كريولانس (ريف فاينز) يُقبل يد أمه فولومينا (فانيسا رِدغريف) ويظهر في الصورة السناتور منينيوس (برايان كوكس)
سبب فيلما ريف فاينز الجديدان: صراع الجبابرة وسيمتري جنكشن حالة سخطٍ عامةٍ في الصحافة البريطانية - قبل أن تنشغل بالانتخابات النيابية. فيلم صراع الجبابرة رديء – بشهادة النقاد – لكن فاينز الوحيد الذي يستحق أجره فيه، ويستحق أن يُشاهَدَ الفيلم لأجله – بشهادتهم كذلك، أما فيلم سيمتري جنكشن فحالةُ نوستالجيا يقع فيها ريكي غيرفيز ويُنقذه منها فاينز بأدائه المُتقن لشخصية ربِ العمل ميت العيون. تُحنِقُ هذه الشهادات المعلقين في الصحف، فوفقاً لها، انضم فاينز رسمياً إلى نادي أشرارِ هوليوود تحت الطلب الذي ضمَ في عضويته قبله ممثلين من وزن تِم كَري وآلان رِكمان وأنتوني هوبكنز وجيريمي آيرونز، ووفقاً لها أيضاً، فإنه يبذل جُهداً فائقاً ليُقدم شخصياتٍ لا تُنسى – لأنه ممثل شخصية ممتاز – لكن هوليوود لا تأبه بالجهدِ الذي يبذله، فالمهمُ أن يكون الشرير ممثلاً بريطانياً شكسبيرياً.
مشكلة البريطانيين مع تنميط هوليوود لممثليهم قديمة جداً، وينكأها كُلَ مرةٍ انضمام موهبة بريطانية جديدة إلى ركبِ الأشرار – حيث يضع منتجو هوليوود عيونهم على المواهب الحقيقية ليحصروها في أدوار الأشرار، تاركين ممثلي الصف الثاني لشأنهم. لا يبدو أن مشكلةَ هوليوود مع الجزر البريطانية ستُحل قريباً، لذلك يكتفي المعلقون الصحفيون البريطانيون بالعويل ناعين ريف فاينز الذي لم تعد أمامهُ فرصةٌ للعظمة مع اقترابه الحثيث من سن الخمسين وظهور بوادر الصلع عليه، ومغنين في جوقةٍ جماعية: "وطريقك يا ولدي مسدودٌ، مسدودٌ، مسدود!"
لا يبدو أن فاينز يلقي بالاً إلى عويل النادبات الإغريقيات في صحافة بلاده، فلا تزالُ في جعبته بعض الحيل وأولها فيلمه الجديد كريولانس الذي يُخرجِه بنفسه ويقوم بدورِ البطولةِ فيه، ويُسنِدُ بقيةَ الأدوارِ فيه إلى كُل الممثلين الذين يحبهم ولم تسنح له فرصةُ العمل معهم من قبل: فانيسا رِدغريف، برايان كوكس، وجيرارد بتلر. ليس هذا فقط، بل إنه يُسيطر على كافة عملياتِ الفيلم، من اختيارِ الممثلين والطاقم، وتقرير أماكن التصوير وكيفيته، وتحديد نظام العمل، خلافاً للنظام الهوليوودي السائد حيثُ تتحكم الإستوديوهات والشركات بكُل هذه التفاصيل تاركةً للمخرج رسمَ بعضِ الخطوطِ العريضة فقط.
اختيارُ كريولانس ليكون أولَ فيلمٍ يُخرجه خيارٌ صعب ينطوي على مُجازفةٍ بالغة - وقد بدأت صحافة بلاده تندب اختياره منذ الآن، فالمسرحية الشكسبيرية التي تجري أحداثها في روما، وتدور حولَ قائدٍ عسكريٍ مغرورٍ يخونه شعبه فيردُ الخيانةَ بالخيانة ويتحالف مع عدوه؛ ثم يتراجع عن خيانته الأولى ويخون حليفه الجديد؛ ويضيع بين الخيانات من أبغض المسرحياتِ عند النقادِ الشكسبريين وقراء شكسبير، ومن أقل المسرحياتِ تمثيلاً في المُنتج الشكسبيري. (ولو أنني أفضلها على هملت). مع ذلك، يُقرر فاينز أن يُخرج فيلماً عنها ليكون فيلمه الأول، وينقل الأحداث إلى الزمن الحالي، ويختارُ تمثيل شخصيةِ كريولانس التي يصعب أن يتعاطف معها الجمهور، ويمضي في مشروعه صغير الميزانية بعناد.
اختار فاينز العاصمة الصربية بلغراد ليصورَ فيلمه فيها، فاحتفت الصحافة الصربية بالسيرك الذي جاء من بلاد الأفلام العالمية، وجندت مراسلين مرابطين في مواقع التصوير ليزودوها بكل شاردةٍ وواردةٍ تجري في المكان، ووفرت طبعاتٍ من تغطياتها بالإنكليزية لتضمن انتشار السينما الصربية - موفرةً بذلك تغطية إعلامية مكثفة للفيلم جذبت انتباه مجلة إمباير الشهيرة لتوفر تغطيتها الخاصة لبعضِ مما يدور في موقع التصوير - الأمر الذي يعني صفقة توزيع لا بأس بها للفيلم.
ولضمان توزيع الفيلم في الولايات المُتحِدة، فإنه يُسند دور خصمه تولس أوفيديس للمثل الأسكتلندي جيرارد بتلر الشهير في الولايات المتحدة الأمريكية بأفلامٍ خفيفة من قبيل: الحقيقة المرة، واشتهر قبلها بالمشي شبه عارٍ في فيلم 300. بذلك، يضمن فاينز أن تشتري الشركات الأمريكية فيلمه وتوزعه جيداً لجمهور بتلر، كما أنه يُقدم له فرصةَ للعودة إلى كونه ممثلاً محترماً بعد أن تحول إلى العلامة المسجلة للأفلام السخيفة. وقديماً قيل: "يا بخت من نفع واستنفع!"
إضافةً إلى ذلك، فقد استفاد فاينز من دعم وزارتي الداخلية والدفاع الصربيتين له خلال تصوير الفيلم، إذ وفرت له الوزارتان فرقة قواتٍ خاصةٍ دربته وشاركت معه في الفيلم، وإمكانية التصوير في البرلمان الصربي، وسهلت له تعاملاته. مقابل ذلك، اختار بعض الممثلين الصربيين للقيامِ بأدوارٍ صغيرة في فيلمه، في بادرةٍ للفت نظر السينما العالمية إلى السينما الصربية. هكذا يكسب الجميع.
للصحافة البريطانية أن تعتقد ما تشاء، لكن النقاد ينتظرون فيلم فاينز الجديد كما ينتظره الجمهور. طاقم الممثلين مؤثر، وطاقم العاملين في الفيلم لا يقل عنه بحالٍ من الأحوال، والقصة شكسبيرية تحتوي كل ما يريده الجمهور: قتل، دم، خيانة. وفوقها ما يُريده النقاد: التعقيد العاطفي للشخصيات واللغة الشكسبيرية.
قد تكون طُرق فاينز في هوليوود مسدودة كما تعتقد الصحافة في بلاده، لكنه وثب وثبة هائلة فوق الجدار، وفتح لنفسه آفاقاً جديدة. إذا نجح كريولانس نقدياً وأبلى حسناً في شباك التذاكر، سيصبح ريف فاينز الرأس الكبيرة القادمة في صناعة السينما العالمية.
مشكلة البريطانيين مع تنميط هوليوود لممثليهم قديمة جداً، وينكأها كُلَ مرةٍ انضمام موهبة بريطانية جديدة إلى ركبِ الأشرار – حيث يضع منتجو هوليوود عيونهم على المواهب الحقيقية ليحصروها في أدوار الأشرار، تاركين ممثلي الصف الثاني لشأنهم. لا يبدو أن مشكلةَ هوليوود مع الجزر البريطانية ستُحل قريباً، لذلك يكتفي المعلقون الصحفيون البريطانيون بالعويل ناعين ريف فاينز الذي لم تعد أمامهُ فرصةٌ للعظمة مع اقترابه الحثيث من سن الخمسين وظهور بوادر الصلع عليه، ومغنين في جوقةٍ جماعية: "وطريقك يا ولدي مسدودٌ، مسدودٌ، مسدود!"
لا يبدو أن فاينز يلقي بالاً إلى عويل النادبات الإغريقيات في صحافة بلاده، فلا تزالُ في جعبته بعض الحيل وأولها فيلمه الجديد كريولانس الذي يُخرجِه بنفسه ويقوم بدورِ البطولةِ فيه، ويُسنِدُ بقيةَ الأدوارِ فيه إلى كُل الممثلين الذين يحبهم ولم تسنح له فرصةُ العمل معهم من قبل: فانيسا رِدغريف، برايان كوكس، وجيرارد بتلر. ليس هذا فقط، بل إنه يُسيطر على كافة عملياتِ الفيلم، من اختيارِ الممثلين والطاقم، وتقرير أماكن التصوير وكيفيته، وتحديد نظام العمل، خلافاً للنظام الهوليوودي السائد حيثُ تتحكم الإستوديوهات والشركات بكُل هذه التفاصيل تاركةً للمخرج رسمَ بعضِ الخطوطِ العريضة فقط.
اختيارُ كريولانس ليكون أولَ فيلمٍ يُخرجه خيارٌ صعب ينطوي على مُجازفةٍ بالغة - وقد بدأت صحافة بلاده تندب اختياره منذ الآن، فالمسرحية الشكسبيرية التي تجري أحداثها في روما، وتدور حولَ قائدٍ عسكريٍ مغرورٍ يخونه شعبه فيردُ الخيانةَ بالخيانة ويتحالف مع عدوه؛ ثم يتراجع عن خيانته الأولى ويخون حليفه الجديد؛ ويضيع بين الخيانات من أبغض المسرحياتِ عند النقادِ الشكسبريين وقراء شكسبير، ومن أقل المسرحياتِ تمثيلاً في المُنتج الشكسبيري. (ولو أنني أفضلها على هملت). مع ذلك، يُقرر فاينز أن يُخرج فيلماً عنها ليكون فيلمه الأول، وينقل الأحداث إلى الزمن الحالي، ويختارُ تمثيل شخصيةِ كريولانس التي يصعب أن يتعاطف معها الجمهور، ويمضي في مشروعه صغير الميزانية بعناد.
اختار فاينز العاصمة الصربية بلغراد ليصورَ فيلمه فيها، فاحتفت الصحافة الصربية بالسيرك الذي جاء من بلاد الأفلام العالمية، وجندت مراسلين مرابطين في مواقع التصوير ليزودوها بكل شاردةٍ وواردةٍ تجري في المكان، ووفرت طبعاتٍ من تغطياتها بالإنكليزية لتضمن انتشار السينما الصربية - موفرةً بذلك تغطية إعلامية مكثفة للفيلم جذبت انتباه مجلة إمباير الشهيرة لتوفر تغطيتها الخاصة لبعضِ مما يدور في موقع التصوير - الأمر الذي يعني صفقة توزيع لا بأس بها للفيلم.
ولضمان توزيع الفيلم في الولايات المُتحِدة، فإنه يُسند دور خصمه تولس أوفيديس للمثل الأسكتلندي جيرارد بتلر الشهير في الولايات المتحدة الأمريكية بأفلامٍ خفيفة من قبيل: الحقيقة المرة، واشتهر قبلها بالمشي شبه عارٍ في فيلم 300. بذلك، يضمن فاينز أن تشتري الشركات الأمريكية فيلمه وتوزعه جيداً لجمهور بتلر، كما أنه يُقدم له فرصةَ للعودة إلى كونه ممثلاً محترماً بعد أن تحول إلى العلامة المسجلة للأفلام السخيفة. وقديماً قيل: "يا بخت من نفع واستنفع!"
إضافةً إلى ذلك، فقد استفاد فاينز من دعم وزارتي الداخلية والدفاع الصربيتين له خلال تصوير الفيلم، إذ وفرت له الوزارتان فرقة قواتٍ خاصةٍ دربته وشاركت معه في الفيلم، وإمكانية التصوير في البرلمان الصربي، وسهلت له تعاملاته. مقابل ذلك، اختار بعض الممثلين الصربيين للقيامِ بأدوارٍ صغيرة في فيلمه، في بادرةٍ للفت نظر السينما العالمية إلى السينما الصربية. هكذا يكسب الجميع.
للصحافة البريطانية أن تعتقد ما تشاء، لكن النقاد ينتظرون فيلم فاينز الجديد كما ينتظره الجمهور. طاقم الممثلين مؤثر، وطاقم العاملين في الفيلم لا يقل عنه بحالٍ من الأحوال، والقصة شكسبيرية تحتوي كل ما يريده الجمهور: قتل، دم، خيانة. وفوقها ما يُريده النقاد: التعقيد العاطفي للشخصيات واللغة الشكسبيرية.
قد تكون طُرق فاينز في هوليوود مسدودة كما تعتقد الصحافة في بلاده، لكنه وثب وثبة هائلة فوق الجدار، وفتح لنفسه آفاقاً جديدة. إذا نجح كريولانس نقدياً وأبلى حسناً في شباك التذاكر، سيصبح ريف فاينز الرأس الكبيرة القادمة في صناعة السينما العالمية.
مقال ممتع فعلا ...
ردحذفهل أجد لدى حضرتك مسرحية كريولانس للقراءة؟؟؟شكرا مقدما
شكراً جزيلاً لك.
ردحذفأعتقدُ أن مسرحية [كريولانس] قد تُرجمت مرة واحدة إلى العربية فقط، وترجمها جبرا إبراهيم جبرا. قرأت الترجمة في مكتبةٍ عامة، ولم أستطع إيجاد نسخة منها على شبكة الإنترنت. عموماً، نصُ [كريولانس] بالإنكليزية ملكيةٌ عامة اليوم لجميع الناس، وتتوفر منه نسخٌ كثيرة بالإنكليزية، هذه إحداها:
http://publicliterature.org/pdf/2ws3610.pdf
تحياتي القلبية..
شكرا جزيلا للاستجابة السريعة و الاهتمام
ردحذفشكرا جزيلا لك. كان يهمّني رأيك في صراع الجبابرة، لأنني شاهدته مؤّخرا.
ردحذفما أعجبني في الفيلم هو تقنية الأبعاد الثلاثية بالذات.
أحداث الفيلم كثيرة ومتشابكة لدرجة أن المشاهد قد يتوه مع كثرة الشخصيات والتفاصيل.
وبعيدا عن الجانب الإبداعي في الفيلم وكونه جيّدا أو رديئا، استطيع أن أقول إن الفيلم مثير ومسلّ كثيرا من حيث التصوير والإخراج المبهر.
دمت بودّ.
بروميثيوس
بروميثيوس..
ردحذفالشكر لك أنت. أمّا في ما يخص فيلم [صراع الجبابرة]، فالحال أنه يصلح للتسلية، ولا شيء غير التسلية، إذ أن منطقه مفكك، وشخصياته أكثر مما ينبغي. شخصياً، لا أرى فيه شيئاً يستحق إلا أداء ريف فاينز الأثيري لشخصية هادِس - التي كُتبت خصيصاً لهذه النسخة.
فيلم [صراع الجبابرة] أُنتِجَ أصلاً في 1981، وكان من أبطاله لورنس أوليفييه وماغي سمِث، أمّا مؤثراته الخاصة، فقد اضطلع بها راي هاريهاوزن، وكانت تحفة في زمانها. الفيلم الأصلي خفيف ومضحك، ويخلو تماماً من خط هادِس ونيته تدمير العالم الذي يخص أخاه زيوس.
بالنسبة لتقنية الأبعاد الثلاثية، فالواقع أن الفيلم أُنتِجَ بالتقنية الثنائية المعتادة في السينما، ثُمَ جرى تحويله على عجلٍ إلى نسخةٍ ثلاثية الأبعاد بعد أن حقق [أفاتار] فتحاً جديداً في السينما. لذلك، فإن نسخته ثلاثية الأبعاد (مضروبة). يجري الآن تحويل أفلام [هاري بوتر] إلى هذه التقنية لاستنزاف أموالِ المشاهدين.
الأفلام ثلاثية الأبعاد الحقيقية نادرة، ففي 2008، لم يكن يعمل عليها غير ثلاثة مخرجين: جيمس كاميرون، تِم بِرتُن، وروبرت زيمِكس. هؤلاء صنعوا أفلاماً حقيقية بهذه التقنية: [أفاتار]، [ألِس في بلاد العجائب]، و[أنشودة عيد الميلاد].
مسألة التقنية ليست جوهرية في السينما، فالفيلم يجب أن يستوفي أركانه: الإخراج، التصوير، التمثيل، الموسيقى، المونتاج، والسيناريو. والخلل في أيٍ من هذه الأركان، يعطب الفيلم. فيلم [صراع الجبابرة] لم يستوفِ شروط الإخراج والسيناريو والتمثيل والموسيقى، لذلك صار فيلماً عاطلاً عن القيمة. يُمكن مشاهدته للتسلية فحسب، وللدقائق التي يظهر فيها ريف فاينز على الشاشة. أما مؤثراته المُبهرة، فسيأتي زمانٌ يضحك فيه المشاهدون عليها! وعموماً، فإن [أفاتار] قد سبق الكُل، فباتَ صعباً أن يرضى الجمهور بعده بأي مؤثراتٍ.
تحياتي القلبية..