25 أبريل 2008

مائة سبب وسبب للتوقف عن الكتابة!

إذا أردت التوقف عن الكتابة، فلن أحتاج لمائة سببٍ وسبب.
يكفيني سببٌ واحدٌ لأتوقف عن الكتابة، هو أن أكف عن أن أكون "شبه مريضة بالظلال" كسيدة شالوت، لأصبح مريضة بها تماماً. حينئذٍ ستختلط أوراق الوجود، ولن يعود ثمة واقعٌ أو خيال. ستصبح الكتابة عدماً، وستتوقف عن كونها وسيلة للوجود.

بعيداً عن هذه الأفكار شبه الفلسفية، يُقدم شون لندسي في مدونته مائة سبب وسبب للتوقف عن الكتابة 101 Reasons to Stop Writing أسباباً واقعية لوضع الأقلام جانباً، وإغلاق برامج معالجة الكلمات، ومحاولة البحث عن مهنة أفضل بدل تضييع العُمر في الظلال، وتضليل القراء بكلماتٍ متقاطعة يدعوها أصحابها أدباً.
حتى الآن، وضع لندسي سبعة عشر سبباً للتوقف عن الكتابة، وينوي المتابعة حتى يُنهي جميع أسبابه المائة ويضيف عليها سبباً. التاريخ الذي يتوقعه للانتهاء من أسبابه هو الرابع والعشرون من مارس 2016، ولا يبدو أن بُعد التاريخ يفت من عضده. ففي الطريق، قد يتوقف كثيرون عن الكتابة، وعند الاكتمال، ستكون الأسباب تذكيراً لكل شاردٍ جديد يشاء أن يكتب.
الفكرة الأساسية للمدونة هي أن الكُتاب قد لقوا تشجيعاً زائداً عن اللزوم ليكتبوا، بحيث صار من الواجب الآن إحباطهم ليتوقف سيل الأدب الرديء عن الإنهمار على القراء كمطر الضفادع الشهير. الحديث عن اتباع الأحلام بات قديماً جداً، وبات من الواجب الآن رد من أصابتهم لوثة الكتابة إلى جادة الصواب، وإرشادهم إلى أعمالٍ تنفع المجتمع بدل الإسهام في انحلاله بإعدام الذائقة الجمالية له.
قد يسقط خلال المسيرة أدباء كان مُقدراً لهم أن يُنتجوا أدباً عظيماً، لكن لندسي مستعدٌ للتضحية ببضعة أدباء جيدين مقابل الخلاص من طوفان الهراء الذي تطبعه المطابع يومياً، والذي ينتشر كالهواء في كُل مكانٍ، يزيده الفضاء السايبري تمدداً، ليتفوق على الهايدرا ذات الرؤوس السبعة التي كُلما قطع منها رأسٌ نبتت مكانها أخرى.
أسلوب لندسي ساخر، منطقه قوي، وحجته دامغة يصعب النيل منها أو زعزعتها. ما يجعل نشر أسبابه ومقالاته أمراً يستحق، لأن قراءة أسبابه السبعة عشر، تدل على أن المشاكل الأدبية لا تختلف بين الولايات المتحدة الأمريكية والعالم العربي إطلاقاً، بل إن المرء قد يُعمم ليقول أن مشكلة انتشار الأدب الرديء واحدة في كُل العالم، تُعاد صياغة التعبير عنها بطرقٍ مختلفة في لغاتٍ مختلفة.
بالإضافة إلى الأسباب للتوقف عن الكتابة، يُزود لندسي ضحايا أشباه الكتاب بمثبطات على هيئة بطاقاتٍ وهدايا للمناسبات المختلفة تحمل عبارات تهدف إلى تثبيط عزيمة شبه الكاتب ورده عن غيه. هُناك أيضاً اقتباساتٌ ذكية من كتابٍ وناشرين عن الكُتاب الذين لا يستطيعون الكتابة، وتعليقاتٌ مختلفة على أحداثٍ أدبية في الولايات المتحدة والعالم الغربي عموماً. ومعارك عنيفة ضد مسابقة "كتابة رواية في شهر" وما شابهها من مارثونات أدبية جنونية تجري في الغرب.
أعتقد أن ما يكتبه لندسي نقدٌ ذكي جداً للأدباء الجدد الذين يحولون فشلهم الأدبي، ولغتهم الرديئة، وقواعدهم التي لم يسمع بها عالم لغة من قبل، وتعبيراتهم الركيكة، وأساليبهم الفجة، وتذاكيهم المفضوح إلى ما يدعونه (كتابة جديدة) ستقلب كُل المقاييس. يقول لهم: "هذا مكانكم، فلا تحاولوا خلط الأوراق وقلب الحقائق." ولذلك قررتُ أن أترجم أسبابه، ومتفرقاتٍ من مقالاته - ذات علاقة بالواقع الأدبي العربي - إلى العربية، وأنشرها في مدونتي بعد إضافة تعليقاتي على النص - خارج الترجمة -، فأخذت الإذن منه مباشرة، وقبل ذلك بسرور.
الأسبابُ آتيةٌ بالعربية، لعلها تلقي حجراً في البركة الراكدة، أو يُسمع لها صدى في الوادي البعيد!

هناك 7 تعليقات:

  1. السلام عليكم
    الجميل والعزيزvagabondانصاف الموهوبين كلا في مجاله يا عزيزي اصبحوا الان في اعلي المناصب ومنهم من لا يملك الموهبة من الاساس ولا يمكن دراسة فئة او طائفة من الناس بمعزل عن مجتمعه
    وان اعتبرنا ان عالمنا اصبح قرية واحدة أو مجتمع واحد فالاسباب واحدةوالادباء نبض المجتمع ودليل صحته فنضرب مصر مثلا لا اجد الا المثال القديم(كل بئر ينضح بما هو فيه)النفاق والرياء لاصحاب الجاه والسلطان والسب والتحقير وتثبيط الهمم لأي من يقول كلمة حق فدليل قوة الجتمع هو تقبله للرأي الاخر وليس قهر افراده
    ولكم جزيل الشكر

    ردحذف
  2. إحم!..
    هذه محاولة شريرة لردع معظم الكتاب عن الكتابة بطريقة غير مباشرة!..
    ترجمة أسباب شون اللئيمة جداً ستكون رسالة تحمل رصاصة إلى كل أديب شاب..!
    ملاحظة:
    حفاظاً على سلامتي الشخصية، سأتوقف عن الكتابة..

    ردحذف
  3. لطفي عباس...
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته...
    أنت محق، فالصدارة الآن لعديمي الموهبة - وفي أحسن الأحوال، أنصاف الموهوبين - في كل مكانٍ. ولا يمكن لنا أن ندرس فئة من الناس بمعزلٍ عن المجتمع الذي أفرزها.
    الأدب - مع كونه نتاج مجتمعه - نتاجٌ كوني، لذا، فإن مشاكله الأساسية واحدة، ولذا يمكن تطبيق مبادئ الشكلانية الروسية على الأدب العربي مثلاً، أو تبني التنظيرات البنيوية بواسطة النقاد العرب دون أن يسبب ذلك خللاً في فهم البنية الفنية للأدب العربي.
    صدقت. دليل قوة المجتمع تقبله للرأي الآخر، وللاختلاف، لا محاولة قهر أفراده وتعطيل ملكاتهم الإبداعية ليصبحوا مجرد ببغاواتٍ تزعق ليل نهار بما يلقنها إياه النظام.
    تحياتي القلبية لك، لطفي عباس.
    وآمل أن تعاود زيارتك ومناقشاتك الهامة.

    ردحذف
  4. القاضي رودلفوس لسترانج...
    كما ترى - سعادة القاضي المُبجل - فإن كثرة ذكر القضاة في مدونتي شديدة التواضع مقارنة بمقام سعادتكم، قد أفسد ذمتها، وجعلها تنحو منحىً شريراً كانت لتكون أبعد المدونات عنه لولا احتكاكها الزائد بهم.
    المشكلة أنهم لن يرتدعوا أبداً!
    أعتقد أن أسباب لندسي صفعة إيقاظ، ليس إلا. في النهاية، فإن غرضه من الأسباب محاولة الإصلاح الإجتماعي وإنقاذ المجتمع بإرجاع فئة كبيرة ضالة إلى جادة الصواب لتقوم بأعمالٍ نافعةٍ بدل تشويه الذائقة الفنية للمجتم. هذا هو غرضي أيضاً، أما الرصاص فلدون كوروليوني، وللقضاة.
    ملاحظة:
    توقف عن الكتابة كما يحلو لك سيد هاشم، ستصبح فرداً مفيداً في المجتمع عندما تفعل. لكن، ليس قبل الانتهاء من "عالم أكلة الموت" بجزئيه. لو توقفت قبل ذلك، لا أستطيع أن أضمن لك أن القاضي المبجل كلود فرولو لم يُصبني بعدوى البيرومانيا.

    ردحذف
  5. أما أنا فأفضل أن أكون مريض نفسى ممسوس بالكتابه عن مجنون تقتات الروايه به!!!!

    ردحذف
  6. هذا تصريح قوي لا يترك فسحة للنقاش!
    مع أنني لا أرى الفرق حقاً بين الحالتين:
    "مريض نفسي ممسوس بالكتابة"
    تعريف نفسي حديث مختلط بعبارة ذات إيحاء ديني - "ممسوس" - للأديب.
    "مجنون تقتات الرواية به"
    التعريف الفعلي للروائي.
    الفرق الوحيد الذي يمكن استخراجه من العبارة هو أنك تفضل الفرار من الرواية فرار الحمل من الأسد، والبقاء(قاصاً) إلى الأبد.
    فقط من باب المشاكسة، سينفعك في البرد أن تحتفظ ببعض الشعر على رأسك بدل أن تضطر إلى ارتداء كوفية المخبرين الشهيرة، أو كوفية عصابات السود في هارلم.

    ردحذف