14 مايو 2009

أوبئة موسمية!

قائمة من منظمة الصحة اللغوية ببعض الأوبئة اللغوية الموسمية المنتشرة في الفضائين السبراني والطباعي:

عن البقدونس نرغي
ينتشر مرض أنفلونزا شبه الجملة المقدمة على الجملة الفعلية في المواقع على الشبكة انتشاراً وبائياً يفوق انتشار أنفلونزا الخنازير في العالم الواقعي، فتجد الجميع يكتب: عن الحياة نتكلم، عن الثقافة نتحدث، عن الطب نتحاور.... بشكلٍ يجعل استخدام بناء الجملة القديم والصحيح: نتكلم عن شيء ما حيث الجملة الفعلية من الفعل والفاعل تسبق شبه الجملة من حرف الجر والمجرور شيئاً ما قبل تاريخياً كالمستحاثات، بحيث صار استخدام التعبير الصحيح أمراً (غير) أدبي، ومن الضرورة بمكان تحاشيه كما يتحاشى الصحيحُ الأجربَ، بينما يُقدم شبه الجُملة على مُبتدأ نكرة، لا على جملة فعلية، كقولهم: في البئر قطة.
أصول الوباء: يُشتبه في أن منبع الوباء قد جاء من سلسلة روايات مصرية للجيب، غير أن هذا الاشتباه غير مدعومٍ بأدلة قاطعة، وعليه فإن منظمة الصحة اللغوية توصي بالتحفظ في وضع السلسلة في الحجر اللغوي.

مائعاً جاء الزبادي
النطاق الجغرافي لانتشار متلازمة تقديم الحال على الجملة أقل اتساعاً من النطاق الجغرافي لانتشار أنفلونزا شبه الجملة المقدمة على الجملة الفعلية، لكن نسبة انتشاره الحالية تدعو إلى اتخاذ تدابير احترازية لمنع تفشي الوباء بشكلٍ كارثي يتعذر إصلاحه. موقع الحال الأصلي في الجملة يلي الفعل والفاعل، ولا يجوز تقديمه إلا في حالاتٍ محدودة بالدلالة المُبتغاة من التحويل، فقلب الجملة الأصلية: جاء الرجل غاضباً إلى غاضباً، جاء الرجل يضع التأكيد على حال الغضب، ويقلب غرض الجملة من الإعلام عن مجيء الرجل غاضباً إلى الإعلان عن غضب الرجل. لا يُعقل - بطبيعة الحال - أن يكون الحال مُقدماً في كُل الجمل التي تحتويه لأن امتهان تقديم الحال بهذه الطريقة نزع عنه دلالته.
أصول الوباء: لا تُعرف أصول الوباء على وجه الضبط أو التقريب، غير أن ثمة من يتكهن بكون مصدر الوباء مجموعة من الكتابات (الأدبية) الجديدة التي خدمت كحاضن مثالي للفيروس. وعليه، توصي منظمة الصحة اللغوية بالتزام الحذر التام، وباستخدام الفاصلة (،) بعد الحال في حالة الاضطرار إلى تقديمه.

فليأت الحساء
في فترةٍ ما كان النطاق الجغرافي لانتشار داء الفلأله أكثر اتساعاً من نطاق انتشار أنفلونزا شبه الجملة المقدمة على الجملة الفعلية ومتلازمة تقديم الحال على الجملة معاً، غير أن داء الفلألة آخذٌ في الانحسار بعد أن خسر مناطق نفوذه لأوبئة أخرى. الفاء حرف عطفٍ غالباً، غير أنها قد تقترن بجواب الشرط في الجُمل الشرطية المجزومة بشروطٍ معينة، وقد تكون فاء سببية كأن يقول أحدهم: ألا تحل عندي فأطعمك الحساء؟ وقد تسبق اللام في حالات أخرى غير شائعة - تكون فيها الفاء سببية أيضاً - فيقول أحدهم: أيدّعون ذلك! ويحهم! فليأتوا بحسائهم فنتذوقه! حيث الفاء سببية تُجيب على استنكارٍ وتحدٍ. ظهور داء الفلألة عند الأمر المُجرد غير المسبوق بما يستدعي حضور الفاء السببية علامة خطيرة على تفسخ البنية اللغوية تستدعي تدخل منظمة الصحة اللغوية.
أصول الوباء: لا تُعرف أصول هذا الوباء أيضاً، لا على وجه الضبط ولا على التقريب، غير أن منظمة الصحة اللغوية تُحذر من منتديات الشبكة العنكبوتية (المتأدبة) وبعض المدونات المتصفة بهذه الصفة كذلك بوصفها حاضنات مثالية للداء. وتوصي بالتزام الحذر التام عند استخدام الفاء واللام قبل الفعل المضارع بقصد الأمر.

إن عصيدتنا لخيرٌ من عصيدتكم!
ينتشر الوسواس التوكيدي القهري انتشاراً مزمناً، إذ أنه أحد أعراض البارانويا العربية المستفحلة. ويُعلن هذا الوسواس عن نفسه في هيئة العبارات المؤكدة كأن أحداً يُعارض المتكلم على طول الخط. الجملة - في اللغة العربية، إحدى اللغات الحية والعهدة على ويكيبيديا - تبدأ خبرية هكذا: سعيد بائس، فإذا توسم القائل في المستمع عدم تصديق أكدها بقوله: إن سعيداً بائسٌ، فإذا استمر المستمع في إنكاره لما قيل جاءته الجملة شديدة التوكيد: إن سعيداً لبائس! غير أن المتكلم (الذي لا نعلم حالته العقلية) يرى أن المستمع (الذي لا نعلم حالته العقلية كذلك) يكذبه قبل أن يتكلم، فيأتي كلامه كله مؤكداً: إن عصيدتنا لخيرٌ من عصيدتكم فإننا قد قمنا بإضافة الدقيق الفاخر إليها، وإن دقيقنا ليأتي من سوبر ماركت المدينة، وإن الدقيق الفاخر لعلامة على جودة العصيدة كما يعلم أي محب حقيقي للعصيدة، وإننا لمحبون للعصيدة!
أصول الوباء: ترى منظمة الصحة اللغوية أن أصل الوباء كامن في جنون الاضطهاد الذي يسم العقلية العربية منذ قرون، فالمتحدث يفترض دوماً أن المستمع يفترض فيه الكذب وسوء الطوية، ويأخذ أقواله على محمل الاستخفاف. توصي منظمة الصحة اللغوية المصابين بوسواس التوكيد القهري باللجوء إلى أساليب المعالجة النفسية المطولة المستخدمة في علاج أمراض الوسواس القهري، وتوصيهم باستشارة طبيب نفسي مؤهل لأن هذه المشكلة لا تُحل بكتب التنمية الذاتية التي تساهم في تدهور حالة المصابين بالوسواس التوكيدي القهري.

لـــــــــــــــ البـ ، طـ ا طس ــــذيـــــــــ المـ ، قلية ــــــــــذة
بدأ مرض جذام الجمل يتفشى في الفضاء السبراني بشكلٍ يستدعي اتخاذ تدابير عاجلة وحازمة للحد من التأثيرات المؤسفة لتشوه الجمل العربية بالجذام الذي يحولها إلى كتل خالية من المعنى يعافها النظر، ويؤدي إلى تدهور القدرات الإدراكية والسلوكية لدى المتعاملين بها. يتفشى الجذام الجملي في العناوين بشكلٍ رئيسي ، كما تظهر أعراضه على قصائد الشعر السبراني التي ترى منظمة الصحة اللغوية وجوب الحجر عليها منعاً لانتشار الوباء. تحذر منظمة الصحة اللغوية من هذا الوباء المعدي، وتدعو جميع المضطرين إلى التعامل مع الفضاءات السبرانية إلى التزام الحيطة والحذر عند الاقتراب من الجمل المجذومة.
أصول الوباء: تعتقد منظمة الصحة اللغوية أن أصل الوباء صناعي، وأنه قد جاء نتيجة لتجارب مباءات التخريب اللغوي التي تعرف بنفسها على أنها جماعات الشباب على الموضة، أو جماعات التجديد اللغوي، أو جماعات الدلع والغنج. وتُهيب بكل من يقترب من إحدى هذه البؤر سرعة الابتعاد عنها، وإبلاغ المنظمة والسلطات المحلية عنها.

ترجو لكم منظمة الصحة اللغوية السلامة من كل داء.

هناك 4 تعليقات:

  1. إية الدكترة دى
    ولا أبو قراط فى زمانه

    شخصتى الداء وأعراض المرض وأصل الوباء
    ههههههههههه
    من مصر
    أعلن أن المرض الاول أصولة مؤكدة عندنا

    ردحذف
  2. بعض مما فضل الله به على عباده.
    إعلانك مُصدق طبعاً، لكن الدقة العلمية وأصول التوثيق الأكاديمي يقتضينا توفير قرائن من المادة المقصودة نفسها، بالأسماء وأرقام الصفحات والأعداد.

    شكراً جزيلاً..

    ردحذف
  3. مقال ممتاز كالعادة. وما يجعله أكثر تميّزا هو طابعه الذي تغلب عليه النكهة الساخرة.
    وما كتبته واقع ماثل للعيان. غير أنني أشكرك شكرا خاصا على شرحك وإشاراتك الذكية التي تدلّ على دراية وفهم عميق بقواعد النحو والإعراب. وهو أمر استفدت منه كثيرا. قد يكون الدافع وراء استخدام مثل هذه الصيغ اللغوية بشكل متزايد، رغم خطئها، التقليد الأعمى وادعاء الثقافة وهي ظاهرة نراها كثيرا خاصة في منتديات الحوار.
    بالمناسبة، كثيرا ما لفت انتباهي طريقة استخدام بعض المسئولين العرب للمفردات والصيغ اللغوية فهم يتحدّثون عن أشياء كثيرة وفي النهاية لا يقولون شيئا ذا معنى. وليس بالغريب أن يقال أحيانا إن اللغة فقدت معناها وهذا ينطبق علينا أكثر من غيرنا من الأمم.
    الحديث عن الصيغ اللغوية يذكّرني بمفردات الخطاب السياسي اللبناني. حاول أن تستمع للسياسيين اللبنانيين وهو يتحاورون على قنوات التلفزيون. ستدهش لكثرة المفردات والصيغ والاشتقاقات اللغوية التي ينحتونها يوميا تقريبا. بعضها غريب الوقع على الأذن، وبعضها الآخر يصعب فهم معناه أو دلالته. وربّما لا يسمح الوقت بالتفصيل في هذه الجزئية. لكن أتمنى أن اكتب عن هذه الظاهرة قريبا لأنها كثيرا ما استرعت انتباهي وهي مثيرة للاهتمام فعلا. ولا يفوتني أن أشيد بردّك الرائع الذي عقّبت فيه على موضوع موسيقى كارل اورف.
    مع خالص تحياتي.
    بروميثيوس

    ردحذف
  4. مرحباً بك بروميثيوس، والعفو منك على التأخير الطويل في الرد نظراً لانشغالاتٍ عديدة.
    أشكرك شكراً جزيلاً على مشاركتك القيمة كالعادة، وثنائك الرقيق.
    ملاحظتك بخصوص اللغة السياسية صائبة وفي محلها، الاشتقاقات والتوليدات المختلفة والمتناقضة أحياناً تقود في النهاية إلى حالة من كلام المجانين الذي لا يُفهم منه شيء.
    كنت أتابع خطابات المسؤولين اللبنانيين بشكلٍ مستمر، غير أنني توقفت عن ذلك في الآونة الأخيرة لانشغالي بمتابعة الخطاب السياسي اليمني.
    أنتظر مقالك بخصوص الخطاب السياسي اللبناني. بمناسبة السياسة، أعجبتني قراءتك في خطاب باراك أوباما في القاهرة. هُناك نقطة مهمة بخصوص العرب فهمها أوباما، فهم جميعاً يستطيبون الأناشيد التي تهدهد في هدأة مضاجعهم.

    تحياتي القلبية..

    ردحذف