18 يوليو 2008

نصائح!

الكتابة عن التدوين كالكتابة عن الأدب، حديثٌ عن أشياء تحدث فيها الجميع من قبل دون أن يقولوا شيئاً، لكن الملل شيطانُ مريد يقود المرء إلى الكلام فيما لا يُفيد الكلام فيه ولا يحسُن، وللمرء أهواءٌ غريبة تُقرئه ما لا يُقرأ عن التدوين والمدونات في كل مكان.

لتكون مُدوناً ناجحاً:
تنتشر على الشبكة مواضيع كثيرة لمدونين ومنظرين كُثر في موضوع التدوين الناجح، وانتقلت هذه البدعة إلى المدونات العربية التي تقصف قارئات الخلاصات بالوصايا المليون للتدوين، والوصفات الخاصة للنجاح - ولعمل مربى المشمش -. من غير المستبعد أن يظهر الدكتور س ص على إحدى الفضائيات المتفرخة ليتحدث - بابتسامة عريضة - عن دور البرمجة اللغوية العصبية NLF - والاختصار ضروري حتى لو لم يُجِد المتحدث الإنكليزية - في تطوير المدونات وانعكاس ذلك على حياة الإنسان ونجاحه في تحقيق أهدافه ووصوله إلى حالة السعادة التامة - والإنسان دائم السعادة غبي بالضرورة -، أو أن يظهر الشيخ س بن ص على واحدة من الفضائيات الآخروية ليرعد ويزبد ويدعو بالويل والثبور وعظائم الأمور على المدونين الخاسئين، أو أن يظهر زميله الشيخ س بن ص 2.01 على واحدة من القنوات الإخبارية ليدعو الناس (بالحكمة والموعظة الحسنة) إلى استخدام التدوين لنصرة دين الفطرة.
لتكون مدوناً ناجحاً: اشرب الحليب كل يومٍ صباحاً، واسمع كلام والديك، ولا تتكلم في الفصل.

إنها الميديا!
طبعاً، لا بُد أن تركب الميديا الموجة، فالناس تريد أن (تسترزق)، لذا تكتب معظم الجرائد والمجلات عن المدونات مقدمة مدونات اختارها معدو التقارير بعشوائية كنماذج لعالم التدوين كاملاً، ولا يسكت التلفاز أبداً، فتمتلئ قنواته الإخبارية - وغير الإخبارية أحياناً - ببرامج من قبيل: "أزمة التدوين في بوركينا فاسو!" يستضيفون فيها مدونين عشوائيين من تشاد وأوغندا ليتحدثوا عن سبب عدم تخلي روبرت موغابي عن الرئاسة مع أنه بلغ الرابعة والثمانين وآن له أن يطلب (حُسن الخاتمة)!

قطيع:
أجمل مبادئ التدوين وأكثرها بساطة الفردية، لكن سلطة القطيع تمتد إلى المدونات، فيُصر المدونون على الانتماء إلى قطيع: مدونات واق واقية، مدونات نظيفة - تستخدم فيري التوفيري -، مدونات غير نظيفة -تستخدم سائل التظيف الآخر-، مدونون من أجل حقوق القطط في أكل ويسكاس، اتحاد مدوني الكاتلكس!

رب عملك المستقبلي:
واحدة من نصائح التدوين المشهورة أن تكتب لرب عملك المستقبلي، فتتجنب أي مواضيع خلافية، وتعرض وجهات نظرٍ مدرسية هادئة في شؤون عالمية - لتكشف أنك مثقف - فتحصل على وظيفة ما كان ليمنحك إياها لو أنه قرأ في مدونتك ما ينم عن كونك ثائراً، أو صاحب وجهات نظر خلافية، أو ذا اهتماماتٍ غير لائقة - حسب منظور رب عملك المستقبلي - فربما تكون من أنصار ريال مدريد ويكون رب عملك من أنصار برشلونة!

الدائرة المقدسة:
ظاهرياً، فإن الدائرة المقدسة هي نقيض رب عملك المستقبلي، لكنهما، في حقيقتهما، مجرد اسمين لجوهر واحد هو القطيع المقدس. أنت مُعجب بجماعة مدونين مشاهير يؤلفون بينهم نظاماً، تُريد أن تدخل الدائرة، فتحول نفسك إلى نسخة عنهم. تفكر دائماً: ماذا سيكون رأيهم؟ وتكتب حسب آرائهم!

GO BIG:
لا يُهم أبداً كونك غير قادرٍ على كتابة جملةٍ بالفصحى، أو اعتقادك أن التاء حرف جر وبت اسم مجرور وعلامة جره السكون في الآية: "تبت يدا أبي لهبٍ وتب"، اكتب عنواناً كبيراً خادعاً لمدونتك: "مدونة الفكر"- بأل التعريف طبعاً، وليس بدونها! نحن لا نلعب! -، ولا يهمُ بعدها أن تتحدث المدونة عن طرق طهي العجة والهدف المشكوك فيه لمصلحة منتخب إيطاليا. لا شك أنك عبقري وتحوي كل علوم الدنيا في عقلك، فتفتح "مدونة الفلسفة" لتسب معارفك، أو تبدأ مدونة "العقل والحضارة" لتسرق فيها مواضيع مسروقة من منتديات مستنسخة. اكذب على نفسك وقل إنك مفكر: ستصدق الكذبة، وسيصدقها الجميع بالتبعية، وفي غمضة عين ستصبح: (الأستاذ) و(المفكر).

لا شيء أثقل على النفس من نصيحة لم تطلبها.

هناك تعليقان (2):

  1. أتابع المدونة من أول يوم صرت فيه مدوناً.
    وأذكر أن المقال - واسمحي لي بأن أقول مقال - عن ستيفن كينج ورولينغ.

    لم أجد في نفسي الشجاعة لخط أي كلمة عندك لأنه وبكل بساطة أجد أن ما أكتبه سيشبه وإلي حد كبير الهراء الذي تقرأيه الأن.

    قرأت عن المدونات كثيراً والأدهي أني كتبت عنها في مدونتي وأحضّر مجموعة بوستات أخري في نفس الموضوع.

    ولكن بعد ما قرأت أعتقد أنه الأسلم لي أن أضع لينك مقالتك في بوست عندي يتكلم عن المدونات.

    تحياتي
    أسامة

    ردحذف
  2. أهلاً، أسامة..
    ما كتبته يسرني كثيراً، ويبعث على الشعور بالفخر والتواضع في الآن ذاته. أشكرك جزيلاً على إطرائك الرقيق للمدونة.

    ما أقرأه الآن ليس ما وصفت، طبعاً.

    فيما يتعلق بقواعد وأدلة التدوين، أعتقد أن قاعدة التدوين الوحيدة - إذا جاز أن نسميها قاعدة - أن تكون المدونة مساحة حُرة يمارس فيها المرء أفعاله الحرة وقراراته، متحملاً المسؤولية الكاملة عنها، كما هي الحياة نفسها.

    سأقرأ ما ستكتبه عن المدونات - بإذن الله -، وأتمنى لك كُل التوفيق في التدوين.

    تحياتي

    ردحذف