23 سبتمبر 2010

عشرة سمبسون

كُنت أمقت مسلسل آل سمبسون بشدة. لهذا المقت أسبابٌ عديدة، فدبلجة المسلسل إلى آل شمشون واستظراف محمد هنيدي ومنى زكي - أم أنها كانت حنان ترك؟ - فوق احتمالي. كذلك، فإن دعايات المسلسل سمجة ولا تُشجِعُ على مُشاهدة أناسٍ صفرٍ يتصرفون بغباء. كان ذلك حتى شاهدتُ حلقةً من المسلسل بالصدفة، فصرتُ من متابعيه الدائمين، لأسبابٍ عديدة - كذلك. يمتاز آل سِمبسون بأنه أفضل هجاءٍ سياسي واجتماعي للولايات المُتحدة الأمريكية وعلاقاتها بالعالم، وبحبكاته غير المتوقعة، والسخرية (السمبسونية) التي تميزه. بعد واحدٍ وعشرين عاماً من العرض المُستمر، فإن آل سِمبسون قد تحول إلى عالمٍ متكامل خاصٍ به.
في سنين متابعتي للمسلسل، تبدلت الشخصياتُ التي تروقني فيه غير مرة، كما تبدلتُ قوائم حلقاتي المفضلة. مع وصول المسلسل إلى الموسم الحادي والعشرين بسلامٍ، فإنني أستطيعُ أن أُسمي قائمة مستقرة - نسبياً - للسمبسون العشرة المفضلين عندي.



1- نِد فلاندرز
أتمنى أن يكون نِد فلاندرز جاري، لكنني لا أريده في أسرتي بميوله المتزمتة. يُمثِل فلاندرز - ذي الأبوين الوجوديين - المسيحي الإنجيلي المُتشدد في المسلسل، لكن شخصيته ليست مُزعجةً بقدر ما تدعو للتعاطف. فلاندرز سامري صالح في أرض سدوم وعامورة، لذلك فإنه يقعُ غالباً ضحية لجيرانه - خصوصاً هومر سِمبسون. ومع طريقته الغريبة في الكلام، وكونه أعسر، وأدبه الجم فإنه نموذج لكل ما تكرهه الطبقة الأمريكية العاملة.
فلاندرز جمهوري - كما هم الإنجيليون عادة - لكنه ليسَ من الجمهوريين الأثرياء مصاصي الدماء الذين يجتمعون في مقر الحزب الجمهوري في سبرينغفيلد (السيد برنز، رينييه وولفكاسل، التكساسي الثري، د. هِبَرت، والكونت دراكولا). وحين تضحك سبرينغفيلد بأكملها منه خفيةً، فإنه يهرُب إلى المدينة المثالية التي يحلم بها الجمهوريون، لكنه غريبٌ حتى في أرض الأحلام، إذ يستهدفه سكان المدينة المثالية بسبب شاربه الذي يرفض التضحية به. مأساة فلاندرز الوجودية أنه آخر في كُلِ مكانٍ يذهب إليه.
رغم تسبب نِد فلاندرز في حالة الأباثية التي يُعانيها قسيس سبرينغفيلد الأب لفجوي لكثرة اتصالاته طلباً (للفتوى)، إلا أنه ليس متديناً شكلياً، ولم يحدث أن تخلى عن إيمانه حتى حينما يتخلى عنه القسيس نفسه. حين ترمله، كشف عن روحٍ شفافة في واحدةٍ من أفضل حلقاتِ آل سمبسون. من تجلياتِ فلاندرز اللحظات التي يكشف عن تعصبه الديني فيها، إذ يُلخِص الخلاف بين البروتستانت والكاثوليك في المسيحية بقوله إنه لا يُمكن أن يتصالح مع الكاثوليك لأنهم "منعونا حقنا المُقدس في الذهاب إلى الكنيسة بشعورنا المُبللة، وهذا حقٌ أبطلناه فيما بعد، لكن لم يكن للكاثوليكيين أن يمنعونا إياه!" ويُعاقب طفليه تود ورود بسبب مشاهدتهما لإعلان غريز أناتومي. وحين يكتشف أن أطفال آل سمبسون لم يتلقوا العماد، فإنه يلجأ لعدة تعميد الطوارئ ليُدخِلَهم المسيحية. (يُضحي هومر ويتلقى العِماد بدلاً عن أبنائه لئلا يصيروا مسيحيين).
في اللحظات التي لا ينشغل فلاندرز فيها بالتعصب الديني، فإنه يكون لطيفاً ومُسالماً وحاضر النكتة. وفي فيلمِ آل سمبسون، فإنه السبرينغفيلدي الوحيد الذي يعاوِن هومر سِمبسون وعائلته، بعد أن يتسبب هومر في تدمير المدينة، ويقرر أهلُ المدينة الفتك به. ومن بين كُل سكان سبرينغفيلد فإنه لا يوجد رجلٌ صالحٌ من الداخل بقدر ما هو نِد فلاندرز، لذلك كان المرشح المثالي للعب دور الشيطان في حلقة الرعب الأولى للمسلسل، ولذلك فإنه أول الضحايا.



2- تشارلز مونتغومري برنز
مونتي برنز جمهوري مثل نِد فلاندرز، وهذا العامل المشترك الوحيد بين الشخصيتين. يُمثِل برنز رجل الأعمال الاحتكاري المتوحش الشرير للشر نفسه. يملك برنز مفاعل سبرينغفيلد النووي - حيث يعمل هومر سمبسون - وثروةً طائلةً يجمعها منذ مئات السنين. لشدة نفوذه، لا يدعو برنز لعيد ميلاده أي رئيسٍ أمريكي يتولى الحكم لفترةٍ واحدة فقط، ولشدة ثرائه فإنه يملك الكأس المقدسة وسيف إكسكاليبر. برنز مُسنٌ جداً، حتى أن رقم خزانته السري عُمره الحقيقي، وفي حلقةٍ من الحلقات فإنه يعزو طول عمره للشيطان. في حلقةٍ أخرى، يُقدم على أنه الشيطان ذاته، وقد سلب أرواح الهنود الحمر.
في كثيرٍ من الأحيان، يعيش برنز في القرن التاسع عشر - أو قبله، ويُعبِر عن عقليته بإنكليزية مُتحجرة يُفضلها على الإنكليزية (الحديثة). إنه لا يزال غاضباً من والدته لأنها كانت على علاقة بالرئيس الأمريكي تافت، ويتبجح بأن قنابله التي صنعها للنازيين كانت تعمل جيداً. وفي كثيرٍ من الأحيان، فإنه يدعو لسيطرة الذكور البيض البروستاتنتيين على العالم. لكن تعلقه بالماضي لا يمنعه من اضطهاد سبرينغفيلد بمُختلف الطرق: مرةً يحجب الشمسَ عن المدينة، ومرةً يتسبب في كارثة بيئية بنفايات مصنعه، ومرةً يحرم المدينة من الأدوية.
يميلُ السيد برنز للُمبالغة قليلاً، ويحبُ تأليف الحكايات وإضافةِ بعضٍ من خيالاته المُتعلقة بالقرون الوسطى إليها. لا يهتمُ بمشاعِرِ من حوله، وفي كثيرٍ من الأحيان فإنه يجهل ما يدور حوله تماماً. في أحيانٍ أخرى، يتقمص دوراً ويستحيل عليه أن يخرج منه. ورغم أنه شرير محض، إلا أنه واهنُ القوى حتى أن ماغي - طفلة آل سمبسون الرضيعة - تغلبت عليه غير مرة، بل إن نملةً تمكنت من إلقائه أرضاً حين حاول أن يدوس عليها. لذلك، يعتمد غالباً على تابعه الأمين - الذي يحبه سراً - ويلون سميذرز في كُل شؤونه المعيشية.
إذا كان فلاندرز الخيرَ في سبرينغفيلد، فإن السيد برنز الشرُ المُطلق. إنه ثري، مُسن، قبيح، ولا يُقاوَم. ويجمع مسلسل آل سمبسون الشخصيتين معاً بطريقةٍ لماحة، فحين يحاول فلاندرز إخراج أفلامٍ مستوحاة من الإنجيل، يعجز عن إيجاد التمويل، وبعد أن يُشارِف على اليأس يخفُ برنز لنجدته، لأن القصص الإنجيلية مليئة بكل أنواع العُنف والتعذيب. طبيعةُ فلاندرز الرقيقة تحجم عن المبالغة في تصوير التعذيب، لكن برنز يُجبره على ذلك: "إنه في كتابك! كُلّهُ في كتابك!".



3- سيمور سكِنَر
ذهب المدير سكنر إلى فيتنام مُحارباً، وظل يتذمر بخصوص ذهابه إلى هُناك لسنين - كما ترى والدته. سيمور سكِنر الذي يعيش مع أمه الشريرة المتزمتة مدير مدرسة سبرينغفيلد الابتدائية وعدو بارت سمبسون اللدود. سكِنَر ابن أمه المظلوم، فأمه تضطهده بشدة وتمنعه من أن يعيش حياة اجتماعية سليمة، والمُشرف تشالمرز يضطهده في المدرسة بشدة ويعايره بأنه مديرٌ بديل منذ ثلاثين عاماً، وحبيبته الوحيدة إدنا كرابابل لا تطيقه في كثيرٍ من الأحيان.
المدير سكِنَر نموذجٌ للشخص الذي يدعو للرثاء لأنه لا يملكُ أملاً في المُستقبل، ولا يستطيع أن يفعل شيئاً لتغيير وضعه. مع ذلك، فإن لشخصيته نواحي إيجابية، إذ أنه يسعى لتعليم تلاميذه بكُل الطُرِق المُمكنة. وحتى حين ينقطع الدعم الحكومي عن مدرسته، فإنه يصطحب الطلاب في رحلةٍ ميدانية لموقعٍ تاريخي ليختلسوا النظر من وراء الأسوار - قبل أن يكتشف مشغلو الموقع الطلاب الذين يحاولون التعلم (مجاناً) ويطاردوهم. كذلك، يؤجر جزءاً من المدرسة لسجن سبرينغفيلد من أجل توفير النفقات، ويحارب العمدة ومجلس المدينة لإيجاد تمويلٍ للفنون، ويحاول حماية ليسا سمبسون بكل الطرق لأنها التمليذة الوحيدة التي تُبقي المدرسة مُعتمدة.
أحياناً، يكون المدير سكِنَر الشرير بحكم وظيفته، لكنه مستعدٌ للمخاطرة بوظيفته حتى من أجل حماية تلاميذه، وحين يفقدون الأمل فإنه يُقدم لهم العون من حيث لا يعرفون. في الفترات التي يُفصَلُ فيها من المدرسة، فإنه يكون الصديق الأول لتلاميذه، وغالباً ما يعيدونه إلى منصبه لأنه الوحيد الذي يعرف أسماء جميع الطلاب وخلفياتهم الاجتماعية والمعلومات المدونة في سجلاتهم الدائمة.
سكِنَر ليسَ شريراً، وليس خيراً بالمُطلق. إنه رجلٌ غسل المجتمع يديه منه، ويحاول فعل الصواب بأي طريقةٍ مُمكنة. مشكلةُ سكِنَر مع سبرينغفيلد تختلفُ عن مشكلة فلاندرز مثلاً، ففي حين أن فلاندرز ممقوتٌ لأنه رجلٌ تقي، فإن سكِنَر ممقوتٌ - غالباً - لأنه رجلُ علمٍ عقلاني، يتحدى مفاهيم سبرينغفيلد العلمية العائدة للقرون الوسطى. وفي واحدةٍ من أفضل لمحاتِ المسلسل، يوشك أهل سبرينغفيلد على إحراقه لأنه قال إن الأرض تدور حول الشمس.



4- سيدة القطط المجنونة
كانت سيدة القطط المجنونة فتاة طموحة جداً اسمها إليانور أبرناثي، حصلت على إجازة في القانون وفي الطب، وجمعت بين الوظيفتين لوقتٍ طويل، حتى ظهرت عليها أعراض الاستنزاف الروحي. في النهاية، التجأت إلى الكحول، وتحولت إلى تكديس القطط. هذه القصة الخلفية لسيدة القطط المجنونة التي لا يعرفها الكثيرون. رغم أن سيدة القطط المجنونة شخصية ثانوية، ولا تتدخل في حبكاتِ المُسلسل، إلا أن ظهورها مسلٍ كثيراً، خصوصاً مع أفعالها المجنونة وقططها والهراء الذي تهدر به. في المرات القليلة التي تقول فيها سيدة القطط كلاماً مفهوماً، فإنه يكون كلاماً على درجةٍ عالية من الثقافة. سيدة القطط المجنونة واحدةٌ من أكثر الشخصيات إثارةً للحزن بسبب المصير الذي انتهى إليه طموح إليانور، وتظهر بوصفها تحذيراً من مجتمعٍ عقلاني لا يرحم، يستهلك طاقة الإنسان الروحية. مع ذلك، تبدو سيدة القطط المجنونة أفضل حالاً في جنونها، لأن أغلال المُجتمع العقلاني قد زالت عنها. رُبما تكون التمثيل الأصح لعبارة: "من الجنون ألا تُجَن." وتصويراً صريحاً لعصرِ رُهابِ الجنون. (يُرسَلُ نِد فلاندرز إلى مصحة مجانين، ويُحاكَمُ مونتي برنز على أنه مجنون، ويوصمُ هومر سمبسون بالجنون لوقتٍ طويل، وتُسلِمُ ليسا سمبسون نفسها طواعية لمصحة عقلية.)



5- إدنا كرابابل
معلمة الصف الرابع الابتدائي في مدرسة سبرينغفيلد الابتدائية. يصفها بارت سمبسون بأنها "ليست أفضل مدرسةٍ في العالم، لكنها تحضر إلى الصف مهما تكلف الأمر." تُدخِن إدنا لتتغلب على إحباط وظيفتها المُرهِقة ذات الأجرِ المُنخفض، وتلعبُ بشخصياتٍ عدوانية في ألعابِ الإنترنت متعددة اللاعبين. تواعد المدير سكِنَر من حينٍ لآخر - لنقص الرجال في سبرينغفيلد - وكادت تتزوجه مرة. كذلك، تزوجت من رجل المجلات الهزلية في مؤتمرٍ للشخصيات الهزلية.
رغم أنها مُحبطة ومكتئبة، إلا أن إدنا كرابابل قويةٌ للغاية. وتتزعم المعلمين الآخرين ضد المدير سكِنَر والمُشرف تشالمرز. وفي النهاية، فإنها تهتمُ حقاً بمصلحة طُلابها، بمن فيهم بارت سمبسون ونِلسون متنز الذين يقول سجلهما الدائم أنهما سينتهيان مجرمين. إدنا كرابابل نموذجٌ للإحباط - في مواجهة الآنسة هوتن المتذاكية، معلمة الصف الثاني - والتسليم بأنه لم يعد في الحياة ما يُجدي. الخاصية المشتركة بينها وبين سيمور سكِنَر تعرضهما للإحباط والقمع، وتغليبهما مصلحة الطلاب على مصلحتهما الذاتية، لكن أكبر فارقٍ بينهما عدم اكتراثها بالمجتمع. إنها تحتقر محاولاتِ سكِنَر لجعل الأهالي يهتمون بأولادهم، وتحتقر محاولاته لتثقيف المجتمع، وتؤمن بسخفِ النشاطات المدرسية، وبسخف النشاطات الاجتماعية عامة. ورغم أنها تحضر إلى المدرسة مهما كلف الأمر لتواصل دحرجة الصخرة السيزيفية، إلا أنها لا تفعل هذا بالإجبار، بل بالاختيار. إدنا كرابابل تختارُ حياة المستنقع في مجتمعٍ يمتص طاقة الإنسان الروحية، لأنها تؤمن أن وجود الإنسان نفسه عبثي.



6- التكساسي الثري
يظهر التكساسي الثري ليقول جملة واحدة - غالباً - ثم يتبعها بإطلاق الرصاص عشوائياً من مسدسيه صائحاً: "ييها!". حين أقنع مارج سِمبسون بالاحتفال بطريقته، اتضح أن له طريقة في رفع المسدسات وإطلاق الرصاص مع الصرخات، وأن فن إطلاق الرصاص في الجو لا يصلح لكل من هب ودب. التكساسي الثري واحدٌ من شخصيات آل سمبسون التي لا تحمل اسماً، ولكنها تنتمي إلى منطقةٍ مُحددة. على الرغم من أن التكساسي الثري ليس من سكان سبرينغفيلد الأصليين - ولا تعود أصوله إلى تكساس حقاً، إلا أنه عضوٌ ذو نفوذ في فرع الحزب الجمهوري في سبرينغفيلد - مع أن عمدة سبرينغفيلد الدائم هو الديموقراطي جو كويمبي - ويملك فريق سبرينغفيلد للبيسبول، ويملك عدة قنواتٍ تلفزيونية يفرضُ من خلالها ذوقه المبهرج وميله لإطلاق الرصاص على كُل ما يتحرك. التكساسي الثري ليس شريراً محضاً مثل السيد برنز، وليس أباثي الميول مثل د. جوليوس هِبَرت. إنه ببساطة ريفي ثري ومسن يعتقد أنه لم يعد هُناك رجالٌ في أمريكا.



7- مارج سِمبسون
مارج سِمبسون الفردُ الوحيد العاقل في عائلة سمبسون، وواحدة من أعقل الشخصيات في المسلسل. تتحمل بصبر حماقات زوجها هومر، وشيطنات ابنها بارت، وشطحات ابنتها ليسا، وتحمل ابنتها الرضيعة ماغي طوال الوقت. تُعامِل مارج جيرانها بُلطفٍ، وتحل كل المشاكل ببعض الطعام اللذيذ. لكن اللحظات التي تُجنُ فيها تتحول إلى أفلام رُعب: ينتهي رُهاب الأماكن المفتوحة الذي كانت تعانيه بتحولها إلى كتلة عضلات تُدمر حانة مو تماماً وتنشرُ الخوف في بيتها، وينتهي بيعها للأدوات المستعملة في منزلها إلى اتجارٍ بالمخدرات يقودها إلى سجن الولاية. في فترة ما، تُدمِنُ على القمار.
مارج اجتماعيةٌ وصبورة، غير أن أهل سبرينغفيلد يمقتون اقتراحاتها الغريبة مثل التحول لاستعمال النظام المتري، أو إصلاح الطرقات المدمرة في المدينة. رغم ذلك، فإنها تتحول إلى مصدر عزاء سبرينغفيلد بعد أن تأخذ مكان الأب لفجوي وتُصغي لشكاوى الرعية، مُقدمةً لهم حلولاً عملية لمشاكِلهم. بسبب صبرها، وميلها إلى كتمان كُل شيء بداخلها، تعاني مارج من عدة اختلالاتٍ نفسية، منها ميلٌ مرضي للقمار والكحول، وعدة رُهابات من الطيران وانتقاد الجيران. وبسبب مراعاتها للمظاهِر الاجتماعية، فإن تحول ابنها بارت للكاثوليكية يُرعبها ويحولها إلى التعصب الديني - منظمة إلى الأب لفجوي ونِد فلاندرز - إذ أنها لا تريد لابنها أن يذهب إلى الجنة الكاثوليكية البعيدة عن الجنة البروتستانتية. ومع جنونها بسبب تحول ابنها بارت إلى الكاثوليكية، إلا أن تحول ابنتها ليسا إلى البوذية لا يخيفها. في داخلها، تخاف مارج النساء الذكيات - مثل ابنتها - ويهمها كثيراً ألا يحتقرنها. إن كُل إنجازٍ نسوي يُشعرها بالضعف والتهديد، ويخيفها كثيراً أن تجد نفسها امرأة مسنة متروكة في مُجتمعٍ تنافسي للأذكياء فقط، لذلك فإنها تحاول أن تُثبت قدرتها على البقاء في مجتمعِ النخبة، فتكتب روايةً - تسبب فضيحة في سبرينغفيلد - وتنظم مهرجاناً للأفلام وتصنع منحوتات خشبية وتدير نادياً للكتب. مارج سبمسون ربة بيتٍ يائسة قبل ربات البيوت اليائسات بزمنٍ طويل.



8- فات توني والمافيا الإيطالية
كُل تناولٍ فكاهي للمافيا جذاب، وفات توني زعيمُ المافيا الإيطالية التقليدي: يُخلص لذكرى زوجته الميتة ويحاول أن يعيش ابنه مايكل حياة طبيعية، يُمارس أعمال المافيا المُعتادة تحت ستار التخلص من القمامة، ويقوم بعمله تحت أنف الشرطة من دون أن يحاول أحدٌ إيقافه. يتآمر فات توني وأتباعه كثيراً تحت نافذة ماغي سمبسون، وتقدم لهم مارج سبمسون عصير البرتقال من حينٍ لآخر. واحدٌ من أتباع فات توني مزموم الشفتين حتى أنه يرفض أن يقول أين أصيب، والآخر واشٍ حتى أنه يشي بنفسه، لكنهم جميعاً يشاركون في المناسبات الاجتماعية مع فات توني.
لا يستطيع فات توني أن يقول شيئاً من دون أن يفسره أتباعه على أنه أمرٌ بالقتل، ويلتقي دورياً بقادة المافيا الآخرين ليقوموا بتصفيةِ بعضهم البعض. (في واحدةٍ من الحلقات، يُجنُ جنون رئيس جمعية "مكافحة تشويه سمعة الشخصيات الإيطالية" بسبب المافيا الإيطالية ودورها في تخليد صورة الإيطاليين بوصفهم أعضاء فيها، فيفتح النيران على جميع أعضاء المافيا في المكان). ويدخل في علاقةِ عملٍ مع الكثير من شخصيات سبرينغفيلد - ليس بينها السيد برنز - إذ أنه يُساعد العُمدة كويمبي على تخدير الناخبين بالكحول، ويُبقي برغر كنغ وماكدونالدز بعيداً عن سبرينغفيلد لصالح كرستي المهرج وسلسلة مطاعم كرستي برغر التي يملكها، ويبتز مو سيزلاك - مالك حانة مو - مقابل الحماية.
يعمل فات توني وأتباعه - غالباً - في خلفية المشهد، ويوفرون أفضل ما تعرضه الأنماط السائدة من فكاهة. فات توني ليس شريراً - رغم كل أعمال القتل التي يتورط فيها - لأنه ربُ أسرةٍ صالح، وجارٌ يهتمُ بمصلحةِ جيرانه، ورجلٌ مجتمعٍ مُحسِن. إنه يعمل فقط في مجالِ التخلص من النفايات البشرية، وأعمالهُ توفِر فرصةً للجميع ليكسبوا عيشهم. يحبُ فات توني أن يرى نفسه بوصفه حافظاً للنظام لا مُدمراً له.



9- سايدشو بوب
إذا كان السيد برنز الشرير المحض، وفات توني الشرير الضروري لحفظ النظام، وسنيك المجرم الاعتيادي، ود. جوليوس هِبرت الشرير الأباثي، فإن روبرت أندردرنك ترويلغر الشهير باسم "سايدشو بوب" الشريرُ الثقافي - إن صح التعبير. سايدشو بوب خريج جامعة ييل، وعضوٌ في الحزب الجمهوري، وعبقري - كما يرى نفسه - يُمثلُ صورةً متطرفة لرموز الثقافة النخبوية التي تحتقر كُل ما هو شعبي. رغم ذلك، بدأ سايدشو بوب حياته مساعداً للمهرج كرستي في برنامجه التلفزيوني - ومن هنا جاء اسم سايدشو بوب - ومن ثم اتجه للإجرام محاولاً توريط المهرج كرستي في جريمة سطو مسلح. بعدها تزوج من سيلما بوفييه - أخت مارج سمبسون - وحاول اغتيالها فدخل السجن بتهمة الشروع في القتل. (استبدلهُ كرستي بعدها بسايدشو مِل الذي يبدو مثقفاً هو الآخر، ولعل كرستي - شبه الأمي - يُحب استعباد مثقفي النخبة للتعويض عن شعوره الذاتي بضعة الثقافة).
ليسَ كرستي عدو سايدشو بوب، وإنما بارت سِمبسون الذي أفسد عليه مخططاته الإجرامية. في كثيرٍ من الحلقات، يحاول سايدشو بوب قتل بارت سمبسون، ويرسم لذلك خططاً ذكية تفسد لأسبابٍ سخيفة. العداء بين سايدشو بوب وبارت سمبسون قد يُفهم على أنه العداء المجازي بين ثقافة النُخبة وبين ثقافة الطبقة العاملة، ففي حين أن سايدشو بوب مثالي وكاره للبشر وطبقي، فإن بارت سبمسون عملي ولا يثق بالبشر - وإن كان يحبهم - ولا يؤمن بالنظام الطبقي. مع ذلك، ينجح سايدشو بوب في الهروب من السجن غير مرةٍ مستخدماً ثقافته الرفيعة لإشعار الآخرين بالضعة، ويصير عُمدة سبرينغفيلد لفترة - ثم يضيف تهم تزوير الانتخابات إلى التهم التي يقبع في السجن بسببها. مرةً يُهدد سايدشو بوب بتفجير سبرينغفيلد إن لم تتخل عن التلفزيون، ومرة يوشك على تدمير سد المدينة بسبب خلافٍ بينه وبين أخيه سيسيل. يهرب إلى إيطاليا ويصير عمدة مدينة فيها لفترة قبل أن ينكشف ماضيه الإجرامي.
تُمثِل ليسا سمبسون المثقف المعزول بعيداً عن المجتمع بسبب شطحاته المثالية، بينما يُمثل سايدشو بوب المثقف المصاب بجنون العظمة، والذي يُريد تغيير العالم بأكمله ليوافق صورته المثالية للثقافة. عداؤه الشديد لأسس المجتمع الثقافية يُبقيه في السجن فتراتٍ طويلةٍ - بينما يُعتقَل السيد برنز، وفات توني، وسنيك لفتراتٍ قصيرة جداً - لأن المُجتمع غير قادرٍ على تحمل نواياه العدوانية إزاء ثقافته. ازدراء سايدشو بوب للثقافة الشعبية يصلُ إلى حدِ العنصرية. فشل سايدشو بوب الدائم في تحقيق نواياه يعود لطبيعة الثقافة النخبوية الاستعلائية والانتقائية، ولاستحالة ذيوعها الذي سيُفقدها نخبويتها، ولأنها مُنفصلة تماماً عن السياق المجتمعي. مع ذلك، يستمر سايدشو بوب في مساعيه السيزيفية لأنه - مثل كل شخصيات آل سمبسون - مربوطٌ إلى عجلةٍ قدرية لا يستطيع منها فكاكاً.



10 - رجل المجلات الهزلية
يوفرُ رجل المجلات الهزلية مدخل آل سمبسون الوحيد - تقريباً - إلى عالمِ ثقافة الطوائف، فصاحبُ محل "زنزانة شبيهات البشر" للمجلات الهزلية ومنتجات ثقافات الطوائف رجلٌ بدينٌ لا أصدقاء له يملك معرفة موسوعية بكُل نواحي عوالم الأبطال الخارقين وخبرة بكل العلامات التجارية التي تجمع حولها الأتباع بشكلٍ شبه ديني. (من ذلك أنه مستخدمٌ قديم لأجهزة آبل). اسمه الحقيقي جِف آلبرتسُن، ولا يبدو أن أحداً يعرف هذا الاسم لشهرة لقبه: رجل المجلات الهزلية.
يعي رجل المجلات الهزلية حاله بوصفه رجلاً لا أصدقاء له، ولا يملك فرصةً في القبول الاجتماعي ويتقبل وضعه ببساطة - مثل معظم شخصيات المسلسل. حينما تضرب كارثة سبرينغفيلد، يقول لنفسه: "لقد أمضيت حياتي جامعاً المجلات وصور الشخصيات، ولم أفعل شيئاً آخر. مرحى! لقد كانت حياة رائعة!" إنه راضٍ بما هو عليه، ولا يرغب في تغييرِ ما يفعله، وحتى حين يملك الثروة والشهرة، يُصِرُ على إفساد الفيلم القائم على قصته باختيار هومر سمبسون لأداء الشخصية الرئيسية. لقد تعب من الأبطال الخارقين، ويريد رجلاً بديناً عاطلاً ليقوم ببطولة فيلمٍ عن القدرات الخارقة.
رجل المجلات الهزلية أباثي وسليط اللسان، وتظهر سعة اطلاعه في سخريته. إنه رجلٌ سعيد لأنه يعيشُ في عالمٍ يملك جميع مفاتيحه، ويمضي أيامه كما يحلو له. ورغم أنه يعي وضعه بوصفه منبوذاً اجتماعياً، إلا أنه يحول نبذه إلى رفضٍ تامٍ للمجتمع الذي لا يتعامل بقيمه الشخصية. ومثل إدنا كرابابل، يعتقد إنه لا جدوى من وجود الإنسان على الأرض، لذلك فإنه يستبدل البشر بعالمٍ من "شبيهات البشر" التي تعيش في عالمٍ أكثر إثارة للاهتمام من العالم (الحقيقي) الراكد.

هناك تعليقان (2):

  1. المسلسل الامريكي بالانجليزي

    رائع

    انا اعشقه

    تحياتي المنتظمة

    ردحذف
  2. إذا أمعنى التأمل في شخصيّات مسلسل ’’آل سيمبسون‘‘ وشخصيات مجتمعاتنا فسنجد فروقٌ طفيفة بإستثناء (هومر). إن المسلس الذي أتابعه دائماً مُترجماً للعربية علي قناة (إف إكس) دائماً ما يُعَد بالنسبة لي نظرة تقريبية للعالم الأمريكي.

    تحياتي،
    http://amroismaielblog.blogspot.com

    ردحذف