06 نوفمبر 2008

نادر المُجالِد - 3


بعد فوز باراك أوباما بالانتخابات الرئاسية، يبدو الأمر وكأن الولايات المتحدة الأمريكية قد استعادت حُلمها. لم يرَ العالم خيرَ أوباما من شره بعد، ولا يزالُ الوقتُ مُبكراً للحكم على فترة رئاسته التي اكتسبت صفة (تاريخية) قبل أن تبدأ حتى. استعاد الحزب الديموقراطي قُدرته على حشد الجماهير مع الناخبين الجُدد الذين بلغوا السن المُناسبة للتصويت في هذه الانتخابات. تغير العالم، وما زال رالف نادر لم يتغير. لكن، هل يتغير كُل شيء حقاً؟ أم أن نادر مُحق في ما قاله: "خياراته [أوباما] محدودة، فإما أن يكون العم سام لشعب هذا البلد، أو العم توم للشركات العملاقة". بالمناسبة، نال نادر ستمائة وواحداً وستين ألفاً وثلاثمائة وثلاثة وعشرين صوتاً في التصويت الشعبي، مما يعني أن هُناك من يؤمن به رغم كُل ما يُقال عن أوباما "الذي يدفع الأمة للبكاء فخراً".
ما الذي يستحق القتال لأجله؟
يُجالد نادر لأجل العديد من القضايا، لكن أهم قضية يُقاتل لأجلها - كما يُمكن أن يُعرف من سجله الانتخابي - قضية استقلاله. تقليدياً، يُصنف نادر مع الخُضر، وخاض معهم انتخاباتٍ أو اثنتين دون أن ينضم إلى الحزب، كما ترشح مع حزب الإصلاح (مستقلاً)، وفي هذه الانتخابات دخل مستقلاً - وتحالف معه حزب الحرية والسلام - بينما رشح الخُضر عضوة الكونغرس (السوداء) سنثيا مكيني، ورشح الإصلاح تيد وايل. يؤمن نادر بأهمية الحزب الثالث في إحداثٍ تغييراتٍ اجتماعية، وتوعية الناس بحقوقهم، لكنه يؤمن أيضاً بأهمية حفاظه على استقلاله وصوته الفردي. نادر ليس فرداً في جماعة، ويُريد الحفاظ على هويته وصوته كفرد لخدمة الجماعة الأكبر. الجماعة التي تفوق حزباً أو ولاية أو حتى دولة. خدمة المصلحة الإنسانية العُظمى لن تتم إلا عن طريق تحقيق الإنسان لهويته الفردية، وحفاظه على صوته المستقل، ووعيه بذاته ومكانه من العالم، ووجود الآخرين حوله.
الجماهير تكرهك
أخطر أنواع النفاق نفاق الجماهير، ونادر يعرف ذلك جيداً، لذا يُجازف بالتعرض للكراهية القومية وينتقد أوباما - مُمثل الأمة - في يوم الانتخابات، مُذكراً بتاريخه مع الشركات، ليُحذر الجماهير من رفع آمالها عالياً. لا يملك أوباما خطة تأمين صحي حقيقية، وصوت من قبل لزيادة ميزانية الجيش، كما دعم قرارات الحرب على العراق، أوباما ترسٌ في الآلة السياسية الهائلة التي أدت إلى الأزمة الاقتصادية. أثارت تصريحات نادر عاصفة من الحنق عليه، وجعلته - ببساطة - مكروهاً، لكنه يتسلح بإيمانه بالحقيقة. حذره مذيع أخبار فوكس نيوز من أن ميراثه السياسي سيُلطَخ، ومن أنه سيفقد تأثير (المخرب) الذي يقوم به دائماً في الانتخابات الرئاسية، لكنه رد عليه بأنه ليس سوى مُتنمر يحاول قلب الحقيقة، لقد تساءل عما إذا كان أوباما سيصبح رئيساً عظيماً أم مجرد دمية شركات، بينما حرفت (الميديا) أقواله لتحول الجدل من أفعال أوباما، إلى تأثير (العم توم) وسواد بشرته.
المُجالد في عزلته
في 1971، أسس نادر مُنظمة المواطن العام لتكون مظلة تجمع نشاطاته التي يقوم بها مع جماعةٍ من المُتطوعين يُعرفون بفرسان نادر Nader's Riders، ومن إصدار تشريعات سلامة المركبات، تشعبت نشاطات نادر العامة ونشاطات جماعة فرسانه التي أعيد تشكيلها عدة مرات قبل أن تبدأ في التلاشي. تشعبت قضايا نادر الفرعية، وزادت عداواته بسبب أسلوبه الهجومي، وصراحته التي يعتبرها الكثيرون غير ضرورية. زادت المعارك، وزادت حدة الهجمات، ومعها زادت عُزلة نادر.
لا يزال نادر يطرح الأسئلة الصعبة، ويقول ما يخشى الكثيرون قوله، لكن ما يقوله لا يُعجب الجماهير كما لا يُعجب النُخب الحاكمة. شيئاً فشيئاً، يتحول نادر إلى نذيرٍ لا يتمنى أحدٌ سماع ما يقوله، لأنه لا يجلب أنباء مُريحة. يعتقد نادر أن خطته هي الوحيدة الصالحة لإنقاذ البلاد، ولا يُفاوض عليها. لكن هدفه الحقيقي ليس أن ينتخبه الناس، بقدر ما يُريد أن يسمعوا ما لديه ليقوله، وليكونوا أكثر وعياً بحقوقهم السياسية، ولئلا تخدرهم الخُطب البليغة. يتكلم نادر ببساطة ووضوح: الحالة سيئة يا قوم، ولن تصبح على خير ما يُرام قريباً!
مع أسلوبه الهجومي، ووجوده الطويل على الساحة السياسية الأمريكية، تذبذبت علاقات نادر بالجمهور الأمريكي الذي يُقر له بكونه واحداً من أهم مائة شخصية ساهمت في تشكيل التاريخ الأمريكي، لكنه لا يُجمع على الكيفية التي ساهم بها نادر في تاريخ أمريكا. هل كانت مُساهمة نادر إيجابية أم سلبية؟ وهل كانت الأحجار التي ألقاها في بحيرة السياسة الأمريكية قضايا حقيقية أم فرقعاتٍ إعلامية لشخصٍ لا يُمكن أن يقاوم حُب الظهور لديه؟
ينحدر نادر من أسرة مُعمرة، وقد يعيش ليخوض انتخاباتٍ أخرى. حتى وفاته، لا يُمكن أن يُقيم التاريخ نادر تقييماً مُنصفاً بينما لا يزال لاعباً على الساحة. ميراث نادر السياسي والاجتماعي جُزء من تاريخ أمريكا والعالم، لكن النظرات المُتبصرة فيه لا يُتوقع أن تأتي قريباً.

رالف نادر وجدل العم توم عشية إعلان النتائج - يوتيوب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق