انت حكيم ولا تمرجي؟
كانت أولى ملاحظاتي على السلسلة علامات الترقيم فيها، فأكثر العلامات المستخدمة النقطتان ".." في نهاية الجمل، وعلامات التعجب. كذلك، مضاعفة حروف المد "يااااااااااااااه!" مع أن علامة التأثر أو التعجب تفيد المعنى الشعوري المصاحب للكلمة من دون الحاجة إلى مضاعفة حروف المد. أما أول ملاحظة على سلاسل المؤسسة العربية الحديثة بشكلٍ عام فكانت حرف الدال الذي يسبق أسماء الكتاب، والإعلانات (المخيفة) من قبيل: مغامرة جديدة مع
د. نبيل فاروق! فأرتعب - في تلك السن الصغيرة - من هذه المغامرة ذات الدكتوراة، وأتوهم أنها للكبار فقط، فوحدهم الكبار من يفهمون مسائل (الدكاترة) العويصة، خصوصاً وأن العرف عندنا ألا يُكتب لقب الكاتب العلمي على غلاف الكتاب، حتى لو كان كتاباً في مجال تخصصه الأكاديمي، فبدت لي الألقاب العلمية على أغلفة الروايات - وعلى حدِ علمي، لا توجد درجات دكتوراة في كتابة الرواية - وكأنها تهديدٌ للقارئ ليخرس ويستمع إلى كلامِ الدكاترة.
(طبعاً، عرفت فيما بعد أنها دال المهنة وليست دال الدرجة العلمية وأن كل من دخل تمهيدي طب بات يكتب: أساطير بدروم الجيران من تأليف: د. فلان علان العلتاني.)
معلومات وقليلٌ من الحبكة
توقفت عن قراءة السلسلة لفترةٍ طويلة، إلى أن وقع في يدي كتيب
العلامات الدامية. (تزعجني كلمة أسطورة في عنوان كل رواية ، فما ضر لو كانت العناوين من دون هذه الكلمة؟) الذي أعادني إلى قراءة السلسلة من جديد، لمزجه بين المغامرة والرعب والرواية في مزيجٍ مسلٍ مرعب. (ودافعي الأساسي لقراءة السلسلة التسلية التي لا أرى فيها ما يُعيب، أما ما يقوله البعض عن المعلومات التي تقدمها، فأمرٌ محمود، لكنني - مع ذلك - أشكك جدياً في سلامة منطق أي شخصٍ مصدر معلوماته رواية أياً كانت، ولا أتمنى رؤيته يقترح على أحد دكاترته في الجامعة مجموعة مراجع تتكون من روايات المغامرات.) من
العلامات الدامية عدتُ لأقرأ السلسلة بكاملها، لأجد معظم ما تخيلته من قصصٍ بناء على عناوينها لا يمتُ بصلةٍ للروايات الحقيقية. كان أكبر مقلبٍ شربته في
التوءمين وا
لنصف الآخر و
النبوءة، فما تخيلته أوقف شعر رأسي بينما كانت الروايات أقرب إلى قصصٍ عائلية هادئة. كان تخميني صحيحاً بخصوص
الجنرال العائد إذ توقعت أن يكون جنرالاً نازياً، وقد كان سيدلتز غابلر كذلك فعلاً - والاسم من فيلم
ليلة الجنرالات - و
الفصيلة السادسة، لكن القصص التي تخيلتها كانت مختلفة إلى حدٍ كبير.
حارس الكهف و
لعنة الفرعون كانتا فوق ما تخيلت، أما
دماء دراكيولا، فما زلتُ أجد صعوبة في تقبلها فبلعها لأنني من أتباع المدرسة القديمة
لبرام ستوكر، وأرى هذه التعديلات على الأسطورة غير مناسبة لمزاجي.
الولية المجنونة
في العودة، كنت قد صرتُ في الثامنة عشرة، مما جعل ملاحظاتي على السلسلة تتضخم. أكثر ما يُضايقني في السلسلة تحاملها ضد النساء، فهن هيستريات غبيات عاجزاتٌ عن التصرف مشكوكٌ في قدراتهن العقلية والسلوكية. حتى أنهن لسن حتى نساء، بل "إناث" فكل امرأة في السلسلة "أنثى" مما يخسف وجودها الإنساني ويعيدها إلى خانة التصنيف البيولوجي البحت: إنها مجرد "أنثى" غير مفكرة. النساء في السلسلة (آخر) باختصار، ولعل ذلك بلغ ذروته في القصة عن ليليث، حيث تتحول النساء الفيمينست إلى مصاصات دماء شبيهات بالسحالي، وتُلصَقُ بهن كل صفة منفرة بشكلٍ لا يُراعي دراسة الفيمنزم وتقسيم أنواعها وتأريخها، فهناك أنواعٌ عديدة من النسوية. لكن الكاتب
أحمد خالد توفيق لم يقدم غير تصورٍ مشوه لها، يُحجم دور المرأة، ويكمل على خط السلسلة، ليُحذر الفتيات من أية طموحاتٍ زائدة. قد يقول قائلٍ إن هذه قصة، لكن أحمد خالد توفيق يكتب بنمطٍ اعتذاري حين يُقدم قضايا محل نقاشٍ، ويُقدم مراجعاً، ويحاول أن يعود إلى الدين وإلى المراجع العلمية المختصة والدراسات التأريخية ليُثبت كل حرفٍ يقوله ويستطرد طويلاً في الدفاع عن وجهة النظر التي يتبناها في النص مع عرض وجهات نظرٍ أخرى لئلا يقع في (مخالفة شرعية) يقضي عليه القراء بسببها. بينما حين يتحدث عن النساء، فإنه لا يحاول أن يتوسع في تاريخ الحركات المتعلقة بهن، ولا يكتب بنمطه الاعتذاري، بل بنمط من يُقرر حقيقة واقعة، ولعل ذلك يعود إلى أن النساء لا دية لهن، كما في التعبير المحلي عن كُل مهضوم حقٍ لا رأي له.
(ولا أستغرب الإعجاب الهائل بالسلسلة في أوساط النساء والذي يصل إلى مرحلة التقديس، فكثيراتٌ هن عاشقات الأنيمي الياباني مع كل تحقيره للمرأة، وكثيراتٌ معجبات بكتابات ستيفاني مير التي تعكس وجهة نظرٍ تشييئية عن المرأة ليس هنا محل نقاشها، مما يدل للأسف على أن النساء ألد عدواتِ ذواتهن.)
الكلاركجي
في سلسلة
ما وراء الطبيعة، الشرير إما وغدٌ أو رقيع أو الاثنان معاً، ولا يوجد أي شرير (يحترم نفسه) يتصف بأي صفة أخرى. كما إن كل وغدِ رفيع الشارب كما هم الأوغاد في السينما العربية، فلا يوجد وغدٌ (يحترم نفسه) في السلسلة إلا وله شاربٌ رفيع معتنى به. مع أن الشوارب كانت موضة في السينما العربية، ولم تكن مقصورة على الأوغاد فقط. وأصل هذه الموضة الممثل الأسطوري
كلارك غيبل - الممثل المفضل عندي - الذي اكتسح العالم بنمط فاتن النساء الذي كان يمثله، حتى كان لقب (الكلاركجي) علماً على فاتن النساء في تركيا مثلاً. فاتن النساء ليس وغداً بالضرورة، لكنه في السلسلة وغدٌ حتى أن نسبة ظهور عبارة "شارب رفيع" مع كلمة "وغد" تكاد تقترب من عدد مرات استخدام كلمة وغد في السلسلة.
(وقياساً على ذلك، تعاني الشبكة انفجاراً "وغدياً" فالكتاب الذين يستنسخون توفيق في كل مكانٍ - حتى أن المرء "صار يُغلق بابه لئلا يدخل منه عشرة منهم" - وكلهم يتحدث عن "الأوغاد". ولا أعرف السبب الذي يمنعهم من استخدام كلمة "رقيع" - قد يكون ذلك عائداً لعدم معرفتهم بالكيفية التي تُجمع بها الكلمة - أو عدم استخدامهم للشارب الرفيع كعلامة تدلل على ظهور "الوغد" - يبدو أنني وحدي أتذكر كلارك غيبل.)
"آخرين وآخرين وآخرين......."
إذا كان أحدٌ يملك وقتَ فراغِ زائداً، وكان من المولعين بالسلسلة، فأقترح عليه عمل إحصائية بأكثر الكلمات تكراراً في السلسلة، وأعتقد بأن كلمتي "وغد" و"هراء" ستكونان من ضمن أكثر الكلمات تكراراً فيها. فكل شيء يُقال هُراء، حتى بدا لي أن العربية تعاني عجزاً شديداً في المفردات، فقد عقمت عن إيجاد كلماتٍ يُمكن أن تستبدل "وغد" و"رقيع" و"هراء". (ولو عجزت العربية، فما كان يضير لو أُخِذَ من الإنكليزية، فصار لدينا: نَنَسِنس، فيلِن، وومانيزر،.....)
هناك أيضاً، صيغة التفضيل "ألعن" - صيغة التفضيل مصطلح نحوي، ولا يؤدي معنىً إيجابياً في الجملة بالضرورة - فهناك "ألعن رائحة شممتها" و"ألعن منظر يُمكنك تخيله" و"ألعن كوابيسك"، ومزيدٍ من "ألعن" كُل شيء. أعتقد أن هذا من إنجازات السلسلة الخاصة، فلست أجد هذا الاستخدام المكثف للكلمة في أي مكانٍ آخر.
يتكرر تعبير "ها نحن أولاء" كثيراً في السلسلة - مع توأمه "ها أنتم أولاء" - في معظم أعداد السلسلة، وصحيح أنه أقل تكراراً من مفردتي "وغد" و"هراء"، إلا أنه يتكرر بما فيه الكفاية ليلاحظ المرء أن هُناك جملاً تتكرر بكاملها في السلسلة مثل: "الآن نرجوكم الصمت" بتنويعاتها المختلفة، وجملٌ أخرى تأبى أن تحضرني الآن.
يقودنا الحديث عن الجمل المكررة إلى الحديث عن صوت الشخصيات المكررة، فمشكلة السلسلة العظمى ألا شخصية فيها تملك صوتاً خاصاً بها، فكلهم "
رفعت إسماعيل" بشكلٍ أو بآخر، وكلهم يستخدم كلماته وتعبيراته، من دون أي اعتبارٍ لتكوين الشخصية الخاص، فلا يُهم إن كانت الشخصية طفلاً أم شيخاً، أمياً أم مثقفاً، رجلاً أم امرأة. كلهم رفعت إسماعيل، ورفعت إسماعيل - بشكلٍ أو بآخر - المؤلف. وأقصى ما تستطيعه شخصية من التعبير عن ذاتها بضع جملٍ يتلبسها بعدها رفعت إسماعيل. هذه مشكلة قاتلةٍ في أي نصٍ، فعدم قدرة الشخصية على التعبير عن تكوينها النفسي والاجتماعي والعمري يعني أن صوت الشخصية مصطنع، ويستخف بعقل القارئ.
تعدد الحبكات ليس الدليل الوحيد على موهبة الكاتب، بل تعدد أصوات الشخصيات، وأبرز دليلٍ على هذا
جين أوستن التي تدور رواياتها حول طبقةٍ واحدة: ملاك الأراضي، وحول مغامراتِ نساءٍ شابات حتى يتزوجن. رغم ما في هذا من حثٍ على التكرار، إلا أن مقدرة أوستن الفذة تتجلى في الأصوات المميزة لكل شخصية من شخصياتها، حتى أنه إذا تكلمت إحدى شخصياتها من وراء ستار، فإن قراءها يستطيعون أن يعرفوا من يتحدث بالضبط لمعرفتهم بالاختلاف الجلي بين كل شخصية وأخرى في طريقة التعبير. وعلى العكس منها، نجد أن الجميع في روايات ستيفاني مير - في توايلايت وسواها - يتحدثون بصوتٍ واحد لمراهقة فارغة العقل في السابعة عشرة مهما بلغوا من الكبر عتياً. الأمر الذي نجده في
ما وراء الطبيعة، فكل المتحدثين فيها شيخٌ ملول مثقف ومولع بالأفلام. بحيث نرى امرأة متوسطة التعليم والمستوى المادي تتصل ببرنامج بعد منتصف الليل لتقول : "ربما أبدو قاسية، لكن محمود - رحمه الله - لم يكن أفضل ولا أرق زوج في العالم.." بينما صيغة المخافضة غير معروفة في العربية إلا على نطاقٍ محدود وعند قلة من المثقفين، فامرأة بالشكل الذي تقدمه القصة كانت لتكون أكثر وضوحاً وأقل تلاعباً بالألفاظ. "محمود - يرحمه الله - كان يجعلني أبكي كل ليلة من القهر." ربما كان ليكون تعبيراً عن صوت المرأة وشخصيتها، من دون أن نُعرّج على: "لم أكن أقرأ إلا الشعر ولا أنسج إلا الكانافاه.. لم أكن أنام إلا على وسادة محلاة بالدانتيلا.. كنت حلماً.." و"إنه فظ.. بخيلٌ كالبراغيث.." وغيرها من التعبيرات التي لا تناسب امرأة من الطبقة المتوسطة جُلُ ما تفكر فيه أموال زوجها، بل إنها تدخل في حوارٍ مع رفعت إسماعيل حول السادية! وهذا مثالٌ واحدٌ من أمثلةٍ كثيرةٍ في السلسلة يصبح فيها الطفل شيخاً، والأمي مثقفاً يقتبس تشبيهاته من الأفلام، ولا يهم ما إذا كان المتحدث من مصر أو المجر أو الاتحاد السوفييتي أو الولايات المتحدة أو بريطانيا أو واق الواق. بل إن حالة التلبس الرفعتي تتلبس العامل المضاد الرئيسي في السلسلة،
د. فرانتز لوسيفر (وكلهم دكتور، وكأن من الإهانة لرفعت ألا يحمل خصمه درجة علمية معادلة لدرجته العلمية، ولو كانت في قراءة البخت!) الذي يقول: "لو أنها تعرف العامية المصرية لسرها كثيراً تعبير (عزومة مراكبية) فهو يعبر بدقة عمّا تفكر فيه الآن.."مع أن الأخ لوسيفر مجري يتحدث الإنكليزية بلكنة ثقيلة! والتعبير مسروق من رفعت إسماعيل بالنص.
تأثير بيلا
وما دام الأخ لوسيفر قد دخل في النص، فلا بأس من الحديث عنه، وعبارته المستفزه "إني بك أسعد.. ولك قلبي يطرب.." التي لا يمل من تكرارها، - ومنذ صغري كنت أرى كلمة "يطرب" مفتقرة إلى أدنى حدٍ من الوقار - وطريقته في قلب العبارات في محاولة لإعطائه صوتاً خاصاً يختفي بمجرد أن تزيد جمله في النص عن ثلاث جمل، إذ سرعان ما يتلبسه رفعت إسماعيل ويعود لنسخ تعبيراته، مما يجعل رفعت أقوى مسوخ السلسلة لقدرته على تلبس كل شخصياتها، بمن فيهم المعادل الرمزي للشيطان.
كما يُذكر شارب الوغد بكلارك غيبل، يُذكِر فرانتز لوسيفر
ببيلا لوغوزي - أشهر من أدى دور دراكولا - فكلاهما مجريان، وكلاهما يتحدث الإنكليزية بلكنة شرق أوروبية ثقيلة، وكلاهما من منطقة تتأرجح بين المجر ورومانيا. إضافة إلى ذلك، فإن وصف عيني لوسيفر ينطبق على عيني لوغوزي، وصوته قريبٌ من صوته، بحيث يصير لوسيفر لوغوزي وقد طال شعره وارتدى قرطاً وعدداً من الخواتم.
تأثير بيلا ينتقل من لوسيفر إلى الممثل المجري الذي تأثر بعباءة دراكولا في إحدى قصص
المتحف الأسود، فأوصاف الممثل تنطبق جميعها عليه، بحيث يصعب تخيل بيلا إلا في هيئة مصاص دماء أو شيطان - وهذا عائدٌ جزئياً إلى أدواره - ويجعل كل من يحمل أياً من صفات بيلا الشكلية مصاص دماء - أو شيطاناً - إلى إن يثبت العكس.
من هنا إلى الأبدية!
تصدر سلسلة
ما وراء الطبيعة منذ 1993، ما يعني أن نسبة لا بأس بها من قرائها وصلوا اليوم إلى الثلاثينيات من العمر أو نحوها. كما أن مرور سبعة عشر عاماً على السلسلة يعني أن وقت المراجعة قد حان، لتجاوز البدايات، والعودة لقراءة السلسلة كوحدة متكاملة، ومعرفة أوجه تفوقها وأوجه قصورها، والتأصيل لها، وبناء العديد من الأعمال الناضجة على الأرضية التي أسستها. لكن واقع الحال اليوم يختلف عن المفروض، فلا يوجد بناء على بناء أو تناص مع السلسلة، وإنما (تلاص) من السلسلة. وطوفان من الكتاب المستنسخين الذين يكتبون بطريقة "الوغد" و"الهراء" ويحاولون أن يسخروا مثل أحمد خالد توفيق، لكنهم لا يوفقون إلا في رفع ضغط دم وعين القارئ بسماجتهم. وقبل الوقوع في فخ التعميم، أذكر أن هناك مسرحية صدرت بعنوان
سبعة باب، مبنية على مجموعة
وراء الباب المغلق في السلسلة. للأسف، لم أقرأ المسرحية - وإن كنت أريد ذلك - وإنما قرأت مقدمة أحمد خالد توفيق لها، والتي يقول فيها بأبوية ناعمة معناه: "إذا وجدتم عيباً في المسرحية، فالعيب في فكرتي لا في كاتب المسرحية." وهي أبوية لا تختلف كثيراً عن أن يقول شيئاً من قبيل: "وهذا ولدٌ يحاول أن يقلدني، ولكنه في أول الطريق فترفقوا به." بينما الكاتب الحقيقي يستطيع أن يصنع عملاً عظيماً من الفكرة التي يختارها، من دون الحاجة إلى أي تبرير أو اعتذار.
هناك الكثير من الشباب المثقف، أو - شبه المثقف على اعتبار أنه لا يوجد من يقرأ أدب نجيب محفوظ اليوم - من المعجبين بالسلسلة، ولهم تجمعاتٌ كبيرة على الشبكة. وظيفة هذه التجمعات الرئيسية - والوحيدة في بعض الأحيان - سدانة السلسلة ومؤلفها، ووأد أي محاولة للنقد العقلاني بطريقة "يلزم خدمة يا كابتن" التي يستخدمها موظفو الفنادق المتنمرون المجبرون على التأدب مع نزلاء الفندق، رغم أنهم يريدون الفتك بهم، ويحرصون على توضيح هذا. في هذا المناخ، يصعب أن ينتج شيء حقيقي واعٍ له علاقة بالسلسلة، فكل ما عندنا محاولات - بعد سبعة عشر عاماً - لتقديم أعمالٍ مبنية على السلسلة، أو لإعطاء السلسلة الزخم اللائق بمناقشتها كما ينبغي فعلاً، لا بطريقة أول محاولة لكتابة أدب الرعب في العالم العربي، لأن السلسلة قد خرجت من طور البدايات في وقتٍ مبكر جداً.
أعتقد أن سبعة عشر عاماً كافية لتصبح السلسلة معلماً ثابتاً من معالم الحياة الأدبية، سواء كان المرء من قراءها أم لم يكن. الأمر الذي يُقدم مؤشراً على حالة الشباب العربي القارئ لها، فالكل يتذمر من إهمال النقاد لها، لكن أحداً لا يجرؤ على تقديم نقدٍ لائق لها. النقد لا يعني الإشارة إلى المساوئ فحسب، بل يشمل معانٍ أوسع من تحليل وتفسير ومقارنة وبحث. بينما لا يستطيع أحدٌ من معجبي السلسلة أن يكتب حرفاً عن السلسلة من دون المقدمة: "أنا تربيت على هذه السلسلة العظيمة التي علمتني القراءة والكتابة والحساب" ومن دون أن يضع قاطرة ألقابٍ قبل اسم المؤلف. صحيح أن الاحترام مطلوب، لكنه لا يعني الإسراف في الألقاب، والنقد بطبيعته جافٌ لأنه لا يعتمد على المجاملة، بل على استحقاق العمل الأدبي.
مع ذلك، إذا كان جيل الثلاثينيات لم يفعل شيئاً ذا بالٍ بالسلسلة، فربما يفعل جيل العشرينيات ذلك. ونرى كتابات رصينة عن السلسلة، وكتاباتٍ أخرى ساخرةً - والسخرية أمرٌ محمود ومطلوب، لكن ليس بطريقة الكتاب الساخرين الذين صاروا يتوالدون بمعدل كاتبٍ ساخر كل دقيقتين هذه الأيام، وتميزهم جميعاً سماجة تتفوق على سماجة بوش الأب والابن معاً - وتحليلاتٍ جادة، وأعمالاً أدبية راقية، وأعمالاً فنية متعددة مختلفة، وأفلاماً سينمائية تختلف عما تعرضه السينما هذه الأيام.