10 نوفمبر 2008

نادر المُجالِد - 4

(رالف نادر في 1982، بواسطة ميكي آيدر)

هل تعلمت أن تؤمن أم أن تفكر؟
يقول رالف نادر في الفيلم الوثائقي المُعَد عن حياته رجل غير عقلاني أن أباه - نثرى نادر - كان يسأله دائماً حين عودته من المدرسة: هل تعلمت اليوم أن تؤمن أم أن تُفكر؟ ويتخذ سؤال أبيه المُستمر مدخلاً لوصف علاقته بكل أشكال السلطة وفلسفته في الحياة داعياً الجميع إلى التفكير بدل أن يؤمنوا بما قيل (ويُقال) لهم دون إعمال عقولهم فيه. لو أن الناس فكروا فيما يُقال لهم، لوجدوا أن كثيراً من المُسلمات ليست مُسلماتٍ فعلاً، وأنها خدعٌ وحيلٌ من أشكال السُلطة المُختلفة لإقناعهم بأن حياةً أفضل ليست من حقهم، وأن هُناك من يعرف أفضل منهم، ويملك أن يُحدد لهم آراءهم وتوجهاتهم وأفكارهم. ليتوقفوا عن (عيش) حيواتهم، ويصبحوا مُجرد (عابرين) في حيواتهم هم. ليتفرجوا وكأنهم ضيوف على أنفسهم لا يملكون حقاً فيها، ويتحولون إلى مجرد أرقامٍ وأشكالٍ ملونة في الإحصاءات المُختلفة. لتنمحي هوياتهم شيئاً فشيئاً حتى تنمحي أسماءهم، ومن ثم يصبحون متغيراتٍ يستدعيها المُبرمج متى شاء من قاعدة البيانات، ويحذفها متى شاء.

امتلك نثرى نادر - والد رالف - مطعماً كان يجمع فيه زبائنه ليتناقشوا حول الأمور السياسية والمعيشية المُختلفة فيما يُشبه مُنتدى نقاشٍ محلي يديره نثرى ويُشارك فيه الزبائن. وفي هذا الوسط النقاشي الذي يملك كُل فردٍ فيه رأياً خاصاً به نشأ رالف الذي أخذ مفهوم مطعم أبيه حيث يملك كُل امرئٍ صوتاً مساوياً للآخر، وأخذه إلى واشنطن دي سي ليحاول إقناع السياسيين بأن كُل ناخبٍ مساوٍ للآخر، البيض والصفر والسود والهسبان، الأغنياء والفقراء، أولئك الذين يملكون تأميناً صحياً وأولئك الذين لا يملكون. كُلهم يملكون الحق في أن تُسمَعَ آراءهم، وفي ألا يتنمر عليهم السياسيون ورؤساء مجالس الشركات الكُبرى معلنين أنهم وحدهم من يملكون الحقيقة المُطلقة، وأنهم يملكون الحق في تسميم الضعفاء بالأغذية المُعدلة والكيماويات التي تلقيها مصانعهم والأشربة المغشوشة والأدوية التي لا تشفي بل تُمرِض، ويملكون الحق في قتلهم بسياراتٍ معيوبة وإجراءات سلامة لا تُراعي شروط السلامة وتأمينات صحية تسرق قوتهم لتنبذهم على قارعة الطريق.

جاءت روز بوزين إلى الولايات المُتحدة الأمريكية من زحلة في البقاع اللبنانية، واستقرت في وينستد، كونيتيكت، ثم تزوجت نثرى نادر في 1925، لتصبح روز نادر. كانت روز مُعلمة، درسَت الفرنسية والعربية، وكانت أول مُعلمةٍ تُعلِم خارج مدينتها، لكن شهرتها في وينستد جاءت من كونها ناشطة سياسية واجتماعية ذات تأثيرٍ واسع، ومن مواجهتها الشهيرة للسناتور بريسكوت بوش - جد الرئيس السابق جورج دبلبو بوش - في 1955، عقب فيضان كارثي في الولاية. اقتربت روز من بريسكوت بوش في تجمع عامٍ، وانتهزت فُرصة تقديمه يده للمصافحة، فأبقت يده بين يديها وهي تهزها (مصافحة)، مُصرة على ألا تترك يده وهي تشرح له بالأمثلة لماذا تحتاج المدينة إلى سد، ولم تتركه حتى وعدها بالمساعدة في دفع التماس السد قُدماً في واشنطن دي سي. تحقق طلب روز نادر، ولاحقاً دعت إلى بناء مركزٍ لرعاية الأطفال في المدينة، وتأسيس نادٍ للمتحدثين يُحضر المتحدثين العالميين إلى المدينة ليلقوا المحاضرات، وتوسعة مركز الرعاية الصحية وصيانته. كما أنها استخدمت صفحات الرأي في الجرائد الأمريكية الشهيرة للتعبير عن آرائها في مُختلف القضايا الاجتماعية والسياسية. وفي 1982 كتبت في صحيفة نيويورك تايمز شاجبةً استخدام (عبارات المشاهير) مثل: "بصراحة" و"بكل صدق" و"لأقول الحقيقة" قائلة بأن هذه العبارات تُعطي شعوراً بانعدام الثقة شاع جداً بين الناس بحيث أصبح واجباً إيجاد لغةٍ جديدةٍ موثوقة للتعامل بين الساسة والناس.

روز بوزين التي توفيت عن تسعة وتسعين عاماً أورثت ابنها طبيعتها المشاكسة التي لا تلين حتى تنال ما تعتقده حقاً لها. إنجازات روز المحلية تحولت إلى إنجازاتٍ وطنية - وعالمية - على يد ابنها الذي حارب لتطبيق قواعد السلامة في السيارات، ولحماية البيئة وتقليل تلوث الهواء، ولأجل العدالة الاجتماعية. ومع طبيعة نثرى نادر سياسية التوجه، فإن رالف نادر قد ورث عن أبويه ميوله السياسية، وطريقته في العمل، وقراراته التي قد يوجد من يعتبرها (غير عقلانية)، وإحساسه بالعدالة الاجتماعية، والانتماء العميق إلى عائلته وقيمها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق