الكفارة فيلمٌ مأخوذ عن رواية، بدون قراءة أي شيء عنه قبل مشاهدته، وحتى مع تفويت اسم إيوان مكيوان في قائمة صناع الفيلم. عمق الفيلم والثقة التي تتحرك بها الشخصيات في متاهتها أدبيتان. طريقة تتابع الأحداث، المضي قدماً وعودة في الزمن، إعادة تمثيل الحدث من وجهاتِ نظرٍ مختلفة؛ الارتباك الطفولي في النظر إلى العالم؛ تشوشه؛ محاولة البحث عن يقينٍ يزيد الأمر ارتباكاً؛ المناطق الرمادية بين الطفولة والنضج، كلها أشياء روائية، ما كان لفيلمٍ أن يحملها بهذه الثقة لو لم يكن لها أصلٌ في كتاب.
كثيراً ما تأتي الاقتباسات الدرامية للروايات في السينما مخيبة لآمال القراء، لم أقرأ رواية الكفارة، لكنني أعتقد أن الفيلم أبعد ما يمكن عن أن يكون خيبة أملٍ، فهو واحدٌ من أكثر إنتاجات الروايات السينمائية إبداعاً في إخراجه وتصويره وتمثيله وموسيقاه بحيث يُصنف مع المريض الإنكليزي والحب في زمن الكوليرا - الذي صدر معه في نفس العام - في نفس الخانة، ويقع من حيث النجاح النقدي والحظ مع الأوسكار في موقعٍ وسط، فهو أقل حظاً من المريض الإنكليزي ذي الأوسكارات التسعة، وأكثر حظاً من الحب في زمن الكوليرا الذي خرج صفر اليدين بدون ترشيح.
صوت الآلة الكاتبة لازمة الفيلم منذ لحظته الأولى، الصوت الذي حوله الموسيقار داريو مارينيلي إلى موسيقى خالصة استحق عليها أوسكار أفضل إنجازٍ في مجال الموسيقى - متغلباً على مرشحٍ عريق كآلان منكن، ومعيداً للجائزة بعض اعتبارٍ سقط عنها حين تجاهلت ترشيح أنتونيو بنتو - فتحول مرافقاً درامياً للأحداث، ومساهماً في سرد القصة. صوت الآلة الكاتبة صار جزءاً من نسيج الفيلم، ونسيج الحياة التي يعيد تمثيلها في امتيازٍ درامي خالص أكمله التصوير المحكم جمالياً، والإخراج الجيد، والمونتاج الشفاف الذي استطاع أن يروي حكاية مبعثرة روايةً أخاذة، ويأخذ موقفاً من الحدث، فيقود المشاهد في عالمٍ متشابك قوامه كفارةٌ ينبغي أن تُدفع للنضج.
تقنية الفيلم مضللةٌ في البداية، يرى المشاهد ما تراه براوني - في أداء مكتمل من سيرشيه رونين - ويأخذ وجهة نظرها من الأحداث. ثم يعود الفيلم ليروي الأحداث من وجهة نظرٍ محايدة ترى ما لا تراه براوني لتنكشف سلسلة الصدف والتراكمات المعقدة الناشئة عن الاستعداد لمناسبةِ عودة الأخ الأكبر إلى البيت والتي أدت ببراوني الطفلة إلى اتهام روبي ترنر حبيب أختها الكبرى سيسيليا باغتصاب قريبتهما لولا كوينسي. وعيها الطفولي كان واثقاً وقتها من أن اتهام روبي صحيح لا يدانيه شك. تصرفت بقوةٍ وثقةٍ قادت روبي إلى السجن، ثم إلى الحرب العالمية الثانية ليخدم كجندي مشاة في الجبهة. تغادر سيليا بيت أهلها في احتجاجٍ على الحيف الذي نال حبيبها، وتبقى على اتصالٍ به. تُدرك براوني أنها دمرت قصة حبٍ رقيقة بسبب سوء تفاهم، ويثقلها الذنب طوال حياتها، على برواني أن تؤدي كفارة الذنب الذي تعرف أن روبي لم يرتكبه، لكن، ما هي الكفارة؟
الفيلم نسيج شفاف من العلاقات الإنسانية بين أشخاصٍ معزولين في كينوناتهم الخاصة، ومهما حاولوا أن يتواصلوا، سيبقى كلٌ منهم في جزيرته الخاصة. صلاةٌ مستمرة للتكفير عن ذنبٍ ظاهر، وذنوب كثيرة مخفية أولها ارتباك التغير بين الطفولة والانكشاف على عالم الكبار في حافة النضج، محاولة الوصول إلى النضج، محاولة البحث عن حقيقةٍ لإصلاح ما حدث. تحدي النسيان، ثم التفكير في الذي حدث. هل حدث حقاً؟
"ربما كان ما كان محض سراب"
كثيراً ما تأتي الاقتباسات الدرامية للروايات في السينما مخيبة لآمال القراء، لم أقرأ رواية الكفارة، لكنني أعتقد أن الفيلم أبعد ما يمكن عن أن يكون خيبة أملٍ، فهو واحدٌ من أكثر إنتاجات الروايات السينمائية إبداعاً في إخراجه وتصويره وتمثيله وموسيقاه بحيث يُصنف مع المريض الإنكليزي والحب في زمن الكوليرا - الذي صدر معه في نفس العام - في نفس الخانة، ويقع من حيث النجاح النقدي والحظ مع الأوسكار في موقعٍ وسط، فهو أقل حظاً من المريض الإنكليزي ذي الأوسكارات التسعة، وأكثر حظاً من الحب في زمن الكوليرا الذي خرج صفر اليدين بدون ترشيح.
صوت الآلة الكاتبة لازمة الفيلم منذ لحظته الأولى، الصوت الذي حوله الموسيقار داريو مارينيلي إلى موسيقى خالصة استحق عليها أوسكار أفضل إنجازٍ في مجال الموسيقى - متغلباً على مرشحٍ عريق كآلان منكن، ومعيداً للجائزة بعض اعتبارٍ سقط عنها حين تجاهلت ترشيح أنتونيو بنتو - فتحول مرافقاً درامياً للأحداث، ومساهماً في سرد القصة. صوت الآلة الكاتبة صار جزءاً من نسيج الفيلم، ونسيج الحياة التي يعيد تمثيلها في امتيازٍ درامي خالص أكمله التصوير المحكم جمالياً، والإخراج الجيد، والمونتاج الشفاف الذي استطاع أن يروي حكاية مبعثرة روايةً أخاذة، ويأخذ موقفاً من الحدث، فيقود المشاهد في عالمٍ متشابك قوامه كفارةٌ ينبغي أن تُدفع للنضج.
تقنية الفيلم مضللةٌ في البداية، يرى المشاهد ما تراه براوني - في أداء مكتمل من سيرشيه رونين - ويأخذ وجهة نظرها من الأحداث. ثم يعود الفيلم ليروي الأحداث من وجهة نظرٍ محايدة ترى ما لا تراه براوني لتنكشف سلسلة الصدف والتراكمات المعقدة الناشئة عن الاستعداد لمناسبةِ عودة الأخ الأكبر إلى البيت والتي أدت ببراوني الطفلة إلى اتهام روبي ترنر حبيب أختها الكبرى سيسيليا باغتصاب قريبتهما لولا كوينسي. وعيها الطفولي كان واثقاً وقتها من أن اتهام روبي صحيح لا يدانيه شك. تصرفت بقوةٍ وثقةٍ قادت روبي إلى السجن، ثم إلى الحرب العالمية الثانية ليخدم كجندي مشاة في الجبهة. تغادر سيليا بيت أهلها في احتجاجٍ على الحيف الذي نال حبيبها، وتبقى على اتصالٍ به. تُدرك براوني أنها دمرت قصة حبٍ رقيقة بسبب سوء تفاهم، ويثقلها الذنب طوال حياتها، على برواني أن تؤدي كفارة الذنب الذي تعرف أن روبي لم يرتكبه، لكن، ما هي الكفارة؟
الفيلم نسيج شفاف من العلاقات الإنسانية بين أشخاصٍ معزولين في كينوناتهم الخاصة، ومهما حاولوا أن يتواصلوا، سيبقى كلٌ منهم في جزيرته الخاصة. صلاةٌ مستمرة للتكفير عن ذنبٍ ظاهر، وذنوب كثيرة مخفية أولها ارتباك التغير بين الطفولة والانكشاف على عالم الكبار في حافة النضج، محاولة الوصول إلى النضج، محاولة البحث عن حقيقةٍ لإصلاح ما حدث. تحدي النسيان، ثم التفكير في الذي حدث. هل حدث حقاً؟
"ربما كان ما كان محض سراب"
كيف حالك يا هند؟
ردحذفوضعت الفيلم في قائمة ما سأشاهده في الفترة المقبلة...
سأعود إذن.
بخير والحمد لله. كيف حالك أنت؟
ردحذفأتمنى لك مشاهدة ممتعة للفيلم.
عودٌ أحمد، يا أحمد.
لاااااااااااااااااا
ردحذففيلم أكثر إملالا من سابقه الذي تحمست لكتابتك عنه أعني في بروج
أرجوكِ يا هند عندما تكتبين عن فيلم ممل لا تخجلي وقولي إنه ممل ولا يصلح لمن ليسوا مهتمين بالسينما الدرامية
وشكرا هع هع :)
"في بروج" فيلمٌ عبثي كما قلت، لم أرَ فيه حسناً سوى التمثيل والتتابع النهائي في المدينة.
ردحذفلم أر فيلم "الكفارة" مُملاً فكيف أكتب أنه كذلك؟ هُناك مشهدٌ واحد طال أكثر مما ينبغي - سيسيليا تُدخن وروبي يكتب -، لكنه مشهدٌ واحد في فيلم طويل الإخراج فيه ممتاز، السيناريو ممتاز، المونتاج ممتاز، التمثيل ممتاز، والموسيقى ممتازة.
قُلت سابقاً أن الفيلم الأوروبي - بالضرورة - مُمل، وبالضرورة فإن أي فيلمٍ يتحدث عن قصة حُبٍ خلال الحرب العالمية الثانية، وعن كفارة النضج مُمل، بل خانق. وضعت "الكفارة" مع "المريض الإنكليزي" و"الحب في زمن الكوليرا"، ما يعني أن هُناك خصائص مشتركة بين الأفلام الثلاثة، وإذا كان الفيلمان مملين - وهما من أفلامي المفضلة - فثالثهما مثلهما.
ليست كُل الأفلام "بيوولف"، حتى "بيوولف" كان مؤثراً في عرضه لانكسار الأبطال والشر الكامن في الوجود، لا في مشاهد الطيران والقتل والتمزيق.
هُناك تناقض في الخطاب، "الكفارة" فيلم، والفيلم دراما، فكيف نصف الفيلم بأنه درامي؟ الأمر شبيه بأن نقول: رواية روائية، لكنه خطأ شائع على أي حال.
كُلٌ يُشاهدُ على مسؤوليته الفردية، لا شك أنك قرأت في مكانٍ ما من هذه المدونة أنني أعتبر الأفراد مسؤولين عن خياراتهم الفردية.
مع ذلك، يبعث على الرضا وجود من يُشاهد الأفلام بناء على توصيتي. خيرٌ من هذه تاليتها بإذن الله.
لا داعي للشُكر.