13 سبتمبر 2010

الغول

مُذ حصلت على حاسوب بمعالج بنتيوم 2 ونظام تشغيل ويندوز 98، أحببتُ الحواسيب. قبلها، كُنتُ أتعذب في دراسة نظام MS DOS، ومن ثم ويندوز 95. لم أكن أحب الحواسيب، وكُنت أنظر إليها بتشكك، لكنها كانت نافذتي نحو المُستقبل حيث لا مكان إلا لمهووسي الحواسيب - كما كانوا يخبرونني باستمرار. كُل شيء تغير مع حاسوب بنتيوم 2 ونظام تشغيل ويندوز 98 الذي لا يزال نظامي المُفضَل حتى اليوم. بعيداً عن الكُتب التي تصلح كراسٍ لفرطِ ضخامتها - لم أقرأها، بطبيعة الحال، لأنها مكتوبة بلغة لا أفهمها، وتحكمات المُعلمين الذين يريدون تصميم جيلٍ من روبوتات تفعلُ ما يُطلب منها ولا تُفكر: كنت أشغل مُشغل الدوس، وأنطلق. كان النظام - المُغلق بمعايير السبعينيات - أقرب شيء مُمكن للأنظمة المفتوحة مُقارنة بأنظمة اليوم، تشغيل سطر الأوامر مُمكن في غمضة عين، والتحكم بالجهاز سهلٌ عن طريقه. كانت هُناك مساحاتٌ واسعة لاختبار النظام، مساحاتٌ واسعة للتجربة، مساحاتٌ للتحرك، تغيير مظهر النظام، خصائصه، استكشاف أدواته، حذف وتثبيت الحُزَمِ البرمجية. الجهازُ كان واحداً من وحوش كومباك التي لم تعُد تُصنَع اليوم، لذلك كانت أعطالُ النظام قليلة - مقارنة بنكبات أنظمة اليوم.
في تلك الفترة، كانت آبل منسية. لا أحد يتحدث عنها، كأنها سرٌ صغيرٌ قذر يتحاشى الجميع ذكره. لولا صورةٌ لحواسيب ماكنتوش الأنيقة قصصتها من مجلة، كُنت لأعتقد أنني تخيلتُ وجود شركة بهذا الاسم. كانت هُناك أنظمة لينُكس ماندرِك ورِد هات، وقد جربتُ واحداً منها، ووجدته مُمتازاً، لكنه لم يكن قريباً إلى قلبي مثل ويندوز 98. حين صدر ويندوز ميلينيَم، استخدمته، وصار النظام المُفضل الثاني عندي، مُباشرةً بعد شقيقه. كُنت أتحرك في عالم الحواسيب بغيرِ هُدىً، فلم يكن استخدام الإنترنت شائعاً في ذلك الوقت، والمواد المتوفرة بشأن تاريخ الحوسبة شحيحة للغاية، وبعيدة عن مُتناول يدي. مع ذلك، كُنتُ أتقدم بشكلٍ جيد في التحكم بالنظام واستكشافه، بإنكليزية مُتعثرة، وروحٍ مُغامرة، ورغبةٍ عميقة في فهم معمارية الحواسيب.
لم يكُن مُمكناً إلا أن أدرس تقنية المعلومات لفترةٍ من حياتي. كان ذلك إبّان العهد الذهبي لمايكروسوفت، وكانت الأنظمة الوحيدة التي تُدّرَس أنظمة ويندوز، وما يتعلق بها. في تلك الفترة، عايشت ثقافة الطوائف عن قُرب، لأن الأكاديمية التي درستُ فيها كانت مُكونة من طائفة مايكروسوفتيين متحمسين على المذهب الغيتسي. كانت المُحاضرات تتعلق بمُنتجات مايكروسوفت: ويندوز، أوفِس، إس كيو إل سيرفر، ويندوز سيرفر، ..... ومتوافقات ويندوز من البرامج. قبل المُحاضرات، كانت هُناك تجمعاتٌ تُقام لتدارس سيرة بيل غيتس. كان الطُلاب يجتمعون في الأروقة بعد المُحاضرات ليرووا طُرفاً من كرامات غيتس الذي صار مزيجاً من سوبرمان وعبقرينو والمُخلِص. في هذه البيئة، شعرتُ لأولِ مرةٍ بالاختناقِ من مايكروسوفت. وبعد أن كُنت أحترم غيتس، صارَ ذِكرُ اسمه مُزعِجاً لي. صارت الأكاديمية مُعتقلاً مُخصصاً لأنصارِ مايكروسوفت، يخنُقُ تلقائياً أي ميولٍ غير ويندوزية. في تلك الفترة، كانت لغة جافا مُتوهجةً، وبدت المهرب المثالي من مهووسي مايكروسوفت وغيتس. انكببتُ على دراسةِ جافا باهتمامٍ، لكن لغتي الإنكليزية لم تُساعِدني على تحقيق ما كُنت أرجوه منها - رغم أنني كُنت أحصلُ على أعلى الدرجاتِ في مشاريع جافا. لم يكنُ اهتمامي بجافا اهتماماً باللغة نفسها - لعدم توفر منظورٍ تاريخي يُمكنني من وضع جافا في موضعها الصحيح من تطور البرمجة في ذلك الوقت - بقدر ما كان هرباً من مايكروسوفت وويندوز وبيل غيتس. تعرفت على شخصية جيمس غوسلنغ، مُبتكر لُغة جافا، وتحول إلى مُضادِ غيتس. قمت بحملةَ دعايةٍ في الأكاديمية لجذبِ الانتباهِ إلى غوسلنغ، ونجحت في ذلك إلى حدٍ ما. غير أن الطُلاب الكِبار مارسوا نوعاً من النبذ الاجتماعي إزائي: لماذا يهتم المرء بغوسلنغ في وجود غيتس، أثرى رجلٍ في العالم؟ ولماذا يُتعِبُ نفسه في كتابة شيفرة جافا في وجود بيئة .Net السهلة؟ مُغامرات الجافا نوعٌ من تسلية الفشلة الذين لا يستطيعون تقدير نعمة وجود مايكروسوفت.
ترقت مُعظم البرامج وبيئات التطوير، وصارت غيرَ صالحةٍ للعمل على ويندوز 98 فاضطررت للترقية إلى ويندوز XP، وتعرفت - مُذ ذاك - على شاشة الموت الزرقاء حتى صارت كأنها صديقة قديمة. لم يعد مُعالج بنتيوم 2 صالحاً، فاستُبدِل بمُعالج 4، وقائمة مواصفاتٍ لا يُمكنني أن أتذكرها - ثم استبدل بمعالجٍ لا يُمكنني أن أتذكر حتى اسمه، يُشغل الألعاب الكبيرة جيداً، لكنه لا يُقارن بوحش كومباك القديم أبداً. كان نظام XP أعجوبة حينها، لكنني لم أحبه، وبقيتُ أعمل على ويندوز 98 وميلينيَم ما استطعت. تعرفتُ على شبكةِ الإنترنت أخيراً، ووجدتُ شغفي في شيفرة HTML وملفات CSS - التي فضلتها على JSS في حينه، ولم يكن هذا خياراً شائعاً. بمُحرِر نصوصٍ عادي، كُنت أُنشئ صفحاتٍ كاملة، بشيفرة نظيفة ومرتبة. صممتُ لي موقعاً صغيراً على Geocities واستخدمته لترويج أفكاري في الأكاديمية - والإشارة إلى سلسلة هاري بوتر، و الحديث عن ولعي بالتنانين وألعاب الدومينو وتِك تَك تو. آخر الأمر، كانت سُمعة nerd التي لحقتني مُبررة نوعاً ما - واشتهر الموقع - في المُجتمع المحدود الذي كانت تُمثله الأكاديمية - لأنه مكتوبٌ بكامله يدوياً، من دون استخدام أي برنامجٍ لتوليد الشيفرات - رغم أنني كُنت أستطيع استخدام MS FrontPage وMacromedia Flash وDreamweaver بحكم دراستي.
جلبت الإنترنت غنائم عديدة، فقد انضممتُ إلى المُجتمع البرمجي الذي كانت ترعاه شركة Sun Microsystems، وتعرفتُ على ويكيبيديا وفلسفة المصادر المفتوحة، وشاركت في مجموعات MSN. لكن مغنماً لم يكن أكبر من غوغل، الذي كان في بداياته. كان الفتية الأقوياء (cool guys) يستخدمون أدلة ياهو ومُحرك بحث MSN، وكان غوغل للضعفاء، لمن وصمهم المجتمع بأنهم nerds، geeks أو ما شابه. في ذلك الوقت، انغمستُ في استخدام غوغل بحماسة. كان محطة الانطلاق إلى عوالمٍ لا مُتناهية. كنتُ أكتب عنه في المنتديات الأجنبية، وكتبت عنه في موقعي - قبل أن أُغلِقه بسبب اعتراضي على سياسات ياهو. كُنت أتابع أخباره، وأُحدث قسم Google Vs. Them All في الموقع الخاص بي لأتحدث عن الشركاتِ التي تغلب غوغل عليها، وعن تطور حصته في السوق، وخدماته الجديدة. كانت شركة غوغل الناشئة، المُبتكَرة، والخيّرة محطة وصول الهاربين من عالم مايكروسوفت. ومع شعارها الشهير: "لا تكن شريراً،" كانت المُخلِصَ الجديد لعالم الحوسبة. كما أنها كانت الشركة الوحيدة التي تدعم العربية بشكلٍ لائق.
أتذكر المرةَ الأولى التي أعلنت فيها غوغل عن خدمة جي ميل، والتسجيل المُبكر لاختبارها، ثم الانتظار المُمِض لتاريخ إطلاقها، وبعدها الانغماسُ الجنوني في عملية إرسالِ الدعواتِ وتبادلها على مواقع الإنترنت - في العصر الذهبي للمنتديات. في ذلك الوقت، ظهرت مُشكلة الخصوصية لأول مرة مع غوغل، لأن بريدها العملاق يتجسس على محتوى الرسائل ليُقدم للمُستهلِك إعلاناتٍ تُثير اهتمامه. قالت غوغل إنها تبحث فقط عن (كلماتٍ مفتاحية)، وإنها لا تتجسس على البريد، وصدقتها - كما صدقها الكثيرون. أعني، إنها كلماتٍ مفتاحية فقط! لا شيء مُهم! غوغل لن تخذلنا، ولن تخنقنا بالإعلانات المصورة التي يزدحم بها بريد هوتميل. إن غوغل ليست إلا كُل ما يتمناه المرء في شركة: الأمان، الابتكار، الثقة. غوغل ستدافع عنا. نحنُ نثق بغوغل. نثق بغوغل حتى عندما تستحوذ على خدمة بلوغر، نثق بغوغل حتى عندما تربط الحساب البريدي بعملياتِ البحث، ثم تربط كافة عمليات المُستخدم على النطاقات المملوكة لها باسمٍ واحد. لا يُمكن أن تخون غوغل مُستخدميها لأنها وطنهم الإلكتروني، إنهم يعتنقون فلسفتها، وينشدون اسمها، ويسبحون بحمد سجاياها ليلاً ونهاراً. هذه مُجرد دعاياتٍ كاذبة، إشاعاتٍ مُغرضة من ياهو ومايكروسوفت. تخوض غوغل بضع معارك استعراضية من أجل (خصوصية) المستهلكين، فتزداد الحماسةُ أضعافاً مُضاعفة. الآن، تصيرُ غوغل شركة للأقوياء والمقبولين اجتماعياً. مع مُختبر تطبيقاتها، وخدماتها المُختلفة الجديدة، تصيرُ غوغل عدة النجاة للمُبرمج، ويضمحل مُجتمع Sun Microsystems. تشتري غوغل بضعَ شركاتٍ أخرى. يظهرُ يوتيوب، فتشتريه فوراً. تحاولُ شراء موقع فيس بوك بحماسة، وتُنشئ شبكةً اجتماعية. تُنشئ برامج خرائط ومسحٍ جوي تُمكن المُستخدم من رؤية الأرض كُلها على شاشته. لقد تغوّلَت غوغل.
دق ناقوس الخطر قبل سنواتٍ، والآن نزل البلاء: إن غوغل تهديدٌ حقيقي للخصوصية يفوق تهديد بيل غيتس نفسه. لقد صار لغوغل طائفةٌ تتبعها أشدُ قطيعيةً من طوائف مايكروسوفت وآبل مجتمعة. غوغل الآن تعرفُ عن المُستخدمين أكثر مما تعرف أمهاتهم عنهم. غوغل تملك الرفاهية لتبدأ مشاريعاً خيالية مثل مراقبة الكرة الأرضية عن طريق الأقمار الصناعية، وإنشاء خدمة مزود اتصالٍ بشبكة الإنترنت. غوغل - في عقدٍ فقط - صارت تملك المُستخدمين، وتملك المال، وتملكُ السُلطةَ المُطلقة التي تفوق سلطةَ الشركاتِ الأخرى مجتمعة. لقد صار المُخلِصُ التايتن الجديد.
المُشكلةُ مع غوغل أنها تايتن كُلي الحضور، كُلي العِلم، وكُلي القُدرة. بالنسبة لملايين المُستخدمين في العالم، تعني شبكة الإنترنت غوغل: محرك بحث غوغل، خدمة ترجمة غوغل، بريد غوغل، مدونات غوغل، مجموعات غوغل، إجابات غوغل، متصفح غوغل، ..... انعدام الكيان المادي في تعامل المُستهلِك مع الشركة يجعل الفكاك منها صعباً. إذا أرادَ المُستهلِكُ الطلاق من مايكروسوفت، فما عليه إلا أن يُزيل نظام ويندوز من على جهازه، وإذا أراد الخلاص من HP فإن بإمكانه بيع حاسوبه أو التبرع به. ولحماية بياناته من الاستعادة، فإن بإمكانه تدمير القرص الصلب للحاسوب. مُشكلةُ غوغل أنها لا تُقدم سلعة ملموسة، يُمكن قياس حجمها ووزنها وكثافتها، وتقدير كلفة موادها الخام النقدية، وهامش ربح الشركة، وتوقيع عقدٍ لاستخدامها. مجانيةُ خدماتِ غوغل تجعلها مريبة أكثر: لماذا قد تُقدم شركةٌ ربحية كُل هذا الكم من الخدمات المجانية، وتحصد أرباحاً هائلة؟ أرباح إعلانات غوغل جزء من دخلها، لكنها ليست كل الدخل. هُناكَ مصادرُ أخرى لمداخيل غوغل، ومُعظمها بعيدة عن نظر المُستهلك العادي الذي تُشكِلُ بياناته رأسمال غوغل الأساسي. العلاقة مع غوغل غير قابلة للفصم، فلا يُمكن للُمستخدم أن يُزيل نظام غوغل من حاسوبه، أو أن يُدمِر القُرص الصلب لجهازه ليمنع أي مُتطفلٍ من معرفة أنه كان مولعاً بالأنيمي الياباني في 1997. غوغل تحتفظ بكل بيانات المُستخدِم في خوادمها التي لا يستطيع الوصول إليها، ولا تمحوها بناء على طلبه. حتى لو هاجر المُستخدم من غوغل، فإنها تبقى مُحتفظة بكُل بياناته جاهزة تحت الطلب.
تجهل نسبةٌ كبيرة من مستخدمي الإنترنت اليوم أهمية الخصوصية - أو تتجاهلها. وحجتهم في هذا التجاهل أنهم ليسوا (شخصيات هامة) بحيث تهتم الشركات الكُبرى بأسرارهم. ما يجهله أصحابُ هذه الحجة أن الجميع مُعرضٌ للفضح في عالم غوغل، وأن كُل شيء له عواقبه. إذا تقدم مُراهق اليوم لعملٍ بعد خمسِ سنواتٍ، مثلاً، سيكون بوسع أي شركة أن تطلب معلوماته من غوغل. قد ترفض شركةٌ ما توظيفه بسبب سلسلة من الرسائل الغاضبة تبادلها مع أحد معارفه قبل سنوات، استنتجت منها الشركة أنه سريع الغضب. هُناك كمٌ هائل من الصور والمقالب والحماقات التي يجري تبادلها كُل يوم، ولا يُريد المُستخدم أن يجدها في وجهه بعد سنوات، لكنه لا يملك خيار حذفها. أمرٌ آخر، إن كون المُستهلِك نكرةً اليوم لا يعني أنه سيبقى نكرةً في المُستقبل، وعندها ستُشكِل خلفيته السابقة مادة دسمة لكُل من يرغب في قضم قطعةٍ منه. يقول المُدير التنفيذي لغوغل، إريك شميدت، للمُستخدم ببساطة إنه سيأتي زمنٌ يكون فيه على الشباب أن يُغيروا أسماءهم في المُستقبل لمحاولة النجاة في عالمٍ مُنتَهَك الخصوصية. يربط شميدت الحاجة إلى الخصوصية بفعل أشياء قذرة على الإنترنت، مما يُسيء إلى صورةِ المُطالبين بحماية خصوصية المُستهلِك في أذهان القطيع الغوغلي. ليس ضرورياً أن يكون المُستهلِك متورطاً في نشاطاتٍ غير قانونية، أو مُدمناً للمواد الإباحية على الإنترنت حتى يكون راغباً في حماية خصوصيته. الأمرُ يتعلق بما يصلح للعرض العام، وما يختصُ بدائرةٍ مُحددة من الناس. ليسَ من الضروري أن يعرف أحدٌ بأن فلاناً من الناس لا يطيق ابن عمته، ويُكاتِبُ أخاه المُسافر واصفاً الأفعال المُستفزة التي لا يتوقف عن القيام بها - أخذ أغراضه من دون إذن، تغيير المحطة في التلفاز، الاستحواذ على الوقت المُخصص للعبة إله الحرب على بلايستيشن وتخصيصه للعبة فيفا، ........
مُشكلةٌ أخرى تتعلقُ بعجز كثيرٍ من المُستهلكين اليوم عن التفريق بين الخاص والعام، على فيسبوك كما على غوغل. تشارك الروابط شأنٌ عام، لكن رأي المُستهلك في غباء ابن الجيران ليس مسألةً للعرض على حائطه ليقرأها جميع المُضافين بوصفهم (أصدقاء) له، أو يقرأها كامل مُجتمع فيسبوك - إذا كان مُطيعاً لمارك زوكربرغ ومفهومه عن الخصوصية. هذا أمرٌ غير لائق، أو غير مفيد - إذا صُغنا الأمر بعبارةٍ مُخففة. غياب مفهوم "المسافة الاجتماعية" عند كثيرٍ من المُستهلكين اليوم، وتحول الشركات إلى أنظمة استخباراتية فاشية يجعل من المُستِهلِك عُرضةٍ للخطر من كُل ناحية: اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً وسياسياً.
قبل سِت سنوات، حصلتُ على عنوانٍ من بريد غوغل. كان عملي هذا نتيجة لإيماني بأن غوغل مُستقبلُ الإنترنت المُشرِق. في ذلك الوقت، لم تكن مُصطلحاتٌ ضبابية ومُعقدة مثل "الحوسبة السحابية" قد ظهرت. لم تكن غوغل قد تحولت إلى غول. لكن العلامات كانت قد ظهرت: تقديم غوغل بوصفها ثقافة مُتفردة وأسلوب حياة، استغلال جشع المُستِهلِك الطبيعي لإغرائه باستخدام خدماتها، أسلوبها الاستعراضي في دخول سوق الأسهم، استحواذها على أكبر نصيبٍ في عمليات البحث بشكلٍ جعل مُحرك بحث MSN خارج اللعبة وقضى على بقية مُحركات البحث. رُبما لم أفكر في الأمرِ كثيراً، ورُبما اخترتُ تجاهل العلامات لأنني أحبُ غوغل. النتيجة أنني اليومَ أكتشفُ في أي ورطةٍ وقعتُ مع كُلِ توسعٍ جديد لغوغل. إرسالُ عنواني إلى غوغل للتسجيل في خدمة جي ميل الاختبارية كان أقرب شيء فعلته في حياتي إلى توقيع فاوستس بدمه على ميثاقه مع مِفِستوفِلِس. على الأقل، يستطيع فاوستس الحديث مع مِفِستوفِلِس في المسائل التي تشغله، ويعرفُ جيداً نواياه تجاهه. أنا - في المُقابل - قيدتُ نفسي إلى غولٍ هائل لا أرى منه إلا أقل القليل، ولا أعرف نواياه، لكنني أعرفُ أنه سينتهي بافتراسي، إما عاجلاً أم آجلاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق