بالصدفة، قرأت تدوينة تسخر من تعريب إصدار برنامج فاير فوكس الأخير - الإصدار الذي أستخدمه -، وجميع الردود عليها لا تسخر من التعريب نفسه، بل ممن قام به - كائناً من كان - واصفة المُعِرِب بأنه: "برنامج" أو "هندي"، ومطالبة بالعودة إلى النسخة الإنكليزية من البرنامج.
بغض النظر عن أن الهجوم الشخصي يلغي أي أسسٍ عقلانية لأي نقاش، إلا أن هذا النقاش - تجاوزاً - يعرض بعض مشاكل الترجمة إلى العربية والتعريب، خصوصاً في المسائل التقنية التي لا يزال العرب فيها متأخرين، فمعظم المشاركين فيه يجهلون العربية، ويلجأون إلى الحل الأسهل: (لنستخدم النسخ الإنكليزية، فالعرب فاشلون!) رافضين الإقرار بأن صيغاً مثل: (تم البدء في الاتصال) أعجمية لا تمت للعربية بصلة، وتخلو من المنطق فتَمَ ليس فعلاً مُساعداً في العربية - ولا توجد أفعالٌ مساعدة في العربية - بل فعل حركة دالاً على تمام الشيء واكتماله، فكيف يُقال أنه تم البدء، والبدء عكس التمام. والأصل في العربية - والإنكليزية - بناء الفعل للمجهول عند عدم ذكر الفاعل، فيُقال: بُدِء الاتصال حين يبدأه أحد، و(بدأ) حين يبدأ من تلقاء ذاته.
البناء للمجهول في العربية يكون من الفعل نفسه، فيُقال: فتحَ أحمد الباب، وفُتِح الباب، وحين لا تكون هُناك حاجة إلى فاعلٍ معلوم أو مجهول يُقال: انفتح الباب، بدون أي علامة على قوة فتحته بحيث يغدو الباب المفعول به فاعلاً.
مشكلة متلقي التعريب تكمن في أنهم يُريدون أن تُطابق ألفاظ العربية مقابلتها الإنكليزية مطابقة تامة، بدون أدنى اعتبارٍ لكون اللغتين مختلفتين تماماً، وتطورتا في سياقين مختلفين. دعواهم تفتقد المنطق بالقدر الذي افتقدته إياه دعاوى لغويي القرن الثامن الإنكليز الذين أرادوا قياس قواعد الإنكليزية على قواعد اللاتينية، ونسوا أن الإنكليزية لغة جرمانية حية، بينما اللاتينية جذر اللغات اللاتينية الميت لخروجه من الاستخدام. هؤلاء يُريدون مطابقة الإنكليزية في كل شيء، فإذا قال أحدهم: I am John طالبوا بأن تكون الترجمة: أنا أكون جون، متجاهلين تماماً أن أفعال الكينونة بالإنكليزية لا تؤدي نفس وظيفتها بالعربية، وأن الإنكليزية ليست اللغة الوحيدة التي يُترجم عنها، فكيف سيكون الوضع عندما يُترجم عن الفرنسية والصينية والهندية؟
بوصفنا مستهلكين للتقنية لا مُنتجين لها، ينبغي أن نتعرف على لغات الأصل. لا مشكلة في هذا الخطاب سوى أنه يتجاهل نسبة كبيرة من قراء العربية الذين لا يقرأون بغيرها، والذين ينبغي أن تُترجم لهم الأصول بلغة عربية سليمة.
مشكلة العربية أنها غريبة حتى عن دعاتها، فمن يقومون على مشاريع التعريب الحالية يُصرون على أنها ناقصة، ويرغبون في إضافة حروفٍ إليها كالكاف الفارسية وغيرها لتُطابق أصوات بقية اللغات تمام المطابقة، ناسين أنه لا توجد لغة تتطابق أصواتها مع لغة أخرى، وأنه حتى داخل نفس اللغة تختلف الأصوات من منطقة لأخرى، فالبريطاني لن ينطق الأصوات المعلولة كما ينطقها الأمريكي، وسيأتي الأسترالي بنطقٍ ثالث مختلف لها. لا أحد يستطيع أن يُخطئ الآخر، لكن المطالبين بإضافة حروفٍ جديدة إلى العربية مُصرون على جعلها نسخة مطابقة للغة أخرى مختلفة، كما فعل لغويو القرن الثامن عشر الإنكليز، مع أن التاريخ وُجد لنتجنب أخطاءه، لا لنعيده.
حين ترجم الأوروبيون النصوص العربية إلى اللاتينية، لم يتركوا شيئاً على حاله، ولم يلتزموا حتى بترك أسماء المؤلفين العرب كما هي، بل غيروها لتلائم لغتهم وقراءهم، فتحول ابن رشد إلى Averroes وابن سينا إلى Avicenna، واشتهرا في المراجع والاستشهادات الغربية باسميهما المحرفين الذين لا يكادان يقتربان من الأصل العربي، ولم يظهر من يدعو إلى إضافة حروف جديدة إلى اللاتينية لتستوعب الأسماء العربية وقُبل التصحيف - مع أن اللغة تحوي جميع الأصوات في الاسمين -. لم يطالب أحدٌ بالتخلص من جميع الترجمات لأن اللاتينيون فاشلون، والقراءة بالعربية رأساً، فأمكن للمترجمين أن يُنقحوا النصوص بمرور الزمن وتراكم الخبرة، وأمكن لطلاب العلم تكوين ثقافة علمية لا بأس بها باللاتينية صارت لبنة التحول الأوروبي اللاحق.
من غير المنطقي أن يُطالب المرء بتحويل الأسماء الأجنبية إلى مقابلاتها العربية تحويلاً متعسفاً، فيُصبح رومان جاكوبسون: رومي بن يعقوب، ورولان بارت: درين البارثي، لكن باعتماد مقاربة الأصوات، فالإنكليز لن ينطقوا اسم محمد كما يفعل العرب، بل سيقولون: موهاميد، ولا يستطيع أن يلومهم أحد لأن نظامهم الصوتي مختلفٌ عن نظام العربية.
حين بدأ العرب أنفسهم ترجمة النصوص الإغريقية صادفتهم مشاكل كثيرة، لكن أحداً منهم لم يقل إن العربية لغةٌ ناقصة، فعربوا ما لم يستطيعوا إيجاد مقابل عربي له: فلسفة وأرتيماطيقي، وترجموا علم المنطق والحساب والفلك، وأنشأوا الجبر.
أن نختلف عن الآخرين ليست نقيصة، فإن لم يوجد اختلاف بين اللغات، لِم كانت بهذه الكثرة، أما كان يكفي العالم كُله لغة واحدة؟
بغض النظر عن أن الهجوم الشخصي يلغي أي أسسٍ عقلانية لأي نقاش، إلا أن هذا النقاش - تجاوزاً - يعرض بعض مشاكل الترجمة إلى العربية والتعريب، خصوصاً في المسائل التقنية التي لا يزال العرب فيها متأخرين، فمعظم المشاركين فيه يجهلون العربية، ويلجأون إلى الحل الأسهل: (لنستخدم النسخ الإنكليزية، فالعرب فاشلون!) رافضين الإقرار بأن صيغاً مثل: (تم البدء في الاتصال) أعجمية لا تمت للعربية بصلة، وتخلو من المنطق فتَمَ ليس فعلاً مُساعداً في العربية - ولا توجد أفعالٌ مساعدة في العربية - بل فعل حركة دالاً على تمام الشيء واكتماله، فكيف يُقال أنه تم البدء، والبدء عكس التمام. والأصل في العربية - والإنكليزية - بناء الفعل للمجهول عند عدم ذكر الفاعل، فيُقال: بُدِء الاتصال حين يبدأه أحد، و(بدأ) حين يبدأ من تلقاء ذاته.
البناء للمجهول في العربية يكون من الفعل نفسه، فيُقال: فتحَ أحمد الباب، وفُتِح الباب، وحين لا تكون هُناك حاجة إلى فاعلٍ معلوم أو مجهول يُقال: انفتح الباب، بدون أي علامة على قوة فتحته بحيث يغدو الباب المفعول به فاعلاً.
مشكلة متلقي التعريب تكمن في أنهم يُريدون أن تُطابق ألفاظ العربية مقابلتها الإنكليزية مطابقة تامة، بدون أدنى اعتبارٍ لكون اللغتين مختلفتين تماماً، وتطورتا في سياقين مختلفين. دعواهم تفتقد المنطق بالقدر الذي افتقدته إياه دعاوى لغويي القرن الثامن الإنكليز الذين أرادوا قياس قواعد الإنكليزية على قواعد اللاتينية، ونسوا أن الإنكليزية لغة جرمانية حية، بينما اللاتينية جذر اللغات اللاتينية الميت لخروجه من الاستخدام. هؤلاء يُريدون مطابقة الإنكليزية في كل شيء، فإذا قال أحدهم: I am John طالبوا بأن تكون الترجمة: أنا أكون جون، متجاهلين تماماً أن أفعال الكينونة بالإنكليزية لا تؤدي نفس وظيفتها بالعربية، وأن الإنكليزية ليست اللغة الوحيدة التي يُترجم عنها، فكيف سيكون الوضع عندما يُترجم عن الفرنسية والصينية والهندية؟
بوصفنا مستهلكين للتقنية لا مُنتجين لها، ينبغي أن نتعرف على لغات الأصل. لا مشكلة في هذا الخطاب سوى أنه يتجاهل نسبة كبيرة من قراء العربية الذين لا يقرأون بغيرها، والذين ينبغي أن تُترجم لهم الأصول بلغة عربية سليمة.
مشكلة العربية أنها غريبة حتى عن دعاتها، فمن يقومون على مشاريع التعريب الحالية يُصرون على أنها ناقصة، ويرغبون في إضافة حروفٍ إليها كالكاف الفارسية وغيرها لتُطابق أصوات بقية اللغات تمام المطابقة، ناسين أنه لا توجد لغة تتطابق أصواتها مع لغة أخرى، وأنه حتى داخل نفس اللغة تختلف الأصوات من منطقة لأخرى، فالبريطاني لن ينطق الأصوات المعلولة كما ينطقها الأمريكي، وسيأتي الأسترالي بنطقٍ ثالث مختلف لها. لا أحد يستطيع أن يُخطئ الآخر، لكن المطالبين بإضافة حروفٍ جديدة إلى العربية مُصرون على جعلها نسخة مطابقة للغة أخرى مختلفة، كما فعل لغويو القرن الثامن عشر الإنكليز، مع أن التاريخ وُجد لنتجنب أخطاءه، لا لنعيده.
حين ترجم الأوروبيون النصوص العربية إلى اللاتينية، لم يتركوا شيئاً على حاله، ولم يلتزموا حتى بترك أسماء المؤلفين العرب كما هي، بل غيروها لتلائم لغتهم وقراءهم، فتحول ابن رشد إلى Averroes وابن سينا إلى Avicenna، واشتهرا في المراجع والاستشهادات الغربية باسميهما المحرفين الذين لا يكادان يقتربان من الأصل العربي، ولم يظهر من يدعو إلى إضافة حروف جديدة إلى اللاتينية لتستوعب الأسماء العربية وقُبل التصحيف - مع أن اللغة تحوي جميع الأصوات في الاسمين -. لم يطالب أحدٌ بالتخلص من جميع الترجمات لأن اللاتينيون فاشلون، والقراءة بالعربية رأساً، فأمكن للمترجمين أن يُنقحوا النصوص بمرور الزمن وتراكم الخبرة، وأمكن لطلاب العلم تكوين ثقافة علمية لا بأس بها باللاتينية صارت لبنة التحول الأوروبي اللاحق.
من غير المنطقي أن يُطالب المرء بتحويل الأسماء الأجنبية إلى مقابلاتها العربية تحويلاً متعسفاً، فيُصبح رومان جاكوبسون: رومي بن يعقوب، ورولان بارت: درين البارثي، لكن باعتماد مقاربة الأصوات، فالإنكليز لن ينطقوا اسم محمد كما يفعل العرب، بل سيقولون: موهاميد، ولا يستطيع أن يلومهم أحد لأن نظامهم الصوتي مختلفٌ عن نظام العربية.
حين بدأ العرب أنفسهم ترجمة النصوص الإغريقية صادفتهم مشاكل كثيرة، لكن أحداً منهم لم يقل إن العربية لغةٌ ناقصة، فعربوا ما لم يستطيعوا إيجاد مقابل عربي له: فلسفة وأرتيماطيقي، وترجموا علم المنطق والحساب والفلك، وأنشأوا الجبر.
أن نختلف عن الآخرين ليست نقيصة، فإن لم يوجد اختلاف بين اللغات، لِم كانت بهذه الكثرة، أما كان يكفي العالم كُله لغة واحدة؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق