يستوي في ذلك أكنت طفلا أم رجلا مسنّا.
تحياتي لك.
بروميثيوس
مرحباً بروميثيوس..
ردحذفجميلٌ أن تنحاز للحياة الإنسانية من دون تردد. مع ذلك، تظل المسألة مفتوحة للجدال: البشر فانون والفن باقٍ. العجوز مُهمة لأفراد أسرتها، والفن مهمٌ للعالم بأسره. في الجهة المقابلة: الحياة الإنسانية مقدسة.
أعتقد أن تفسيراً يكمن في أن التجربة تغير الإنسان. لم تعد هناك حماسة الشباب أو ملله، بل مواجهة حقيقية بين اللوحة والعجوز. الفن والشيخوخة بعيدان عن طاقة استيعاب الشباب لأنهما متعلقان بالجوهري في الحياة، والجوهري في الحياة أنها زائلة.
يخطر ببالي سؤالٌ:
لو شبت نارٌ في متحف
ماذا تنقذون: لوحة لرامبرانت،
أم رامبرانت نفسه شيخاً عاجزاً؟
خالص تحياتي لك..
جميل تعقيبك. الحياة زائلة والفنّ باق.
ردحذفلكني سأختار إنقاذ رمبراندت حتى على افتراض انه لن يعيش أكثر من يوم .
أرى أن الحياة الإنسانية برغم هشاشتها وقابليتها السريعة للفناء أكثر قدسيّة من الفنّ.
ومع ذلك فالفكرة جميلة وتبعث على التفكير والتأمّل.
خالص مودّتي لك.
بروميثيوس
أرى أن الحياة الإنسانية برغم هشاشتها وقابليتها السريعة للفناء أكثر قدسيّة من الفنّ.
ردحذفأشاطرك هذه الرؤية، بروميثيوس. صحيح أن الفن أكثر بقاء من الحياة وأكبر، لكن الحياة ذاتها مُنتجِة الفن. مع ذلك، هُناك من سيرى أن في إنقاذ رامبرانت عاجزاً وفانياً أنانية محضة تتجاهل الأجيال القادمة التي ستُحرم من الفن. هُنا تكمن المسؤولية الأخلاقية التي يحاول البعض تحاشيها. حين يتخذ المرء قراراً، فإن عليه أن يتحمل نتائجه. وبناء على رؤية أخلاقية خاصة، فإن حياة إنسانٍ واحدٍ تستمر لدقائق معدودة أكثر خيرٌ من إنقاذ لوحةٍ تعمر آلاف السنين، لأن الحياة قيمة مقدسة في حد ذاتها. قد لا يُرضي هذا الخيار أجيالاً قادمة كانت لتفضل بقاء اللوحة، لكن هذه الأجيال لا تستطيع بالكامل إدانة الفعل الأخلاقي الذي قام به أناسٌ سابقون. هُنا إشكالية الأخلاق المستمرة، إشكالية الحياة المستمرة.
تحياتي القلبية، بروميثيوس..