لم أقرأ شيئاً يتعلق بمحمود درويش مُنذ وفاته، ولكل امرئٍ حُزنه. غير أن المواد عنه تصلني بالقوة، حتى أنني أفكر في أن فايرفوكس، الذي يحمل إلى المرء كُل شيء دون أن يتصفح حتى، نقمةٌ بقدر ما هو نعمة.
هذا مُبدعٌ آخر قد رحل، وفرصةٌ جديدة سنحت لنهش لحمه قبل أن يستقر في قبره. مُناسبةُ وفاته فرصةٌ (سعيدة) لاتهامه بالكفر والعمالة والخيانة، وبأنه ليس شاعراً!
- يُزعجني الجهلة حين يظهرون في مُناسبات الوفاة ليبدوا (رأيهم) في إبداعاتِ شخصٍ لم يسمح لهم جهلهم بأن يسمعوا عنه من قبل مهما بلغت شهرته، فيصفونها بأنها (دون المستوى) أو (رديئة) أو ينفون عن الراحل صفة الإبداع من الأساس! -
اليمين واليسار، التيار الديني الأصولي والتيارالملحد الأصولي، الشيوعيون والرأسماليون، كُلهم يتفقون في إفلاسهم الأخلاقي الفاحش ولا يفوتون مناسبة لإظهاره كمن يتلذذ بعرض عاهته ليستفز عواطف الناس أو ليظفر بالانتباه. مثلهم أولئك الذين يتساءلون عند وفاته بشكلٍ سخيفٍ: هل نُحبُ محمود درويش أم نكرهه؟ كمن يفتح مدونةً ليستشير عابري سبيل لا يعرف عنهم شيئاً: هل أتزوج هذه الفتاة أم لا؟ أشخاصٌ وصلوا من الخواء الفكري والروحي حداً جردهم من كُل معنى وحولهم إلى مجرد فقاعاتٍ منتفخة تتغذى على تفاهاتِ أشخاصٍ لم يجدوا في حياتهم ما يفعلونه خيراً من انتظار موتِ أديبٍ ليفتحوا أشداقهم المسعورة على آخرها.
هُناك أشخاصٌ يبدو أن حياتهم قد توقفت على قضيةٍ واحدة، منع الناس من التعبير عن حزنهم على محمود درويش - وكُل امرئ يحزن كما يشاء -، بعضهم بالسخرية من فكرة الحزن على رحيل شخصٍ لم تربط قراءه به غير قصائده التي لن ترحل برحيله، وبعضهم بآياتٍ وأحاديثٍ تحط من قدرِ الشعراء، وتجعل الحُزن عليهم موبقة توجب دخول جهنم. الأخيرون يذكرونني برحيل إدوارد سعيد قبل سنوات. كُنت في المدرسة الثانوية وقتها، ولم يكن أحدٌ في المدرسة يعرف سعيداً باستثناء معلمَينِ فلسطينيَين. لم أقل شيئاً، لكن مزاجي ظل حزيناً لفترةِ. شجنٌ غامض لم يُبارحني عند الرحيل أبداً، جدده رثاء درويش لصديقه بقصيدته "طباق" - التي تُرجِمَت إلى الإنكليزية ترجمةً غير موفقةٍ، ثُم (تُرجمت) مُجدداً إلى العربية فأصبحت شيئاً لا علاقة له بدرويش، أو بالشعر من الأساس -. ثُم تذكروا فجأةً رحيل إدوارد سعيد في الإذاعة المدرسية - في محاولة لاسترضاء أحد المدرسين الفلسطينيين -، فتحدثوا عنه حديثاً غير موفق، وبطبعي الذي لا يعرف السكوت حين يحسن السكوت صححت الكثير من المعلومات عنه. تعرضتُ لاستجواباتٍ كثيرةٍ وُجِدَ منها أنني شعرتُ بالحزن حقاً لرحيل سعيد. لم يكن عليهم أن يتحروا عنه وقتها، فالحزن على شخصٍ اسمه الأول إدوارد، وتمني الرحمة له أمران يوجبان العقاب الأبدي في جهنم لو مِتُ دون أن أتوبَ عن هذه المعصية. - والعُمر يجري، وأنا لم أتب بعد! -
(يُضحكني من يسألُ عن السبب في مقتي للمدرسة، معسكرُ اعتقالٍ يُديره آمون غوث كان ليكون مكاناً أفضل بكثير).
عرضُ العاهاتُ العقليةِ أمرٌ، ومنعُ الناسِ من الحُزن أمرٌ آخر. كِلاهُما دليل على انعدام الأخلاق، وعلى أدنى قدرٍ من الإنسانية يكاد يتحول حيوانية محضة، لكن الأخير اعتداءٌ غاشم على حقوقِ آخرينَ في الإنسانية، وكأن القطيع المتوحشَ يُريد أن يحول الجميع مسوخاً مثله.
هذا مُبدعٌ آخر قد رحل، وفرصةٌ جديدة سنحت لنهش لحمه قبل أن يستقر في قبره. مُناسبةُ وفاته فرصةٌ (سعيدة) لاتهامه بالكفر والعمالة والخيانة، وبأنه ليس شاعراً!
- يُزعجني الجهلة حين يظهرون في مُناسبات الوفاة ليبدوا (رأيهم) في إبداعاتِ شخصٍ لم يسمح لهم جهلهم بأن يسمعوا عنه من قبل مهما بلغت شهرته، فيصفونها بأنها (دون المستوى) أو (رديئة) أو ينفون عن الراحل صفة الإبداع من الأساس! -
اليمين واليسار، التيار الديني الأصولي والتيارالملحد الأصولي، الشيوعيون والرأسماليون، كُلهم يتفقون في إفلاسهم الأخلاقي الفاحش ولا يفوتون مناسبة لإظهاره كمن يتلذذ بعرض عاهته ليستفز عواطف الناس أو ليظفر بالانتباه. مثلهم أولئك الذين يتساءلون عند وفاته بشكلٍ سخيفٍ: هل نُحبُ محمود درويش أم نكرهه؟ كمن يفتح مدونةً ليستشير عابري سبيل لا يعرف عنهم شيئاً: هل أتزوج هذه الفتاة أم لا؟ أشخاصٌ وصلوا من الخواء الفكري والروحي حداً جردهم من كُل معنى وحولهم إلى مجرد فقاعاتٍ منتفخة تتغذى على تفاهاتِ أشخاصٍ لم يجدوا في حياتهم ما يفعلونه خيراً من انتظار موتِ أديبٍ ليفتحوا أشداقهم المسعورة على آخرها.
هُناك أشخاصٌ يبدو أن حياتهم قد توقفت على قضيةٍ واحدة، منع الناس من التعبير عن حزنهم على محمود درويش - وكُل امرئ يحزن كما يشاء -، بعضهم بالسخرية من فكرة الحزن على رحيل شخصٍ لم تربط قراءه به غير قصائده التي لن ترحل برحيله، وبعضهم بآياتٍ وأحاديثٍ تحط من قدرِ الشعراء، وتجعل الحُزن عليهم موبقة توجب دخول جهنم. الأخيرون يذكرونني برحيل إدوارد سعيد قبل سنوات. كُنت في المدرسة الثانوية وقتها، ولم يكن أحدٌ في المدرسة يعرف سعيداً باستثناء معلمَينِ فلسطينيَين. لم أقل شيئاً، لكن مزاجي ظل حزيناً لفترةِ. شجنٌ غامض لم يُبارحني عند الرحيل أبداً، جدده رثاء درويش لصديقه بقصيدته "طباق" - التي تُرجِمَت إلى الإنكليزية ترجمةً غير موفقةٍ، ثُم (تُرجمت) مُجدداً إلى العربية فأصبحت شيئاً لا علاقة له بدرويش، أو بالشعر من الأساس -. ثُم تذكروا فجأةً رحيل إدوارد سعيد في الإذاعة المدرسية - في محاولة لاسترضاء أحد المدرسين الفلسطينيين -، فتحدثوا عنه حديثاً غير موفق، وبطبعي الذي لا يعرف السكوت حين يحسن السكوت صححت الكثير من المعلومات عنه. تعرضتُ لاستجواباتٍ كثيرةٍ وُجِدَ منها أنني شعرتُ بالحزن حقاً لرحيل سعيد. لم يكن عليهم أن يتحروا عنه وقتها، فالحزن على شخصٍ اسمه الأول إدوارد، وتمني الرحمة له أمران يوجبان العقاب الأبدي في جهنم لو مِتُ دون أن أتوبَ عن هذه المعصية. - والعُمر يجري، وأنا لم أتب بعد! -
(يُضحكني من يسألُ عن السبب في مقتي للمدرسة، معسكرُ اعتقالٍ يُديره آمون غوث كان ليكون مكاناً أفضل بكثير).
عرضُ العاهاتُ العقليةِ أمرٌ، ومنعُ الناسِ من الحُزن أمرٌ آخر. كِلاهُما دليل على انعدام الأخلاق، وعلى أدنى قدرٍ من الإنسانية يكاد يتحول حيوانية محضة، لكن الأخير اعتداءٌ غاشم على حقوقِ آخرينَ في الإنسانية، وكأن القطيع المتوحشَ يُريد أن يحول الجميع مسوخاً مثله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق