30 يناير 2010

فاينز - 4

ريف فاينز
يحاول براند ومارك أنتوني وأوديب قولبة العالم وفق رؤاهم، ويخفقون في مساعيهم لأن العالم يسير وفق سيرورة تاريخية صاغها عددٌ لا نهائي من الحوادث في العالم أجمع - صغيرة وكبيرة - ما يجعل تغييره وفقاً لرؤية واحدة مستحيلاً لمخالفته طبائع الأشياء في الدُنيا. ويقع آمون غويت ومايكل بِرغ وآل زوننشاين أسرى لفخٍ وجودي عملاق، فهم مجرد حطبٍ يستهلكه المحرك الهائل للسيرورة التاريخية. إذ تكمن بطولتهم في محاولتهم التكيف مع حقيقة أن الإنسانية ليست جزءاً أصيلاً من الإنسان، بينما يتحدى براند ومارك أنتوني وأوديب سلطة الزمان المطلقة ولا إنسانية الوجود الإنساني فيكون في تحديهم بطولتهم ومصرعهم. كل هذه الشخصيات في قلب الحدث: إما قائدة أو منقادة، بينما تصل شخصياتٌ أخرى من شخصيات فاينز متأخرة، وتحاول الإمساك بالزمن الضائع رافضة بعنادٍ طفولي الإقرار بمروره، ومحاولة كسر النظم القائمة، الأمر الذي ينتج عنه دمارها ودمار من حولها.
زوجات رجالٍ آخرين
في أول أفلامه واسعة العرض في المملكة المتحدة مرتفعات ويذرنغ (1992)، يؤدي فاينز واحداً من أكثر أدواره إخافة: هِثكلِف، الغجري الذي يحب كاثرين إيرنشو حباً يدمرهما ويدمر كل من حولهما، كما في عبارة الفيلم الإعلانية: "شغف! هوسٌ دمر كل ما لمسه!". في النسخة الحديثة من رواية إيملي برونتي الفاجعة، يلتزم فاينز بدور هِثكلِف كما كتبته برونتي في الأصل، لا كما استقر في وجدان جمهور السينما من الفيلم الذي قام ببطولته لورانس أوليفييه في 1939 بوصفه فتى يتيماً رقيقاً مظلوماً، إذ يتبنى فاينز مقاربة الغجري المخيف - وهو خيارٌ جريء في بداية حياته المهنية - ويجسد دور هِثكلِف الشيطاني الذي لا يتورع عن نبش قبر حبيبته بسبب عاطفته المخيفة التي تمتزج فيها عدة عوامل خارقة للطبيعة.
في رواية برونتي، يحضر الشيطان حضوراً قوياً - وإن كان لم يُشَر إليه بالاسم - فهِثكلِف القادم من الجحيم بذرة الشيطان في مرتفعات وذرنغ، وطبيعته أقرب إلى طبيعة الغيلان، كما إن ولادته وموته أمورٌ غامضة خارقة للطبيعة. مع ذلك، فإن اقتباسات الرواية المختلفة للسينما والتلفاز والمسرح تحولها إلى مجرد قصة حبٍ عاثرة الحظ. ورغم جودة أداء فاينز في فيلمه الأول، إلا أنه نساج واحدٌ في معمل النسيج الذي يصنع الفيلم، ولئن كانت الرقعة التي نسجها مظلمة وخيالية وما ورائية، فإن بقية النسيج الذي نسجه بقية النساجين كان مختلطاً، الأمر الذي أثر على الفيلم في المجمل، وجعله - رغم محاولته الجريئة - غير قادرٍ على الوصول إلى التأثير المقبض لقصة هِثكلِف وكاثرين.
وإذا كان شغف هِثكلِف بكاثرين شغفاً ما ورائياً دمر آل إيرنشو وآل لنتون ودمر كاثرين نفسها، ومن ثم هِثكلِف. فإن شغف الكونت لازلو دو ألماشي المفاجئ بكاثرين كليفتون في الصحراء الكبرى قد أوقعه وسط متاهة الحرب العالمية الثانية الوجودية، التي تداخلت مع المأساة الشخصية التي جمعت المثلث: لازلو دو ألماشي، كاثرين كليفتون، وزوجها جيوفري كليفتون. في فيلم المريض الإنكليزي لأنتوني منغيلا - المأخوذ عن رواية مايكل أونداتجي بالاسم نفسه - تنشأ علاقة حبٍ بين كاثرين كليفتون ولازلو دو ألماشي الجغرافيان الذين يعملان في الصحراء الكبرى حيث رياح الخماسين وكهف السباحين، ومن ثم تتطور في القاهرة. في زمنٍ آخر، ما كانت علاقة الحب هذه لتتجاوز كونها قضية خيانة زوجية، لكنها صارت قضية استخباراتية في الحرب العالمية الثانية، فكاثرين بريطانية وبلدها من دول الحلفاء، بينما لازلو مجري وبلده من دول المحور. والمطروح لم يعد مجرد خيانة زوجية، بل خيانة وطنية فادحة يزيدها سوءاً أن جيوفري كليفتون - الزوج - ضابط مخابرات دُس على الجمعية الجغرافية الملكية ليحصل على خرائط الصحراء الكبرى وشمال إفريقيا. تنفصل كاثرين عن لازلو، لكنه يعجز عن إدراك السر في هجرها له، ويتحول إلى عاشقٍ غيور يحكم مراقبتها ليعرف بمن تتصل. ومن ثم، تنتهي حياته - عملياً - حين يعرف جيوفري كليفتون بما يعرفه زملاؤه في إدارة المخابرات، فيقرر الانتحار وقتل زوجته وعشيقها في حادث طائرة.
عندما يحاول لازلو طلب العون لإنقاذ حبيبته، يُدرك مشكلتهما الحقيقية في زمن الحرب: اسمه خطأ، ودولته خطأ، وزمنه خطأ. يعجز عن إنقاذ حبيبته، فيعطي خرائط الصحراء للألمان - ليُحقق ما اتهمه به البريطانيون من قبل - ويقرر الخروج من الصحراء، فيحترق في طائرته، ويبقى حطاماً مشوهاً يُعرف بالمريض الإنكليزي في إشارة ساخرة إلى ما كان عليه أن يكونه عندما كانت كاثرين حية.
فيلم المريض الإنكليزي واحدٌ من الأفلام القليلة في تاريخ السينما التي تتفوق على الروايات التي أُقتبست عنها، فمن يقرأ رواية أونداتجي يعرف أنها نسيجٌ تصعب الإحاطة به من الارتجاعات والمشاهدات الضبابية، بينما فيلم أنتوني منغيلا قصيدة بصرية ترتبط أجزاءها بشكلٍ محكم.
يحضر فيلم المريض الإنكليزي عند الحديث عن فيلم نهاية علاقة غرام الذي يدور أيضاً حول سرقة زوجة رجلٍ آخر في زمن الحرب العالمية الثانية، وفي لندن هذه المرة. الرواية من تأليف غراهام غرين، والفيلم من إخراج نيل جوردان، ويؤدي فاينز فيه دور موريس بندريكس - معادل غرين نفسه - الكاتب البريطاني الذي يقيم علاقة مع زوجة أحد معارفه في زمن الحرب. موضوع الفيلم يُشبه موضوع فيلم المريض الإنكليزي، ونيل جوردان مثل أنتوني منغيلا مخرجٌ ذو حيثيات، إلا أن نهاية علاقة غرام يفشل في تحويل الكلمات إلى معادلٍ بصري. موريس بندريكس غيورٌ، لكن غيرته بالكلام فقط، ومثل لازلو دو ألماشي فإن حبيبته تهجره من دون سببٍ مفهوم له، لكنه يعود ويعرفه في النهاية منها شخصياً. في الفيلمين، تموت الحبيبة، لكن الاختلاف الرئيسي بين دو ألماشي وبندريكس يكمن في أن الحب دفع دو ألماشي الجامد الخامل للتصرف، بينما دفع بندريكس إلى مزيدٍ من الكلام حول أمورٍ لا يعيها ولا يفهمها. مشكلة فيلم نهاية علاقة غرام أنه يتكلم ولا يقول شيئاً، فيعجز عن عرض الإنساني في علاقة ممزقة في زمنِ الحرب. الشيء الوحيد الذي يقوله الفيلم - رُبما - إن الحرب العالمية قد خلقت أزمة ضمير في أوروبا - وهذا ما تقوله معظم الأفلام التي تدور في تلك الحقبة.
من وجهة نظر هِثكلِف، فإنه لم يسرق زوجة رجلٍ آخر بل قاتل لاستعادة ما يخصه، بينما يُبرر لازلو دو ألماشي سرقته بأن للحب قانونه الخاص الذي يبيح للمحب ما لا يُبيحه لغيره، ولا يأبه موريس بندريكس للتبرير لأن دافعه الأعمق دافعٌ عدائي ضد الشرائع نفسها. أزمات الرجال الثلاثة، وعلاقاتهم بنسائهم - وأدوار النساء نفسها - تطرح تساؤلاتٍ عميقة حول ماهية الأخلاق، والبناء المخلخل للمجتمع البطريركي. كما إنها تطرح نقطة مهمة، فالنساء الثلاث أقدر على التكيف مع واقعهن، ورغم أن ثلاثتهن ينتهين بالموت، إلا أن خياراتهن كانت أكثر ثباتاً وشجاعة، وتأتي من منطقٍ خاص لا يفهمه الرجال. كاثرين إيرنشو تعرف أنها تحب هِثكلِف، لكنها لن تقلل من مكانتها الاجتماعية بالاقتران به، وكاثرين كليفتون تعرف خطيئتها وتحاول إصلاحها، وتحاول سارة مايلزل مداراة ضعفها بعقد هدنة ما مع ضميرها، لكنهن ينتهين قبل أن تُهيأ لهن الفرصة لتوضيح بواعثهن الخفية.

هناك 7 تعليقات:

  1. قرأت رواية دان براون الجديدة ((الرمز المفقود))؟
    أرشح رالف فاينز بشدة لأداء دور ((مالاخ)). أنتاغونيست الرواية.

    ردحذف
  2. عيلام..
    لم أكن قد قرأتها قبل ردك، ولا كانت ضمن مشاريعي للقراءة قريباً، لكنني قرأتها في اليومين الفائتين، فشكراً جزيلاً لك.
    يصلح فاينز في دور مالاخ فعلاً، وقد أدى دوراً شبيهاً به في فيلم "التنين الأحمر": فرانسيس دولرهايد القاتل المتسلسل الذي يشم ظهره كله بوشم "التنين الأحمر العظيم" كما تخيله ويليام بليك - والتنين الأحمر العظيم مخلوق قبيح برأسين، يُذكر بوصف العنقاء على صدر مالاخ. كلما ظهر مالاخ، ووُصفت وشومه وعلاقته بها، تذكرت فرانسس دولرهايد، فالشبه بين الشخصيتين كبيرٌ جداً.
    فاينز كان مرشحاً لدور روبرت لانغدون نفسه عند بدء العمليات الإنتاجية في فيلم "شيفرة دافنشي"، لكنهم تخلوا عنه لصالح توم هانكس، لأن الأخير نجم شباك في أمريكا. لا أعرف ما إذا كانوا سيطلبون منه العودة إلى سلسلة لانغدون في دورِ الشرير، لكنني أعرف أنه سيُذبح نقدياً إن قبل به، حتى قبل أن يبدأ التصوير، لأن شخصيته شبيهة بشخصية فرانسس دولرهايد، ولأن التمثيل في السلسلة لا يجلب المجد، فالرواية قد تكون خلابة عند قراءتها، لكنها كابوس على الشاشة إذ تفقد مزية الألغاز المكتوبة التي تجعلها جذابة، كما أن أشرارها يُشبهون بعضهم البعض: سيلاس الأبرص، الحشاش، مالاخ. وفيها أدوارٌ محفوظة، منها - مثلاً - المطارد الشرس الذي يتضح في النهاية أنه سامري صالح: بيزو فاش، كوهلر، وإينوي ساتو.
    (بالمناسبة، تحمل التدوينة القادمة عن فاينز عنوان "السامري الصالح").
    وبالحديث عن الرواية نفسها، فإنني أعيد شكرك لأنك حمستني لقراءتها، إذ طيفاً واسعاً من الرموز التي تتناولها يدخل ضمن دائرة اهتماماتي: لوحات ألبريخت ديورر وفلسفته (وقد كان الجزء الذي ظهر فيه توقيع ديورر من أكثر الإجزاء متعة في الرواية بالنسبة لي، لأنني تعرفت عليه مباشرة وعلى اللوحة المقصودة والسر الذي يُفترض أنها تخبئه)، اللاتينية (حللت لغز جيهوفاه سانكتوس أنوس قبل أن يقدم روبرت لانغدون وكاثرين سولومون الحل)، والماسونية التي أذكر أنها كانت محفزاً لنقاش طويل وعميق العام الفائت في أحد فصول الدراسة.
    عندما قرأت "شيفرة دافنتشي" قبل سنوات، هالتني كمية المعلومات فيها، وبدت لي دليلاً للنظر في المحجوب - الأمر الذي يشترك فيه معي كثيرون - لكن البحث والتقصي أزال الانبهار الأولي، وأعاد الأمور إلى نصابها. حين قرأت "الرمز المفقود" اليوم، كانت الألغاز التي يعتمد عليها قابلة للفك بقدرٍ قليل من التفكير - وبعضها كان بديهياً مثل توقيع ديورر الذي كان يستخدمه كثيرٌ من المفكرين للتهرب من تبعات أعمالهم لدلالته الدينية - أدركت فعلاً معنى كلمات هارولد بلوم التي وصف بها "شيفرة دافنشي": "إنها هراء خلاب"!
    مع ذلك، كانت مسألة اختيار مالاخ جانب الشر عن وعيٍ كامل، وتعمد تام مسألة تحتاج إلى نظر وإلى كاتبٍ مثل أمبرتو إكو الذي لن يكتفي بإلقاء الألغاز والتشويق، ثم تفلت منه خيوط الحبكة فيقرر أن ينهي كل شيء، بل سيتأمل في طبيعة الخير والشر - وفي الرموز الماسونية نفسها، حيث بعضها يُمكن أن يفهم ملائكياً وشيطانياً في الوقت نفسه - وسيقودنا إلى التأمل فيه. يُذكرني الأمر بخطاب فولند في "المعلم ومارغريتا" حين بين للعشار لمَ وجب أن يوجد الشر في العالم.

    شكراً جزيلاً لك من جديدٍ عيلام، ولربما أمكننا مناقشة انطباعاتنا عن الكتاب والماسونية والأنظمة الرمزية بشكلٍ أوسع إن توفرت الظروف الملائمة.

    تحياتي القلبية..

    ردحذف
  3. عندي ميل مستمر إلى عمل ((كاست)) من الممثلين لكل رواية أقرأها، يمنحني هذا وقتاً طريفاً في تخيل كيف سيؤدي هذا، ذاك. واختياري لرالف جاء أولاً لأن من حقنا كمشاهدين أن نأمل في رؤية أداء جيد لشخصية جيدة، خاصة لو كانت شريرة، هذا يمنح الأداء الجيد أبعاد وأبعاد من الاثارة، وأنا أعلم مشكلة رالف الخاصة في كون هذا الدور شبيه تماماً بدوره في التنين الأحمر. بل أني عند اختياري عادة للمثلين ((مع نفسي))، أُسقط تماماً مشاركتهم في الأفلام الأخرى الشبيهة بالدور المعني، يمكننا القول، إنه عالمي الـ أدب-سينمائي الخاص.


    رأيي في هذا الكتاب، أن دان براون يحرز تقدماً ملحوظاً على صعيدين، أولاً الدرامي، لاحظت تطور في بناء الشخصيات لديه، إلى جانب ما ذكرتيه، يميل براون دائماً لجعل البطلة تتورط مع لانغدون لأن شخص يمت لها بصلة دم يُقتل، (صوفي وجدّها في شيفرة دافنشي- فيتّوريا وأبيها في ملائكة وشياطين- ثم كاثرين سولومون وأخيها). ألاحظ، تطوراً في العلائق الدموية لكنه يقع بشدة في ظل الدور الذكوري، هه ؟

    بالنسبة لإينوي ساتو، صراحة هي المفضلة لدي، وأحب، بشكل طريف تماماً، أن أجعل عبارتها قبيل نهاية الرواية : ((دع الهراء في كيمبريدج))، كأكثر العبارات المأثورة في هذه السلسلة.


    مالاخ: نحن نلاحظ هنا تطور في قدرات مستر براون الدرامية، هذه شخصية مثيرة للاهتمام، وكذلك، ((ماستر سين)) الرواية، ((المأساوي جداً)) يعتبر حسنة له، لأول مرة نلاحظ وحدة درامية بين المحتوى المعنوي، الموضوعي للرواية وبين مشهد التنوير، الذي يجب أن يكون هنا مشهد تطهير ((catharis))، بحسب تعبير أرسطو، فهذه تراجيديا.


    على الرغم من هذا، وأنا أميل دائماً لمقارنة جميع الروائيين بامبرتو أيكو، كأنها عقدة. ولا أدري هل جلبت سيرته بسبب المقارنات بينه وبين دان براون، أم لسبب آخر. امبرتو ايكو رغم هربه من لقب روائي، واصراره على أنه يكتب بيده اليسرى، إلا أن لديه حساسية، ورهافة فنان، وهذا طبيعي لأنه تربّي على جماليات القرون الوسطى. الفكرة أن ايكو مثله مثل رسام المنمنمات في روايته ((اسم الوردة))، بشكل يجعل كل ما يكتبه، خاصة المشاهد الدرامية، مصيبة مأساوية من اللي قلب أرسطو يحبه (أشير هنا لمشهد حريق المكتبة)، أو، لفتات تافهة وسطحية مثل عدم اجادة (ويليام دا باسكرفيل) للغة اليونانية، في رواية ((اسم الوردة))، هذا يبطن إلى المشكلة القديمة بين الكنيسة الرومية الغربية والبيزنطية الشرقية. كما نعلم، لغة الأخيرة الرسمية هي اليونانية، ولغة الأولى هي اللاتينية. تبطين ايكو لكل انقسامات العالم الغربي المسيحي في هذه الرواية، هو شيء عفوي وبديع جداً وحساس، مثل كراهية سان أغسطين للغة اليونانية، رغم أنه شرقي، واصراره علي الكتابة باللاتينية.
    ما علينا من ايكو، المشكلة مع دان براون أن أسلوبه الروائي لا يزال ((جعجاع))، يذكرني بأسلوب صحافيي التابلويد، بشكل يجعل محاولاته لكتابة مشهد درامي حساس تظهر فجّة جداً وصاخبة وخالية من الرهافة.
    للأسف يركّز براون كثيراً على المحتوي التاريخي الفضائحي لرواياته، لكنه أولاً ينجح في تخفيف هذا الأمر في الرمز المفقود، ثانياً يبدو لي أن وجود لانغدون في الحكاية مقنع أكثر منه في الروايات الأخرى، يعني، بحق البتاع، لماذا قد يستدعي الفاتيكان عالم رموز دينية أمريكي من آخر الدنيا لأن البعبع طلع لهم في روما؟ . بينما يبدو تورط لانغدون في ((الرمز المفقود)) مقبولاً لأنه يحدث بسبب صديق.



    - - -
    كمية المعلومات المهولة هي بالفعل ما يجعلني أحب روايات دان براون. ومثلك تماماً، بلغ الأمر أقصاه من الاثارة في هذه الرواية. أنا أكثر تحمّساً لمناقشة الماسونية والأنظمة الرمزية، ولو حاولت الكتابة عن الأمر و مش شرط كتابة منهجية، هذا يبهجني كمان وكمان.


    الشكر لك على هذه المحاورات الممتعة كل مرة.

    ردحذف
  4. العالم الأدب-سينمائي عالمٌ غني بالتفاصيل الدقيقة والصور، ويُضفي على أي رواية وهجاً من مخيلة القارئ. أشترك معك في فكرة عمل (كاست) ممثلين للرواية، لكنني لا أختار ممثلين معروفين إلا فيما ندر، وأغلب الممثلين الذين أختار أشخاص مبنيون على الشخصية في الكتاب. لكن، ما الذي يمنع أن نرى ريف فاينز في دور مالاخ؟ كما قُلت: "يحق لنا أن نأمل في رؤية أداء جيد لشخصية جيدة". بدلاً عن التسطيح السائد. لذلك، آمل فعلاً في أن يختاروا ممثلاً لائقاً للقيام بدور مالاخ. ويختاروا مدير تصويرٍ جديد - ومخرجاً جديداً إن أمكن - لأن تصوير وإخراج الفيلمين السابقين كان بائساً.

    غريبٌ أنني لا أعتقد دان براون ذكورياً، فصحيح ما ذكرته من تورط البطلات مع لانغدون بسبب مقتل شخصٍ قريبٍ منهن، بحيث يتحول لانغدون إلى أبٍ بديل. لكن المسألة يمكن أن تُقرأ رمزياً. ففي رواياته الثلاث، يتحدث عن مجالس الظل: الطبقة المستنيرة، جمعية سيون، الماسونية. ومجالس الظل الثلاثة هذه مجالس ذكورية بحتة. مع مقتل آخر أمنائها من الذكور، يلعب روبرت لانغدون دور الجسر الواصل بين النظام القديم والنظام الجديد، فيدل صوفي على حقيقة دمها، وفيتوريا على تفاصيل الصراع الديني بين الطبقة المستنيرة والكنيسة، وكاثرين سولومون على طبيعة الأسرار التي تخفيها الماسونية. حينها، تنتقل الشعلة للنساء، ويتوارى روبرت لانغدون لأنه جسرٌ فقط، وينتهي التورط العاطفي بينه وبين الشخصيات النسائية. لاحظ، أنه لا ينسب الصفات الشريرة للنساء، كما أن معظم (كاست) الشخصيات المعاونة من النساء، فهن موظفات الأمن ومحللات البيانات ومسؤولات شبكات الاتصال ووريثات النظم القديمة الوحيدات الباقيات، وأكثر الشخصيات نفوذاً في الولايات المتحدة. وكلهن يلعبن أدواراً هامة في حل اللغز مع روبرت لانغدون، ولا يكتفين بالصراخ والاحتماء به.

    مثلك، أحببت إينوي ساتو كثيراً، لكن حضورها كان مرعباً. شعرت وكأنها تحاصرني طول الوقت. كلامها محدود وحازم.

    أتفق معك في أن مالاخ تطور في قدرات براون الدرامية، وفي كونه مثيراً للاهتمام. المشهد الرئيسي كان فعلاً كما وصفت، وأعتقد أنه يشفع للرواية. فكرة الملاك مولوخ، والتضحية العظمى، واختيار مالاخ المتعمد للشر، واللعب على فكرة الابن الذبيح. كلها تفاصيل رائعة ودقيقة. كان واضحاً طبعاً أن مالاخ ابن سولومون الذي كان يُفترض أنه ميت (ولعله في ذلك يُشبه السكرتير البابوي)، لكنه يفضح نظام سولومون الأخلاقي الهش الذي يُصر بروان على أنه صحيح. مالاخ أكثر شجاعة وبطولة من أبيه الذي أعتقد أنه تمثال يجسد أمريكا الراضية عن ذاتها رغم كل الخيارات الخاطئة التي تتخذها.

    قرأت [اسم الوردة] في طفولتي، ولا تزال خاتمتها: "لن يبقى من الوردة غير اسمها" تتردد في ذهني، مع مقدمة إيكو التي يتحدث فيها عن الرمز والدلالة، ويقول إن عنوان [اسم الوردة] قد منح الرواية معظم رمزيتها، بينما كان عنوان من قبيل [دير الجرائم] ليخسف بها الأرض، مع أنه عنوان ينطبق على النص. الفكرة فيما ذكرته أن إيكو باحث قروسطي متمكن، و[اسم الوردة] كانت من أوائل الروايات التي جعلتني أهتم بالجوانب الخفية من التاريخ الفكري. إضافة إلى كل الصراعات التي تنطوي عليها الرواية - والتي أشرت إليها أنت بعينٍ لماحة - فإن السؤال الذي يطرحه إيكو: من يملك الوصاية على التاريخ؟، وقد يكون أوسكار وايلد قد أجاب عن جزء منه - من قبل - حين قال: "إن الحقيقة ليست سوى الآراء الناجية". من يملك أن يحرق الكتب ويخفي المعرفة ويتحكم بالقدر الذي نملكه من المعرفة؟
    أكثر ما ضايقني في رواية بروان أنه يُجيز احتفاظ الماسونية بالوصاية على قدرٍ غير يسير من الفكر الإنساني، بحجة أن العلم إن شاع فقد يقع في أيدٍ خاطئة. لماذا كانت الأيدي الماسونية هي الأيدي الصحيحة؟ أو جماعة سيون؟ أو مكتبة الفاتيكان؟ في [اسم الوردة] كان سبب الأزمة المعركة على كتابٍ ضائع، لكن غوليالمو دا باسكرفيل لم يُسلم أبداً بحقيقة أن المعرفة يجب أن تكون في أيدٍ محددة، ولا تشيع.

    ردحذف
  5. وصفك لأسلوب دان براون دقيق - من وجهة نظري - وأتفق معك في كل ما ذهبت إليه. المسألة في [الرمز المفقود] أكثر إقناعاً منها في [ملائكة وشياطين] أو في [شيفرة دافنشي]، لكنه يبالغ كثيراً! أعني، لقد بُترت يد بيتر سولومون من الكتف، وتعرض للتعذيب ودخل حالة البين بين عدة مرات، وتعرف على ابنه الضائع وفقده، ومع ذلك يجد في نفسه القوة ليشرح للانغدون بعض الغوامض، وليتصل بمهندس الكابيتول ويطلب منه منح أخته ولانغدون المفتاح! والشيء نفسه بالنسبة لكاثرين التي كان دمها يتصفى، وروبرت لانغدون الذي تعرض إلى صدمة الغرق! لاحظ أنهم جميعاً في العقدين الخامس والسادس من العمر!

    بدأ اهتمامي بالماسونية بنفس الطريقة التي بدأ بها اهتمامي بالأسطورة الفاوستية وبعلم النفس الفرويدي: كتابٌ صغير يكفر الماسونية وكل من له علاقة بها ويهاجمها هجوماً لا عقلانياً بوصفها معقل الشيطان الأعظم. منذ ذلك الحين، صار البناؤون الأحرار من الأشياء التي أهتم بها غاية الاهتمام. (لذلك أعتقد أن هذه الكتب تؤدي عكس المطلوب منها). ويُسعدني جداً أن تلتقي اهتماماتنا. أما بخصوص الكتابة عن هذه الأمور، فلا زلت أفكر في الشخصيات الروائية التعيسة. لكن، ما رأيك في أن نكتب سوية في الموضوع؟ لتكن سلسلة (وليس بالضرورة أن تكون سلسلة منهجية)، سيُبهجني جداً أن تكتب في المدونة بوصفك مدوناً ضيفاً (ولو أن البيت بيتك).

    جزيل شكري لك على إضاءاتك الدائمة، ومحاوراتك الممتعة المفيدة.

    تحياتي القلبية..

    ردحذف
  6. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  7. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف