أتذكر أنني ذكرت - في مكانٍ ما من هذه المدونة - التنانين التي كُنت أرسمها واعتبرها جميع من رآها أشياء بين مجموعة من السحالي المضروبة ضرباً مبرحاً والفئران المسممة. اعتزلت الرسم منذ زمنٍ فلم أعد لرسم التنانين، غير أنني عدت للتفكير في تنانيني القديمة بينما كنت أتفرج على الصور المعروضة في معرض CGSociety فمعظم الرسوم تُري عوالم تخيلية بالكامل، وكثيرٌ منها يُصور تنانين في أوضاعٍ وحالاتٍ مختلفة.
المُلاحَظُ بشأن هذه التنانين أنها - وإن كانت مخلوقات خيالية - ذات شكلٌ متفقٍ عليه وكأنها ضربٌ من الحيات الحقيقية - كما يقول ابن منظور -، بحيث يكون الاختلاف بين تصوير التنين في رسم وتصويره في آخر الاختلاف بين أنواع الحيات في الطبيعة أو الفن. وتُرسم رقمياً بشكلٍ واقعي يوهم المشاهد أنه سيجد هذه التنانين في الطبيعة لو دقق النظر.
يستحق التأمل أيضاً أن التنين عنصر بارز في أي كونٍ تخيلي، وفي أي رؤية لهذا الكون التخيلي متشائمة كانت أم متفائلة، وسواء كان هذا الكون التخيلي مستقبلياً أم ماضياً أم موازياً. التنين حاضر كمعبود أو مُستعبد، قيمة مجردة أو أداة، عنصر جمالي أو تشويه، ودلالاته تراوح بين الخراب والخوف والقيم غير الإنسانية. عندما كنت صغيرة أقرأ القصص التي يرسمها جمال قطب، كان التنين رمزاً للحكمة، وأحياناً رمزاً للقوة الغاشمة. لكن دلالة الحكمة انزاحت في الفن الرقمي لتفسح المجال أمام قوة غاشمة مطلقة (معبود) أو مقيدة (مستعبد)، وفي كل الأحوال فإن هذه القوة تناقض الحرية وتناقض الحكمة. قوة التنين الغاشمة أزلية، تحكم الأرض اليباب حيث لا ماء هناك، بل صخر.
يرى أرسطو أن الفن يكتسب قيمته من حيث كونه "محاكاة للحياة"، وبرغم تأثير أرسطو الكبير إلا أن الفن قد خرج عن كونه محاكاة للحياة منذ زمنه، فلا قيمة للوحة الشجرة التي يرسمها الرسام خارج إطارها، فلن تضيف شيئاً إلى الأشجار الحقيقية، ولن يستظل بها أحد أو يستفيد من خشبها. صورة الشجرة قد تكون أفضل أو أسوأ من الشجرة الحقيقية، لكن قيمتها لا تكمن في جودة المحاكاة وتفوقها على الأصل، بل فيما تقوله بوصفها عملاً فنياً. هل تؤثر الشجرة في نفس متلقيها؟ هل تقول شيئاً؟ ما تقوله الشجرة لمتلقيها يُعرف قيمتها الفنية.
يعارض أوسكار وايلد أرسطو ويقلب نظريته قائلاً إن "الطبيعة تقلد الفنان"، وتقليد الطبيعة للفنان يأتي من أن الفن لا يخضع لقواعد، بل إن الحياة تأخذ قوانينها من الفن.
في مسألة التنين والفن يظهر فعلاً أن الفن قد أرسى قواعده، وأعطى الحياة لمفردات لا توجد إلا فيه. يُفترض أنها معرفة عامة، المعرفة بأن التنانين مخلوقات خيالية لم توجد على الأرض يوماً، غير أن تواترها في الفن باعتبارها عنصراً أصيلاً وثابتاً موجوداً في كل الثقافات - تقريباً - يجعلها جزءاً من التراث الإنساني، ويضيف عنصر ارتباكٍ إلى علاقة الإنسان باللغة والفن باعتبارهما أدوات إشارة إلى مدلولات ذات وجودٍ مادي خارج كونيهما، فالتنين موجودٌ رغم أن أحداً لا يستطيع أن يثبت أنه وُجد حقاً بالصورة التي يحضر بها في الفن، ووجوده هذا يُناقض حقيقة العالم، غير أن الحقيقة ليست إلا وهماً يُصدقه الإنسان، ما يجعل وجود التنين حقيقياً بالنسبة للمتلقي ولو كان عالم مستحاثات يعرف أن العلماء لم يجدوا أي مستحاثة لتنين حتى اليوم.
المُلاحَظُ بشأن هذه التنانين أنها - وإن كانت مخلوقات خيالية - ذات شكلٌ متفقٍ عليه وكأنها ضربٌ من الحيات الحقيقية - كما يقول ابن منظور -، بحيث يكون الاختلاف بين تصوير التنين في رسم وتصويره في آخر الاختلاف بين أنواع الحيات في الطبيعة أو الفن. وتُرسم رقمياً بشكلٍ واقعي يوهم المشاهد أنه سيجد هذه التنانين في الطبيعة لو دقق النظر.
يستحق التأمل أيضاً أن التنين عنصر بارز في أي كونٍ تخيلي، وفي أي رؤية لهذا الكون التخيلي متشائمة كانت أم متفائلة، وسواء كان هذا الكون التخيلي مستقبلياً أم ماضياً أم موازياً. التنين حاضر كمعبود أو مُستعبد، قيمة مجردة أو أداة، عنصر جمالي أو تشويه، ودلالاته تراوح بين الخراب والخوف والقيم غير الإنسانية. عندما كنت صغيرة أقرأ القصص التي يرسمها جمال قطب، كان التنين رمزاً للحكمة، وأحياناً رمزاً للقوة الغاشمة. لكن دلالة الحكمة انزاحت في الفن الرقمي لتفسح المجال أمام قوة غاشمة مطلقة (معبود) أو مقيدة (مستعبد)، وفي كل الأحوال فإن هذه القوة تناقض الحرية وتناقض الحكمة. قوة التنين الغاشمة أزلية، تحكم الأرض اليباب حيث لا ماء هناك، بل صخر.
يرى أرسطو أن الفن يكتسب قيمته من حيث كونه "محاكاة للحياة"، وبرغم تأثير أرسطو الكبير إلا أن الفن قد خرج عن كونه محاكاة للحياة منذ زمنه، فلا قيمة للوحة الشجرة التي يرسمها الرسام خارج إطارها، فلن تضيف شيئاً إلى الأشجار الحقيقية، ولن يستظل بها أحد أو يستفيد من خشبها. صورة الشجرة قد تكون أفضل أو أسوأ من الشجرة الحقيقية، لكن قيمتها لا تكمن في جودة المحاكاة وتفوقها على الأصل، بل فيما تقوله بوصفها عملاً فنياً. هل تؤثر الشجرة في نفس متلقيها؟ هل تقول شيئاً؟ ما تقوله الشجرة لمتلقيها يُعرف قيمتها الفنية.
يعارض أوسكار وايلد أرسطو ويقلب نظريته قائلاً إن "الطبيعة تقلد الفنان"، وتقليد الطبيعة للفنان يأتي من أن الفن لا يخضع لقواعد، بل إن الحياة تأخذ قوانينها من الفن.
في مسألة التنين والفن يظهر فعلاً أن الفن قد أرسى قواعده، وأعطى الحياة لمفردات لا توجد إلا فيه. يُفترض أنها معرفة عامة، المعرفة بأن التنانين مخلوقات خيالية لم توجد على الأرض يوماً، غير أن تواترها في الفن باعتبارها عنصراً أصيلاً وثابتاً موجوداً في كل الثقافات - تقريباً - يجعلها جزءاً من التراث الإنساني، ويضيف عنصر ارتباكٍ إلى علاقة الإنسان باللغة والفن باعتبارهما أدوات إشارة إلى مدلولات ذات وجودٍ مادي خارج كونيهما، فالتنين موجودٌ رغم أن أحداً لا يستطيع أن يثبت أنه وُجد حقاً بالصورة التي يحضر بها في الفن، ووجوده هذا يُناقض حقيقة العالم، غير أن الحقيقة ليست إلا وهماً يُصدقه الإنسان، ما يجعل وجود التنين حقيقياً بالنسبة للمتلقي ولو كان عالم مستحاثات يعرف أن العلماء لم يجدوا أي مستحاثة لتنين حتى اليوم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق